دار الكتب المصرية تعود بإطلالة جديدة بعد سنوات من الترميم

رئيس الوزراء المصري وحاكم الشارقة خلال افتتاح دار الكتب المصرية أمس
رئيس الوزراء المصري وحاكم الشارقة خلال افتتاح دار الكتب المصرية أمس
TT

دار الكتب المصرية تعود بإطلالة جديدة بعد سنوات من الترميم

رئيس الوزراء المصري وحاكم الشارقة خلال افتتاح دار الكتب المصرية أمس
رئيس الوزراء المصري وحاكم الشارقة خلال افتتاح دار الكتب المصرية أمس

أعادت وزارة الثقافة المصرية افتتاح مبنى دار الكتب بباب الخلق، أمس، بعد الانتهاء من مشروع ترميم للمبنى وإعادته لأصله بمنحة من حاكم الشارقة بدولة الإمارات، في أعقاب الدمار الذي لحق بالمبنى نتيجة تفجير إرهابي لمبنى مديرية أمن القاهرة، الواقع في الجهة المقابلة، في عام 2014. والذي أدى إلى إغلاقه.
وافتتح الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، والشيخ سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، والدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة المصرية، المبنى الواقع بمنطقة باب الخلق وسط القاهرة، بحضور الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، والدكتور خالد العناني، وزير الآثار، وأشرف زكي، نقيب الممثلين، وكرم جبر، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، والدكتور هشام عزمي، رئيس هيئة دار الكتب والوثائق القومية.
وأعرب الشيخ سلطان القاسمي، في كلمته خلال الافتتاح، عن تقديره لمصر، وقال: «وأنا أدرس بمصر، كنت أتردد على قهوة بلاظوغلي، يرفض صاحبها أن يحصل مني على نقود، لأنني طالب إماراتي، وكرم صاحب القهوة هو ما يجعلني أريد تقدير مصر، فأنا واحد من أبنائها».
وأضاف «هذا المكان –دار الكتب - دخلته في عام 1966 كباحث، وكانت طريقة البحث صعبة في ذلك الوقت، وكان المكان مظلما، وحارا، وكنت أتمشى إلى سور الأزبكية لجمع كتب التراث»، مطالبا بالمحافظة على منطقة سور الأزبكية وتطويرها، فمنها «تلقينا تعليمنا وثقافتنا»، على حد قوله، داعيا إلى «محاربة الفكر بالفكر، وهذا دور الثقافة».
من جانبه قال رئيس الوزراء المصري إن «هناك خطة لتطوير القاهرة التاريخية، ومنطقة سور الأزبكية»، مشيرا إلى أن «الانتقال للعاصمة الجديدة، لا يعني أن القاهرة لن تبقى هي العاصمة، بل على العكس ستظل القاهرة هي عاصمة مصر الأبدية، إذ توجد خطة شاملة لتطويرها لإعادة وجهها الحضاري»، مشيرا إلى أن «افتتاح دار الكتب في مكانها التاريخي يعد رسالة مهمة بأن مصر ستظل منارة للثقافة، تساهم بإبداعات أبنائها من المفكرين والمبدعين في إثراء الأدب والفنون، وتشكيل الوعي والوجدان».
بدورها، أكدت وزيرة الثقافة المصرية أن «إعادة افتتاح الدار تعد انتصارا جديدا للثقافة المصرية، فالمبنى أصبح صرحا يضاهي دور الكتب العالمية بعد عملية الترميم والتطوير، التي شملت تجهيز القاعات بأحدث النظم التي تحفظ ثروات التراث القومي النادرة»، موضحة أن «عملية التطوير تمت بمساهمة من وزارة الآثار التي أعادت الجدران الخارجية للمبنى إلى شكلها الأصلي».
وعرضت وزارة الثقافة فيلما يوضح الدمار الذي لحق بمبنى دار الكتب في أعقاب التفجير الإرهابي، وتفاصيل مشروع الترميم والتطوير، وإعادة المبنى إلى أصله، بواسطة منحة من حاكم الشارقة، الذي كلف المكتب الاستشاري الخاص به بإعداد الرسوم والتصميمات اللازمة لترميم المبنى، بتكلفة مبدئية تصل إلى 26 مليون جنيه (الدولار الأميركي يعادل 17.6 جنيه مصري).وأوضح الدكتور هشام عزمي، رئيس مجلس إدارة دار الكتب والوثائق القومية، أن «عملية الترميم الأخيرة تمت بمنحة من الشيخ سلطان القاسمي، قدرت بنحو 31 مليون جنيه، بعد أن تضررت الدار في انفجار سيارة مفخخة أمام مديرية أمن القاهرة بحادث إرهابي في 24 يناير (كانون الثاني) 2014».
وقالت الدكتورة عايدة الدماطي، المشرف العام على دار الكتب بباب الخلق، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «المشروع تضمن إعادة تأهيل المبنى، الذي تضرر بالكامل جراء التفجير الإرهابي، وبدأ المشروع في عام 2016. وانتهى مع بداية عام 2018. وكان من المفترض أن ينتهي في وقت أقل إلا أنه كانت هناك بعض الصعوبات التي واجهت عملية الترميم والتطوير».
وقال رئيس مجلس إدارة هيئة دار الكتب إن «إعادة افتتاح دار الكتب اليوم تأتي بعد 110 أعوام على الافتتاح الأول لها»، مشيرا إلى «عملية تطوير الأنظمة الأمنية للدار»، ومؤكدا أن «عملية بناء الإنسان فكريا وثقافيا وعلميا، واحدة من مسؤوليات دار الكتب»، ومعلنا عن «التحضير لمشروع كبير لذاكرة الرواد في مصر»، وأضاف أن «وزارة الثقافة استطاعت استعادة مخطوطين نادرين مؤخرا».
وتعود فكرة إنشاء دار الكتب أو الكتبخانة إلى علي باشا مبارك، الذي عرض الفكرة على الخديوي إسماعيل عام 1870. لتصبح أول مكتبة وطنية في العالم العربي، وتغير اسمها ومكانها عبر العصور، حتى استقرت في المبنى الحالي في باب الخلق، وافتتحها الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، في فبراير (شباط) عام 2007. ليتم إغلاقها عام 2014 في أعقاب التفجير الإرهابي.
وقبل الافتتاح تفقد رئيس الوزراء المصري، متحف الفن الإسلامي، والذي انتهت عمليات ترميمه وتطويره بعد الدمار الذي لحق به جراء نفس الحادث الإرهابي، ومن المقرر إعادة افتتاحه قريبا.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».