مشروع «بيروت الخضراء» حلم يُترجم على الأرض بهمة الشباب

مبادرة يشارك فيها مركز الأمم المتحدة وبلدية العاصمة اللبنانية

حرج بيروت من المساحات الخضراء القليلة الموجودة في العاصمة اللبنانية
حرج بيروت من المساحات الخضراء القليلة الموجودة في العاصمة اللبنانية
TT

مشروع «بيروت الخضراء» حلم يُترجم على الأرض بهمة الشباب

حرج بيروت من المساحات الخضراء القليلة الموجودة في العاصمة اللبنانية
حرج بيروت من المساحات الخضراء القليلة الموجودة في العاصمة اللبنانية

كثيرون من شباب بيروت يحلمون برؤية مدينتهم ترتدي حلة بيئية تليق بها وبموقعها الحيوي. فأهالي العاصمة اللبنانية يفتقدون المساحات الخضراء التي تخولهم أن يعيشوا فيها ضمن المعايير الصحية السليمة المطلوبة.
ومن هذا المنطلق، اختتمت الغرفة الفنية الدولية في لبنان المرحلة الثانية من مبادرة «بيروت الخضراء»، بالتعاون مع مركز الأمم المتحدة للإعلام وبلدية بيروت، في شارع المجوهرات في أسواق المدينة.
وتهدف مبادرة «بيروت الخضراء» المواتية للبيئة، وقد جرى استحداثها عام 2017 من قبل الغرفة الفنية الدولية في لبنان، إلى جعل مدينة بيروت مدينة تتوافق والمعايير البيئية اللازمة. كما تعمل على زيادة الوعي البيئي بين أبناء المجتمع، وزيادة المساحات الخضراء في كل أرجائها. وتأتي هذه المرحلة تكملة للأولى التي سبقتها في أغسطس (آب) الماضي، من خلال مسابقة فنية معنية بالمساحات الخضراء. وقد تألفت المشاركة من 3 فئات: فنية، ومحترفة، وهندسة معمارية.
وتولت لجنة التحكيم، المؤلفة من مهندسين معماريين ومهندسين بيئيين وأساتذة جامعيين، عملية اختيار الفائزين في الفئات الثلاث من المسابقة، الذين أعلن عن أسمائهم في ختام المرحلة الثانية.
«إنها مبادرة تشجع على تشجير بيروت، وخلق مساحات خضراء فيها تناسب العائلات اللبنانية وأولادها».. تقول دانيال رفول مديرة الغرفة الفنية الدولية في بيروت، وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «تراوحت المشاريع المقدمة من قبل طلاب شباب وفنانين ومهندسين معماريين بين استحداث مساحات خضراء وأسواق صغيرة بيئية تسمح لزائرها بأن يمضي أوقاتاً مسلية ضمن أجواء بيئية تنقصنا في بيروت. وبعض هذه المشاريع استخدم المياه إلى جانب الأشجار والحدائق، لتضفي طابعاً بيئياً يساهم في الترفيه عن زوار تلك الأمكنة التي ستتولى بلدية بيروت تنفيذها».
وجرى اختيار عدد من الأراضي التابعة لبلدية بيروت، الموزعة على العاصمة، لتستضيف هذه المشاريع، وبينها في منطقة السوديكو في الأشرفية، حيث يجري تحويلها إلى خضراء تماماً، كما تهدف المبادرة.
أما المشاريع التي تم اختيارها من الفئات الثلاث، فتألفت من أسواق صغيرة بيئية لفئة الطلاب، واستحداث مساحة تلتقي فيها الأشجار والمياه من فئة المحترفين. ومن فئة الفنانين، تم اختيار مشروع يرتكز على «لصق الصور» (فوتو كولاج)، وهو كناية عن تصور فني لبيروت الغد. وتميزت الفئة الأخيرة المشاركة في المسابقة بتقديمها مشاريع تتسم بطابعها الفني الخارج عن المألوف، وتمثل احتياجات أهل بيروت في هذا الإطار. وشملت مواضيعها لوحات مرسومة، ومنحوتات وصور فوتوغرافية تعبر عن أفكار وآفاق رؤيوية لشباب بيروت حول «بيروت الخضراء».
تجدر الإشارة إلى أن هذه المسابقة هي عبارة عن دعوة لاستقطاب تصاميم مُبدعَة وحلول فنية تساعد في تطوير وتحسين الأماكن العامة في بيروت. وفي هذا الإطار، طُلب من المشاركين تصميم مساحات ومسطحات طبيعية مُستدامة تلبي احتياجات المواطنين في بيروت. كما يجب على المشاركين الفنيين التعبير عن احتياجات مواطني بيروت من خلال قطع فنية. أما النشاط الأول الذي رافق هذه المبادرة، في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2017، في أسواق بيروت، فقد شارك فيه نحو 250 شخصاً، بما فيهم عائلات وأولاد، ضمن نشاطات ذات صلة مباشرة بتعزيز الوعي والمعرفة البيئية، وكذلك ضمن جلسات تعلمهم كيفية زرع النباتات والأشجار، وغيرها من النشاطات الترفيهية.
تجدر الإشارة إلى أن جمعية الغرفة الفنية الدولية هي منظمة عالمية لا تبغي الربح، وتضم أكثر من مائتي ألف شابٍ وشابة فاعلين في المجتمع، يكرسون عملهم لإرساء التغيير الإيجابي. وقد نفذت الجمعية إلى اليوم أكثر من 5 آلاف مشروع في 120 بلداً، بهدف تقديم الحلول اللازمة للمشاكل المحلية، بغية خلق تأثيرٍ عالمي مستدامٍ.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».