أصبح الدوري الإنجليزي الممتاز مهووساً بالتنافس على الإنفاق بقوة في فترات انتقالات اللاعبين، في ظل الاعتماد على فكرة أنه يمكن للأموال أن تشتري النجاح، لكن الأمر أصبح مزعجاً ومبتذلاً بشكل متزايد في هذه الأيام. خلال متابعة تفاصيل ما يحدث خلال اليوم الأخير لفترة الانتقالات الشتوية التي أُغلقت مساء الخميس الماضي وما أسفرت عنه، تم طرح التساؤل عما إذا كانت كرة القدم الإنجليزية ستبدأ أخيراً في التشكيك في جدوى هوسها بالتنافس في ما بينها بقوة على الإنفاق بهذا الشكل السخي وغير المدروس في كثير من الأحيان.
عندما نسمع عن حجم الأموال التي تدفعها الأندية لعقد صفقات جديدة في فترة انتقالات اللاعبين فإننا نعرب عن عدم ارتياحنا ونعبّر عن ذهولنا واندهاشنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن تبقى الأمور على حالها ولا تتغير. وتجب الإشارة إلى أنه خلال فترة الانتقالات الشتوية الأخيرة ارتفع صافي إنفاق الأندية على التعاقدات الجديدة لهذا الموسم إلى مستوى قياسي بلغ 905 ملايين جنيه إسترليني.
ربما يكون إنفاق أندية الدوري الإنجليزي الممتاز في فترة الانتقالات الشتوية هذه السنة أقل عن سابقاتها لأول مرة منذ 2012 بعد قرار ثلاثة من الأندية الستة الكبار عدم التعاقد مع لاعبين جدد. إلا أنه عند استعراض الأرقام الخاصة بموسم 2018-2019 نجد أن 220 مليون جنيه إسترليني، على الأقل، من إجمالي الإنفاق ستترك كرة القدم في شكل مدفوعات لوكلاء اللاعبين والوسطاء، وهؤلاء هم المستفيدون الأوائل من فترة انتقالات اللاعبين، التي تحولت إلى ما يشبه «السيرك». فرغم إنفاق كل هذه الأموال الطائلة، لا يزال بعض الملاعب وبعض غرف تغيير الملابس بالأندية في حالة مزرية. وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: متى سنبدأ في مقاومة ما يحدث؟
لقد أصبح اليوم الأخير من فترة الانتقالات، وكما هو الحال دائماً خلال السنوات الأخيرة، يحمل الكثير من الإثارة، في ظل انتظار الجميع سماع الصفقات التي ستُعقد خلال الساعات الأخيرة وقبل غلق باب القيد، فرأينا على سبيل المثال قناة «سكاي سبورتس نيوز» في فترة ما بعد الظهيرة من اليوم الأخير لفترة الانتقالات الشتوية وهي تستضيف اثنين من المحللين الذين يرتدون ملابس فخمة، وتضع ساعة العد التنازلي أعلى الشاشة لتشير إلى الدقائق المتبقية من فترة الانتقالات الشتوية في انتظار الصفقات المدوية التي ستُعقد في تلك اللحظات.
ودائماً ما كان الصحافيون المتجولون هم الأبطال الحقيقيون لهذا «العرض المسرحي»، إن جاز التعبير، فكان الصحافي فيني أوكونور موجوداً في نادي ليفربول في ظل تلك الأجواء شديدة البرودة وقد خرج على الشاشة لينقل آخر الأخبار ويقول: «لقد غادر المدرب يورغن كلوب للتوّ، لكنني لا أعرف الرسالة التي يحملها هذا الأمر».
وفي نفس الوقت، كان الصحافي تيم ثورنتون موجوداً في نادي هيدرسفيلد يقف أمام السياج المكسوّ بالجليد، ويبدو في حالة صحية جيدة ومتلهفاً لسماع ونقل أخبار جديدة، وقد بدا متفائلاً للغاية وهو يقول: «بالطبع سوف ننقل لكم أي أخبار بمجرد حدوث أي شيء». أما على شاشة القناة فكانت الساعة قد وصلت إلى الحادية عشرة مساء، وهو ما يعني أنه لم يكن يتبقى سوى ساعة واحدة فقط على نهاية فترة الانتقالات الشتوية.
وفي وقت لاحق تم تغيير اسم الاستوديو التحليلي ليكون «اليوم الختامي لفترة الانتقالات: العد التنازلي». وفي النهاية، تم الإعلان عن انتقال اللاعب الإنجليزي المخضرم بيتر كراوتش إلى بيرنلي، وسام فوكيس إلى ستوك سيتي، في حين انتقل ويلفريد بوني، الذي لم يسجل سوى ستة أهداف خلال السنوات الثلاث الأخيرة، إلى الدوري القطري. فهل كانت هذه هي الصفقات المدوية التي ينتظرها عشاق كرة القدم في كل مكان؟ ويجب ألا ننسى أيضاً أن الصحافية بقناة «سكاي سبورتس نيوز»، كيرستي إدواردس، كانت توجد في نادي ليستر سيتي وهي ترتدي القفازات في هذا الطقس البارد لكي تنقل لنا آخر أخبار اليوم الأخير من فترة الانتقالات الشتوية. ربما يكون هذا الأمر مثيراً، لكنه لم يعد يتناسب مع ما يحدث في كرة القدم في الوقت الحالي. وقبل انتهاء فترة الانتقالات الشتوية بسبع دقائق فقط، بدأ المدير الفني المخضرم سام ألاردايس يتحدث قليلاً عن التقشف، في الوقت الذي كان فيه الاستوديو بقناة «سكاي سبورتس نيوز» في حالة من الارتباك بسبب «اتصال مع اللاعب البلجيكي ميتشي باتشواي»، الذي انتقل في اللحظات الأخيرة من نادي تشيلسي إلى كريستال بالاس على سبيل الإعارة حتى نهاية الموسم. ونعود مرة أخرى إلى السؤال الذي طرحته في البداية: متى سنبدأ في مقاومة ما يحدث في فترات انتقالات اللاعبين؟
وتجب الإشارة إلى أن كرة القدم الإنجليزية تعاني من مشكلة كبيرة في ما يتعلق بمثل هذه الأشياء، فالدوري الإنجليزي الممتاز مهووس بالتنافس الشديد في إنفاق الأموال الطائلة على عقد صفقات جديدة، في ظل الإيمان بفكرة أنه يمكن لتلك الأموال أن تشتري النجاح، لكن هذا ليس صحيحاً. لقد أصبح الأمر مزعجاً ومبتذلاً على نحو متزايد، خصوصاً أن إنجلترا تعاني في الوقت الحالي من ضائقة مالية كبيرة وبها أشخاص كثيرون يعملون بكل قوة ولفترات طويلة ويشعرون بأنهم قد أُنهكوا في سبيل الحصول على قوت يومهم، لكنهم في نفس الوقت يشاهدون كرة القدم وهي تهدر ملايين الجنيهات!
وهناك بعض الأشياء التي يمكن القيام بها في هذا الشأن، لأن ما يحدث أصبح مدمراً ومخيفاً في حقيقة الأمر. ويجب العمل على تغيير طريقة التفكير، والتركيز على تجربة مثل تلك التي قام بها المدير الفني الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو مع نادي توتنهام هوتسبر، حيث نجح في تكوين فريق قوي للغاية «من دون إنفاق أي أموال».
ويتعين على الأندية أن تتوقف عن تقديم تعاقدها مع اللاعب الجديد كأنه لحظة انتصار في حد ذاته. أما بالنسبة إلى الجمهور فيتعين عليه أن يتوقف عن ترديد عبارة أن هذه هي السوق وأن الأمور تخضع للعرض والطلب، لأن هذا مجرد هراء ليس له أي أساس من الصحة. ويدفعنا كل ذلك إلى طرح السؤال التالي: مَن المستفيد من كل ذلك؟ إنهم وكلاء اللاعبين والوسطاء الذي يروجون ويسوّقون لهذه الصفقات من أجل الحصول على عمولات ضخمة، أما البقية منا فنكتفي بسماع الأخبار عن الملايين التي تُنفق هنا وهناك من دون أي ضوابط.
فترة انتقالات اللاعبين تحولت إلى سيرك
أندية الدوري الإنجليزي أصبحت مهووسة بالتنافس على الإنفاق إيماناً بفكرة شراء النجاح بالأموال
فترة انتقالات اللاعبين تحولت إلى سيرك
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة