تقرير برلماني يوثق معاناة {نساء التهريب} على الحدود المغربية ـ الإسبانية

تقرير برلماني يوثق معاناة {نساء التهريب} على الحدود المغربية ـ الإسبانية
TT

تقرير برلماني يوثق معاناة {نساء التهريب} على الحدود المغربية ـ الإسبانية

تقرير برلماني يوثق معاناة {نساء التهريب} على الحدود المغربية ـ الإسبانية

كشف تقرير أعده مجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى في البرلمان) أن نحو 3500 امرأة يعشن على تهريب البضائع من المعبر الحدودي باب سبتة المحتلة من قبل إسبانيا في شمال البلاد، وذلك في ظروف «مهينة» لفائدة بارونات التهريب وكبار التجار، مقابل مبلغ مالي يتراوح ما بين 100 و200 درهم (10 و20 دولارا) في اليوم. كما كشف التقرير تورط بعض رجال الجمارك في عمليات التهريب باستعمال عشرات السيارات التي لا تخضع للتفتيش.
وأعد التقرير الذي عرضت نتائجه مساء أول من أمس بلجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين بالخارج، بحضور نبيل لخضر، المدير العام لإدارة الجمارك والضرائب، عدد من النواب قاموا بمهمة استطلاعية لمعبر باب سبتة خلال شهر يوليو (تموز) ثم أكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، وذلك بعد تزايد عدد الوفيات في صفوف النساء الممتهنات للتهريب بسبب الازدحام والتدافع، كان آخرها مصرع سيدتين في 15 يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، الأمر الذي أثار استياء واسعا وجدلا سياسيا في المغرب وإسبانيا. ومن المقرر عرض التقرير مجددا الأسبوع المقبل أمام بسيمة الحقاوي وزيرة الأسرة والتضامن، وعبد الوافي لفتيت وزير الداخلية.
وكشف التقرير الذي قدمه عبد الفتاح العوني، مقرر المهمة الاستطلاعية، أنه فضلا عن النساء، يمتهن التهريب في المعبر قاصرون، وأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة. ويضطر كل هؤلاء إلى المبيت لليلتين على الأقل في العراء ليتمكنوا من اجتياز المعبر «في ظروف غير إنسانية».
وحسب إفادات النساء التي استقاها النواب فإن أغلبهن يتحدرن من أسر فقيرة. بعضهن يمارسن هذه المهنة منذ 30 عاما، وهن إما أرامل أو مطلقات من مختلف الأعمار يعلن أسرا تتكون من عدة أفراد، كما كشفت النساء عن تعرضهن للتحرش الجنسي وسوء المعاملة والعنف اللفظي وسب وشتم.
وقالت النساء المهربات أو «الحمالات» كما يطلق عليهن، بأنهن يضطررن إلى حمل ما بين 100 إلى 140 كيلوغراما من البضائع على ظهورهن، تسلم إليهن ملفوفة من مخازن كبيرة في سبتة، فيعبرن بها لتسليمها بدورهن إلى حمالين آخرين ينتظرون على الجبال لتجد طريقها إلى كبار التجار المتخصصين في بيع البضائع المهربة.
وقالت بعض النساء المهربات بأنهن يجهلن نوع البضاعة التي يحملنها، فيما أفادت أخريات أنهن يعرفن محتوى الأكياس الملفوفة التي تسلم إليهن وهي غالبا مواد غذائية وألبسة.
وتطالب المنظمات الحقوقية في إسبانيا والمغرب بوقف استغلال هؤلاء المهربات اللواتي يطلق عليهن وصفا مهينا هو «النساء البغلات» بسبب حملهن البضائع على ظهورهن المقوسة. وتناقلت تقارير إعلامية دولية معاناتهن مرات عدة.
من جهته، أقر نبيل لخضر، المدير العام لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، بكل المعطيات التي جاءت في التقرير مشيرا إلى أن الوضع في المعبر كان كارثيا أكثر عامي 2012 و2013 وأن إدارة الجمارك خصصت 25 مليون درهم (2.5 مليون دولار) لإعادة تهيئة البنية التحتية للمعبر، ووضع كاميرات المراقبة والإنارة. وزيادة عدد الممرات.
وأضاف «إن مشكل التهريب سواء في باب سبتة أو باب مليلية مشكل وطني لا يمكن حله من طرف جهة واحدة دون باقي الجهات».
وردا على الاتهامات التي وجهت لرجال الجمارك بممارسة التهريب، أقر لخضر ضمنيا بذلك، وقال بهذا الخصوص بأن «عدد الجمركيين بباب سبتة هو 130 جمركيا، وأنه علينا كمغاربة أن نحييهم لأنهم يقومون بعمل في ظروف جد صعبة».
وأضاف «نحن كمسؤولين عنهم أحيانا نجد صعوبة في أن نقول لهم ما يجب عليهم القيام به»، مقرا بأن «المراقبة لا يمكن أن تتم بشكل كامل»، وزاد موضحا «نحن لا نقوم بعملنا، لأنه لو أردنا القيام بعملنا كما يجب، علينا أن نضع حدا لهذا التهريب، لكن أنتم تعرفون تبعات ذلك». وقال لخضر أيضا بأن «كل من ضبط من رجال الجمارك تتم معاقبته»، مشيرا إلى أنه جرى معاقبة 24 جمركيا العام الماضي.
بيد أن المسؤول المغربي نبه إلى أنه يشعر بتأنيب الضمير عندما يوقع على هذه العقوبات، وقال «حينما أوقع على العقوبات تؤنبني نفسي، لأننا كمسؤولين، لم نوفر لهم البيئة السليمة للعمل».
وقدم لخضر بعض الأرقام عن عمليات التهريب بباب سبتة، وقال بأن ما بين 5 آلاف و6 آلاف شخص يعيشون على التهريب من المعبر، وأن قيمة المنتجات المهربة تصل إلى 6 حتى 8 مليارات درهم، (800 مليون دولار)، مضيفا أن عمليات التهريب من المعبر تضيع على خزينة الدولة من 2 إلى 3 مليارات درهم (300 مليون دولار).
يذكر أنه بعد حادث وفاة مهربتين العام الماضي في المعبر أجبرت السلطات الإسبانية النساء المهربات على نقل سلعهن فوق عربات حديدية مجرورة بدل حملها على ظهورهن، وهو الإجراء الذي التزمت به كل النساء، رغم أنه لم يضع حدا لمعاناتهن، حيث طالبن في شهاداتهن التي أوردها التقرير البرلماني بتوفير معامل في المنطقة لكسب «لقمة عيش كريمة» لهن ولأبنائهم العاطلين، بدل الإهانة التي يتعرضن لها في مهنتهن.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».