توقعات عالمية بتضاعف الإصابات بالسرطان خلال الـ20 عاماً المقبلة

نحو 10 ملايين شخص يتوفون سنوياً بسببه

توقعات عالمية بتضاعف الإصابات بالسرطان خلال الـ20 عاماً المقبلة
TT

توقعات عالمية بتضاعف الإصابات بالسرطان خلال الـ20 عاماً المقبلة

توقعات عالمية بتضاعف الإصابات بالسرطان خلال الـ20 عاماً المقبلة

احتفلت دول العالم يوم الاثنين الماضي باليوم العالمي للسرطان تحت شعار «هذا أنا... وهذا ما سأفعل I AM and I Will» رمزا لاستطاعة أي شخص الحد من تأثير مرض السرطان على مستوى نفسه، وعلى مستوى الأشخاص والعالم من حوله، وسعيا لإنقاذ الملايين من الوفيات التي يمكن الوقاية منها سنوياً من خلال زيادة وعي الأفراد والحكومات في جميع دول العالم بشأن السرطان، إضافة إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة والخرافات الشائعة حول المرض.
وقد شاركت المملكة في هذه المناسبة بفعاليات متنوعة ستستمر حتى نهاية هذا اليوم الجمعة، على مستوى المرضى داخل المستشفيات بإقامة ندوات طبية، ولكافة أطياف المجتمع في المراكز التجارية الكبيرة والمولات في مختلف المناطق من أجل التوعية بهذا المرض وطرق مكافحته وإمكانية توقي العديد من أنواعه بتجنّب التعرّض لعوامل الأخطار الشائعة، وأولها دخان التبغ.

- السرطان
وفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن السرطان مصطلح عام يشمل مجموعة كبيرة من الأمراض التي يمكنها أن تصيب أي جزء من الجسم تقريباً، تحدث نتيجة نمو سريع لخلايا شاذة وانتشارها بشكل لا يمكن التحكّم فيه، وغالباً ما تغزو الخلايا المتنامية الأنسجة التي تحيط بها ويمكنها أن تتسبب في تكون نقائل (metastasis) تظهر في مواضع أخرى بعيدة عن الموضع المصاب وتُمثل النقائل أهمّ أسباب الوفاة من جرّاء السرطان. إن معدلات الإصابة بالسرطان آخذة في التزايد عالمياً وإقليمياً. والسرطان أحد الأسباب الأربعة الرئيسية للوفاة في إقليم شرق المتوسط؛ ووفقا للوكالة الدولية لبحوث السرطان (International Agency for Research on Cancer، IARC) التابعة لمنظمة الصحة العالمية، فإن وفيات السرطان في 2018 وصلت 9.6 مليون شخص، ما يمثل واحدا من كل 8 حالات وفاة بين الرجال وواحدا من بين كل 11 حالة بين النساء. ومن المتوقع أن تتضاعف معدلات الإصابة بالسرطان تقريباً في العقدين القادمين، لترتفع من 555318 حالة جديدة في عام 2012 حسب التقديرات إلى ما يقرب من 961098 في 2030 - وهي الزيادة النسبية الأعلى بين جميع أقاليم منظمة الصحة العالمية.

- أسباب السرطان
ينشأ السرطان عن تحوّل الخلايا العادية إلى أخرى وَرَمِيّة في عملية متعدّدة المراحل تتطور عموماً من آفة محتملة التسرطن إلى أورام خبيثة. وهذه التغيّرات ناجمة عن التفاعل بين عوامل الفرد الجينية وثلاث فئات من العوامل الخارجية، وفقا للوكالة الدولية لبحوث السرطان (IARC) وهي:
> عوامل مادية مسرطنة، مثل الأشعة فوق البنفسجية والأشعة المؤيّنة.
> عوامل كيميائية مسرطنة، مثل الأسبستوس ومكوّنات دخان التبغ والأفلاتوكسين (أحد الملوّثات الغذائية) والزرنيخ (أحد ملوّثات مياه الشرب).
> عوامل بيولوجية مسرطنة، كأنواع العدوى الناجمة عن بعض الفيروسات أو البكتيريا أو الطفيليات.
ويُعدُّ التشيخ من العوامل الأساسية الأخرى للإصابة بالسرطان الذي ترتفع معدلاته بشكل كبير مع التقدّم في السن، ومن المُرجّح أن يُردّ ذلك إلى زيادة مخاطر الإصابة بأنواع معيّنة من السرطان مع التشيخ. ويقترن تراكم مخاطر الإصابة بالسرطان بميل فاعلية آليات إصلاح الخلايا إلى الاضمحلال كلّما تقدم الشخص في السن. وتحتفظ الوكالة (IARC) بتصنيف كامل للعوامل المسرطنة.

- عوامل خطر أخرى
هناك عوامل خطر أربعة رئيسية ترتبط بالسرطان في جميع أنحاء العالم، وتشترك في ارتباطها، أيضاً، بالإصابة بأمراض غير سارية أخرى هي: تعاطي التبغ والكحول، اتباع نظام غذائي غير صحي، قلّة النشاط البدني، وزيادة كتلة الجسم.
وتمثّل بعض الالتهابات المزمنة عوامل خطر للإصابة بالسرطان وبالأخص في البلدان المنخفضة الدخل وتلك المتوسطة الدخل.
وقد نجمت نسبة 15 في المائة من أنواع السرطان التي شُخِّصت في عام 2012 عن الإصابة بالتهابات مسرطنة، ومنها جرثومة الملوية البوابية وفيروس الورم الحليمي البشري وفيروسا التهاب الكبد بي، وسي وبعض أنماط فيروس الورم الحليمي البشري وفيروس إبشتاين – بار (Lancet Glob Health: Global burden of cancers attributable to infections in 2012). الإصابة بفيروسي التهاب الكبد ب، سي وبعض أنماط فيروس الورم الحليمي البشري تزيد من خطر الإصابة بسرطان الكبد وعنق الرحم على التوالي، فيما تسفر الإصابة بعدوى فيروس العوز المناعي البشري عن زيادة خطورة الإصابة بسرطانات كسرطان عنق الرحم.

- أهمية الكشف المبكّر
يمكن الحد من وفيات السرطان إذا ما كُشِف عنه وعُولِج في مراحل مبكّرة، وفقا للعنصرين التاليين:
> أولا: التشخيص المبكّر. من المُرجّح أن يستجيب السرطان للعلاج الفعال إذا ما كُشِف عنه في وقت مبكّر فيؤدي لزيادة احتمال بقاء المصابين به على قيد الحياة، وإلى تقليل معدلات المراضة الناجمة عنه، وعلاجه بتكاليف أقل.
> ثانيا: الفرز. ويتم بالكشف عن حالات شاذة توحي بوجود أنواع معيّنة من السرطان أو حالات سابقة للسرطان لدى الأفراد الذين لا يبدون أي أعراض للإصابة بها وإحالتهم بسرعة إلى المرافق المعنية بتشخيص حالاتهم وعلاجها. ومن أمثلة أساليب الفرز screening ما يلي:
- تصوير الثدي بالأشعة لفرز سرطان الثدي.
- اختبار فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) لفرز سرطان عنق الرحم.
- الفحص البصري باستخدام حمض الأسيتيك لفرز سرطان عنق الرحم في الأماكن القليلة الدخل.
- اختبار لطاخة بابانيكولاو (Papanicolaou smear) لفرز سرطان عنق الرحم في الأماكن المتوسطة – المرتفعة الدخل. ووفقا للوكالة الدولية لبحوث السرطان فإن معدلات الشفاء من بعض أكثر أنواع السرطان شيوعاً، مثل سرطان الثدي وسرطان عنق الرحم وسرطان الفم وسرطان القولون والمستقيم، ترتفع عندما يُكشف عنها في مراحل مبكّرة وتُعالج بأفضل الممارسات المُتبعة في هذا المجال.

- آفاق علاج السرطان
> أجازت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) أول دواء في العالم يمكنه معالجة مرض السرطان، هو عقار «فيتراكفي (Vitrakvi)» الذي يعتمد على معالجة الطفرات الوراثية (الجينات) للأورام السرطانية، بغض النظر عن نوع المرض أو مكان نشأته، وفقا للإدارة. وعلقت وزارة الصحة السعودية أن هذا العقار قد أجيز لعلاج حالات محددة من السرطان ممن لديهم نوع محدد من الطفرات الوراثية النادرة (TRK gene) التي توجد في بعض الأورام مثل سرطان الغدد اللعابية والدرقية والرئة والأنسجة الضامة، وكذلك علاج الحالات التي تحتوي على الطفرة الوراثية ولا تحتمل الجراحة وأيضا الحالات التي تحتوي على الطفرة الوراثية ولا يوجد لها بديل مناسب للعلاج والحالات التي تطورت بعد العلاج المقرر لها. إن اكتشاف هذا الدواء خطوة مهمة في علاج السرطان وسوف يغيّر طرق العلاج 100 في المائة.
> مسكنات الألم مثل الأسبرين والإيبوبروفين تزيد من فرص النجاة من المرض الخبيث ما بين 25 - 78 في المائة، وإنما فقط للمرضى الذين يحمل سرطانهم جينا معدلا يعرف بـPIK3CA، وهو الطفرة التي يحملها ثلث الأورام التي تظهر في منطقتي الرأس والرقبة، وفقا لدراسة أميركية حديثة بجامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو. تعتبر هذه النتيجة أولية وستحتاج إلى تكرارها في تجارب سريرية أخرى.
> عقار مناعي جيني جديد، يستخدم لعلاج المرضى الذين يعانون من سرطان الدم الليمفاوي الحاد (ALL)، وهو الشكل الأكثر شيوعا من سرطانات الأطفال، وهو في طور الاعتماد من إدارة الغذاء والدواء الأميركية «FDA».
> دراسة علمية حديثة، في جامعتي جنوب كاليفورنيا وناغويا نشرت في دورية «ساينس أدفانس»، تكشفت عن عقار ما زال في مراحله التجريبية الأولى، يمكنه وقف نمو الخلايا السرطانية عن طريق ضرب وتشويش ساعتها البيولوجية الداخلية، باعتبار أن الخلايا في الجسم تحتوي على ساعتها البيولوجية الخاصة بها خلافا للساعة البيولوجية للإنسان التي يتحكم فيها الدماغ.
> نموذج جديد لعلاج السرطان باستخدام الخلايا الجذعية، يركز بشكل خاص على السرطان المتنقل أو النقيلي، الذي يأتي عندما ينتشر المرض إلى أجزاء أخرى من الجسم، وهي مميتة وتسبب 90 في المائة من وفيات السرطان. استخدمه الباحثون بفاعلية وأمان لاستهداف الخلايا السرطانية في الفئران لعلاج سرطان الثدي النقيلي، الذي ينتشر إلى الرئة. من المؤمل أن يقدم هذا النموذج علاجاً بديلاً وربما أكثر فاعلية للسرطان.
> تقنية النانو لمحاربة الأورام عبر تدمير الخلايا السرطانية ذاتيا، يعكف علماء سويديون على تطويرها، أملا في الاستغناء عن العلاج الكيميائي.
> تطورات هائلة في العلاج الإشعاعي للأورام أدت إلى تقليل الآثار الجانبية لما بعد العلاج، كما أمكن في علاج بعض الأورام (مثل أورام الدماغ وأورام الثدي إذا كانت صغيرة) الاستغناء عن الجراحة كليا والاكتفاء بالعلاج بالأشعة وقد يضاف له أدوية أخرى كالكيميائية أحيانا.
> ابتكر خبراء من جامعة ستانفورد طريقة ثورية جديدة للعلاج الإشعاعي، أطلق عليها اسم (PHASER) وهي مبنية على فيزياء الطاقة العالية، تسمح بتقليص فترة استخدامه لعلاج الأورام، وقادرة خلال ثوان معدودة على قتل الخلايا السرطانية. ولتلافي الضرر الذي يحدثه، عادة، العلاج الإشعاعي بالأنسجة السليمة، عمل مبتكرو الطريقة الجديدة على ألا تمس طريقتهم الأنسجة السليمة المجاورة للورم الخبيث، لأن الشعاع حسب طريقتهم سيوجه مباشرة لثوان إلى الورم، ولن يغير المريض خلالها وضعية جسمه، ما يقلل إصابة الأنسجة السليمة. ومن المتوقع أن تبدأ الاختبارات السريرية لهذه الطريقة خلال 3 - 5 سنوات.

- خطط الوقاية
إن ما يدعو للتفاؤل أن ثلث أنواع السرطان الشائعة تقريباً يمكن الوقاية منها باتباع الآتي:
> أولا: تثقيف الأفراد والمجتمعات وتوعيتهم بالروابط بين أسلوب الحياة وخطر الإصابة بالسرطان، ومن ذلك اتباعهم نظاما غذائيا صحيا والحفاظ على وزن صحي والمواظبة على ممارسة النشاط البدني وتحسين أساليب وسلوكيات الحياة والامتناع عن التدخين.
> ثانيا: ضرورة تطبيق استراتيجيات الوقاية ومنها: تجنّب عوامل الخطر التي ترتبط بالسرطان، وأهمها: الامتناع عن تعاطي التبغ والكحول، مكافحة السمنة، زيادة النشاط البدني المنتظم.
- التطعيم ضدّ فيروس الورم الحليمي البشري وفيروس التهاب الكبد بي، اللذين يحولان دون وقوع مليون حالة سرطان سنوياً.
- السيطرة على الأخطار المهنية.
- التقليل من التعرّض للأشعة فوق البنفسجية.
- التقليل من التعرّض للأشعة المؤيّنة (التصوير بالأشعة لأغراض التشخيص المهني أو الطبي).

- حقائق عن السرطان
> يعتبر السرطان أكثر الأمراض انتشاراً في جميع أنحاء العالم.
> واحد من كل ست وفيات في العالم بسبب الإصابة بالسرطان. وثلث الوفيات الناجمة عن السرطان تكون بسبب المخاطر السلوكية الرئيسية وهي: السمنة، انخفاض استهلاك الخضراوات والفواكه، قلة النشاط البدني، التدخين، وتعاطي الكحول.
> الالتهابات المسببة للسرطان، مثل التهاب الكبد (بي، سي) وفيروس الورم الحليمي البشري، مسؤولة عن نسبة تصل إلى 25 في المائة من حالات السرطان في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
> من الشائع ظهور أعراض السرطان في مرحلة متأخرة لعدم توفر خدمات التشخيص والعلاج خصوصا في البلدان المنخفضة الدخل لأكثر من 30 في المائة منها.
> في المملكة العربية السعودية، يعتبر سرطان الثدي الأكثر شيوعاً لدى النساء بينما سرطان القولون هو الأكثر شيوعاً لدى الرجال.

- أهداف اليوم العالمي للسرطان
> خفض الوفيات المبكرة الناجمة عن الأمراض غير المعدية بنسبة 25 في المائة بحلول عام 2025.
> تثقيف وتوعية المجتمعات عن أمراض السرطان، وطرق الوقاية منها.
> تشجيع الكشف المبكر واللقاحات الوقائية (التهاب الكبد الفيروسي بي - فيروس الورم الحليمي البشري HPV) والتوعية بأهميتها.
> التأكيد على أن الحلول ممكنة ومتوفرة، وبالإمكان تقديم وسائل الدعم والتوعية والوقاية من السرطان.


مقالات ذات صلة

السلطان هيثم وإردوغان يبحثان العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية

الخليج الرئيس التركي مستقبلاً سلطان عُمان بالقصر الرئاسي في أنقرة (الرئاسة التركية)

السلطان هيثم وإردوغان يبحثان العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية

اتفقت تركيا وسلطنة عمان على تعزيز علاقات الصداقة والتعاون فيما بينهما وأكدتا دعمهما لأي مبادرات لوقف إطلاق النار في غزة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
صحتك ضرب الكرة بالرأس خلال لعب كرة القدم قد يسبب تلفاً في الدماغ أكبر مما كان يُعتقد (أ.ف.ب)

لعبة شائعة في كرة القدم قد تسبب تلفاً بالدماغ

وفقاً لدراسة جديدة، فإن ضرب الكرة بالرأس خلال لعب كرة القدم قد يسبب تلفاً في الدماغ أكبر مما كان يُعتقد.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك يشكل النوم أهمية مركزية للصحة العامة ومستوى رفاهية الإنسان (جامعة ولاية أوريغون)

تغيير وقت الذهاب إلى الفراش كل ليلة يؤثر على صحتك

أشارت دراسة جديدة إلى وجود صلة قوية بين عدم الذهاب إلى الفراش في الوقت نفسه كل ليلة وخطر الإصابة بأمراض القلب أو السكتة الدماغية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك ارتفاع ضغط الدم يشكّل تحدياً للصحة (رويترز)

6 أشياء يقول أطباء السكتة الدماغية إنه لا يجب عليك فعلها أبداً

تعدّ السكتات الدماغية أحد الأسباب الرئيسة للوفاة، والسبب الرئيس للإعاقة في أميركا، وفقاً لـ«جمعية السكتات الدماغية الأميركية»، وهو ما يدعو للقلق، خصوصاً أن…

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك تزداد في هذه الفترة من العام فرص الإصابة بنزلات البرد والإنفلونزا (د.ب.أ)

3 أطعمة عليك تناولها عند إصابتك بنزلة برد أو إنفلونزا

تزداد في هذه الفترة من العام فرص الإصابة بنزلات البرد والإنفلونزا وغيرهما من الفيروسات.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ازدياد حالات اضطراب الأمعاء لدى المراهقين الأميركيين

ازدياد حالات اضطراب الأمعاء لدى المراهقين الأميركيين
TT

ازدياد حالات اضطراب الأمعاء لدى المراهقين الأميركيين

ازدياد حالات اضطراب الأمعاء لدى المراهقين الأميركيين

كشفت أحدث دراسة نُشرت في مجلة الجهاز الهضمي (Gastroenterology) في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي عن انتشار أمراض اضطراب الأمعاء (IBD) في الأطفال والمراهقين بالولايات المتحدة.

وتشمل هذه الأمراض بشكل أساسي مرض كرون (Crohn’s disease)، ومرض التهاب القولون المتقرح (ulcerative colitis)، وهي تُحدث التهاباً في الأمعاء في الأغلب يكون نتيجة لتفاعل مناعي. وفي بعض الأحيان يمكن أن يكون نتيجة لجود خلل في بنية الأمعاء. ويتسبب في حدوث تقلصات في البطن، وغازات تؤدي إلى انتفاخ وعدم ارتياح، وإسهال، وفي بعض الأحيان إمساك.

أمراض التهاب الأمعاء

وتُعدّ أمراض التهاب الأمعاء من الحالات المزمنة التي تلازم المريض وتستمر طيلة حياته. ويكون العلاج في الأغلب موجهاً للسيطرة على الأعراض أو تثبيط التفاعلات المناعية، ولكنه لا يوفر الشفاء التام، لذلك يمكن أن تحدث عودة للأعراض بعد فترة طويلة من التحسن.

وعلى الرغم من أن هذه الأمراض تعد نادرة الحدوث عند الأطفال، فإن الأعراض تكون أعنف بينهم. ومع الأسف فإن انتشار مرض التهاب الأمعاء آخذ في الازدياد؛ خصوصاً في المناطق ذات الدخل المرتفع، مثل أميركا الشمالية.

وبعيداً عن شدة الأعراض في الطفولة عنها في البلوغ، هناك مشكلات إضافية للمرض عند الأطفال، تتعلق بفشل في النمو نتيجة للأعراض المتكررة للجهاز الهضمي، مثل الإسهال والإمساك، بجانب الأثر النفسي والاجتماعي للمرض المزمن في مرحلة المراهقة؛ خصوصاً في وجود الخوف من تناول بعض أنواع الطعام التي يمكن أن تكون مثيرة للأمعاء بطبعها، وربما تؤدي إلى ظهور الأعراض، مثل الأطعمة التي تحتوي على المواد الحريفة (الحارة) أو منتجات الألبان، ما يمكن أن يسبب الحرج للمراهق.

وأوضحت الدراسة التي قام بها باحثون من جامعة نورث كارولاينا في تشابل هيل وجامعة بنسلفانيا، وتم تمويلها من مراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها (CDC)، وجود ما يزيد على 100 ألف شاب أميركي تحت عمر 20 عاماً، يعيشون مع مرض التهاب الأمعاء. وهذا العدد مرشح للزيادة. وحذَّرت من المخاطر الصحية التي يمكن أن تحدث للمراهقين في المستقبل؛ خصوصاً مع استمرار ارتفاع معدلات الإصابات كل عام.

قام الباحثون بتحليل بيانات طبية من 5 ولايات: (فلوريدا، ونيويورك، وبنسلفانيا، وأوهايو، وكاليفورنيا) ما يوفر صورة شاملة لمرض التهاب الأمعاء في الأطفال والمراهقين، حسب التشخيص النهائي من قبل الأطباء في جميع أنحاء البلاد. وكذلك قاموا بتحليل مطالبات التأمين الطبي الخاص على الطلاب، لمراجعة الوصفات الطبية التي تمت كتابتها، وكذلك التوصيات اللازمة للتشخيص، سواء تحاليل أو أشعات. واستعان الباحثون أيضاً بالمعلومات الطبية الخاصة بكثير من المراكز البحثية.

انتشار الحالات بين المراهقين

لتحديد مدى انتشار هذه الأمراض بين المراهقين والأطفال، اعتمد الباحثون على مجموعة موثقة من التشخيصات الطبية والأدوية الموصوفة لتحديد حالات التهاب الأمعاء، وقاموا بحساب تقديرات الانتشار تبعاً للعمر والجنس والعرق، وفقاً لتعداد الولايات المتحدة لعام 2020، لمعرفة النسب على وجه الدقة. ووجدت الدراسة زيادة في الإصابات بنحو 22 في المائة لمرض كرون، و29 في المائة لالتهاب القولون المتقرح في الأطفال، مقارنة ببيانات الانتشار لعام 2009. واتضح أن الانتشار يزداد مع التقدم في العمر، وكان أعلى لدى الذكور بالنسبة لمرض كرون، ولكن ليس بالنسبة لالتهاب القولون المتقرح.

لاحظ الباحثون وجود اختلافات كبيرة في الانتشار عبر المجموعات العرقية والإثنية، وكانت أعلى معدلات الانتشار بين المراهقين أصحاب البشرة البيضاء. والسبب في ذلك غير معروف تماماً؛ خصوصاً لأن المرض مناعي في المقام الأول. وقال الباحثون إن الأمر يحتاج إلى مزيد من الدراسات لمعرفة أسباب الاختلافات العرقية والإثنية، وهل يمكن أن يؤدي تناول أنواع معينة من الطعام إلى هذه التفاعلات المناعية؟ أو هل يمكن لعادات يومية معينة أن تكون محفزة لهذه الالتهابات؟ وبالطبع يستلزم ذلك إجراء أبحاث إضافية لجمع هذه المعلومات.

أوضحت الدراسة أن النسبة الحقيقية لانتشار المرض في الأطفال عالمياً يمكن أن تكون كبيرة، ولكن نظراً لتأخر التشخيص في كثير من الدول؛ خصوصاً التي لا تتمتع برعاية صحية جيدة، يتم بداية رصد المرض في مرحلة البلوغ. وتمر الأعراض كما لو كانت نوعاً من النزلات المعوية أو عدوى الجهاز الهضمي. وعلى سبيل المثال، فإن الأعراض الأكثر شيوعاً في مرض كرون هي آلام البطن والإسهال وفقدان الوزن، ومع ذلك يعاني واحد من كل 4 أطفال من أعراض غير محددة، بما في ذلك الخمول وفقدان الشهية.

وقال الباحثون إن زيادة نسبة تشخيص حالات التهاب القولون المتقرح عالمياً ربما تكون أكبر من مرض كرون؛ لأن الإسهال الدموي هو العرَض الأكثر وضوحاً في المرض، ولذلك يلفت نظر الأطباء لعمل تحاليل تساعد في كشف طبيعة المرض مبكراً. وهناك أيضاً أعراض للقولون المتقرح في الأطفال بعيداً عن الجهاز الهضمي، بما في ذلك آلام المفاصل وقرح بالفم (aphthous ulcers). وفي الأغلب ترتبط بزيادة شدة المرض.

ونصحت الدراسة الأطباء بضرورة عدم استبعاد تشخيص التهاب الأمعاء عند الأطفال، وعمل الفحوصات اللازمة في حالة الشكوى المتكررة من أعراض الجهاز الهضمي، حتى لو كانت غير محددة.

في النهاية، أكد العلماء على ضرورة أن يكون هدف العلاج ليس فقط محاولة السيطرة على الأعراض، ولكن محاولة شفاء الغشاء المخاطي للأمعاء، واختفاء الأعراض والالتهاب (deep remission) خصوصاً مع تبني إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) سياسة الشفاء بوصفها هدفاً علاجياً لجميع التجارب الدوائية الجديدة المتعلقة بمرض التهاب الأمعاء.

* استشاري طب الأطفال