أنقرة تتحدث عن تفاهم مع موسكو حول منبج

TT

أنقرة تتحدث عن تفاهم مع موسكو حول منبج

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عدم وجود خطة «واضحة ومرضية» من جانب واشنطن بشأن إقامة المنطقة الآمنة في شمال شرقي سوريا، في وقت لوح فيه مجددا بشن عملية عسكرية في منبج لإخراج مسلحي «وحدات حماية الشعب» الكردية منها إذا لم تفِ الولايات المتحدة بتعهداتها بإخراجهم بموجب خريطة الطريق الموقعة مع تركيا، بينما أعلن المتحدث باسمه أن أنقرة قد تنفذ خريطة الطريق مع روسيا.
وقال إردوغان إنه لم يرَ بعد خطة مقبولة لإقامة منطقة آمنة بشمال شرقي سوريا بعد أسابيع من اقتراح الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنشاء هذه المنطقة. وأضاف في كلمة خلال اجتماع مع نواب حزب العدالة والتنمية في البرلمان أمس: «ليس من خطة مرضية عرضت علينا بشكل ملموس بعد. نحن بالقطع ملتزمون باتفاقاتنا، ووعدنا وعدا. لكن لصبرنا حدود».
وأضاف إردوغان أنه إذا لم يتم إخراج «الإرهابيين» من مدينة منبج السورية، في غضون أسابيع عدة، فإن «صبر أنقرة سينتهي»، موضحا أن الأوضاع الراهنة في شرق الفرات ومنبج، على رأس أجندة تركيا.
وجدد الرئيس التركي تأكيده على ضرورة أن تكون المنطقة الآمنة المقترحة في بعمق 32 كيلومترا في شمال شرقي سوريا تحت سيطرة تركيا وحدها، لكنه لفت إلى أن صبر تركيا سينتهي ما لم يتمكن سكان مناطق شرق الفرات من تسلم زمام إدارة شؤون مناطقهم خلال أشهر معدودة، مؤكدا في الوقت ذاته أن بلاده تحترم وحدة أراضي سوريا وحق شعبها في تقرير مستقبله.
وقال، في هذا الصدد، إن «تركيا تدعم، بكل صدق، مسيرتي إعداد دستور جديد وإجراء انتخابات حرة في سوريا». وتابع إردوغان: «نعارض (داعش) وحزب العمال الكردستاني ووحدات (حماية الشعب الكردية)، لأنها (تنظيمات إرهابية)، وليس لدى تركيا أحكام مسبقة تتعلق بأي شريحة تمثل الشعب السوري بحق، ونتحاور مع جميع الشرائح في هذا البلد، ونتحاور مع مختلف طوائف المعارضة المشروعة ونحاول أن نساعدهم».
وعاد الرئيس التركي للتأكيد على أن بلاده تنتظر حاليا أن تفي الولايات المتحدة بوعودها في منبج، مشيرا إلى أن إخراج «الوحدات» الكردية من منبج هو «حديث سنين لم يُترجم فعليا على أرض الواقع».
وقال إن شهية النظام السوري تزداد تجاه منبج بالتوازي مع استمرار المماطلة الأميركية في إخراج من سماهم «الإرهابيين» منها، علما بأن حاجة «منبج ومطالبها لا يلبيها الإرهابيون المدعومون من قبل أميركا، ولا (ظلم النظام السوري). سكان هذه المنطقة يرغبون في تحديد مصيرهم في ظل الضمانة التركية، هم يثقون بتركيا، وبسبب ممارسات (الوحدات) الكردية لا يستطيع السوريون المقيمون في بلادنا العودة إلى مناطقهم».
وأضاف إردوغان: «أجرينا محادثات بناءة عدة مع الرئيس الأميركي ترمب في هذا الشأن، ونستمر في ذلك، لكن لا نرى تلك النتائج الإيجابية المرجوة في المحادثات التي تدور على مستويات دبلوماسية عسكرية». وتابع: «تركيا ستقوم بكل ما يلزم حين يتعلق الأمر بأمنها القومي وسلامة حدودها، وذلك دون أخذ الإذن من أحد... ولا يمكن للتهديدات بما في ذلك العقوبات، أن تحيدنا عن طريقنا».
وفي السياق ذاته، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين إن بلاده توصلت إلى «تفاهم» مع روسيا بشأن تطبيق خريطة الطريق في منبج السورية وفق الاتفاق المبرم بين أنقرة وواشنطن في يونيو (حزيران) الماضي.
وعدّ كالين أن الإسراع بتنفيذ خريطة طريق منبج مهم جدا للعلاقات الثنائية مع واشنطن وأمن المنطقة ومسار الحل في سوريا، مشيرا إلى أنه كان من المفترض أن تنفّذ خريطة منبج منذ وقت طويل. وقال إن «تكتيكات المماطلة لن تفيد أحدا».
ونفى كالين، الذي كان يتحدث ليل الاثنين - الثلاثاء عقب اجتماع للحكومة التركية برئاسة إردوغان، الادعاءات بشأن توصل تركيا والولايات المتحدة إلى اتفاق حول المنطقة الآمنة في سوريا، قائلا إنها لا تعكس الحقيقة، وإن المفاوضات في هذا الشأن ما زالت مستمرة.
وشدد كالين على رفض تركيا الحديث عن منطقة عازلة تحمي «وحدات حماية الشعب» الكردية، قائلا: «هذه المنطقة ستصبح منطقة آمنة، ولن تكون منطقة عازلة لحماية أي تنظيم إرهابي، وتركيا لن تسمح بهذا بشكل قطعي».
في سياق متصل، قال كالين إن نظام بشار الأسد فقد شرعيته ولا مستقبل له، مشيرا إلى أنه «في إطار أمن تركيا، يمكن لأفراد جهاز المخابرات التركية أن يتواصلوا بين الحين والآخر مع مختلف الأطراف بمن فيهم عناصر النظام؛ سواء في دمشق أو الحسكة أو القامشلي، من أجل أمن وسلامة العمليات التي ينفذونها على الأراضي السورية، وهذا ليس بالأمر الذي يستدعي الاستغراب». وشدد على أن ذلك «لا يعني الاعتراف بشرعية الأسد بشكل مباشر، لأن نظام الأسد فقد شرعتيه بالنسبة لنا ولا مستقبل له».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.