حافظ وهبة... النسر المهاجر

حافظ وهبة... النسر المهاجر
TT

حافظ وهبة... النسر المهاجر

حافظ وهبة... النسر المهاجر

نزح المعلم الأزهري حافظ وهبة من بولاق إلى ساحل الخليج العربي هرباً من سطوة الإنجليز في مطلع القرن العشرين، كما تردد. ومن ثم، وجهته الأقدار للإقامة في عاصمة الإنجليز ذاتها لأكثر من ثلاثة عقود، مبعوثاً للسعودية قبل إعلان توحيدها وبعده، وقد لقي وجه ربه في روما، بعد غربة نافت على خمسين عاماً عن مصر، قضاها في مهجره في الجزيرة العربية وأوروبا، ومارس خلالها التعليم والإدارة والتأليف والدبلوماسية.
ورد اسمه بدءاً من عام 1915 ضمن الشخصيات الفاعلة في الحركة التعليمية في الكويت، ومشاركته عدداً من الناشطين إبان الصراع الدائر آنذاك بين الإنجليز والعثمانيين في رأس الخليج العربي على مشيخة الكويت والمحمرة (عربستان) وولاية البصرة وما جاورها، وأفاض مؤرخ الكويت الشيخ عبد العزيز الرشيد برصد جهوده التعليمية والدعوية والسياسية إبان تلك الحقبة. كما ذُكرت كتبه كثيراً في مصادر التاريخ السعودي، خصوصاً في الفترة المبكرة من قدومه إلى الرياض في منتصف العشرينات الميلادية من القرن الماضي، ومشاركته في ما عُرف بالمؤتمر الإسلامي الذي عقد في مكة المكرمة عام 1926، وفي لجنة التفتيش والإصلاح التي شكلها الملك عبد العزيز في العام نفسه، للبحث في سبل تنظيم الأوضاع الإدارية في البلاد بعد انضمام الحجاز.
ولم تورد المراجع الخاصة بسيرته الكاملة سوى بحث واحد أسهم به د. فاروق عثمان أباظة، أستاذ التاريخ بجامعة الإسكندرية، بعنوان: «حافظ وهبة.. مستشار شخصي للملك عبد العزيز»، في ندوة للعلاقات المصرية - السعودية، عقدتها جامعات الزقازيق وعين شمس والإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1987، وطبع مع مراجعه في نحو 150 صفحة، ويُعد من أوفى ما كتب عنه، لولا بعض التصحيفات المطبعية.
كما لم تورد المقالات التي كتبت عنه إلا نتفاً مما يستحق. ومن هنا، أصبح الخيار المتاح للحديث أمام جمهور تتجاذبه إغراءات قاعات المعرض أن يكتفي بموجز من ملامح سيرته، يُركز على أبرز ما قيل عنه، وعن كتابيه:
أورد خير الدين الزركلي، في قاموس الأعلام، نبذة بناها على سيرة حررها حافظ وهبة لنفسه، تقول: «هو سفير، من مؤرخي الدولة السعودية، مصري الأصل والمولد والمنشأ، تعلم مدة قصيرة في الأزهر وفي مدرسة القضاء الشرعي، وعمل في صحافة الحزب الوطني بالقاهرة والآستانة، ورحل إلى الهند، ومنها إلى الكويت 1915، مدرساً بالمدرسة المباركية، وكتب إلى الملك عبد العزيز آل سعود عام 1923، فأعجبه أسلوبه، ودعاه إلى الرياض في العام نفسه، وتقدم عنده إلى أن عينه وزيراً مفوضاً عام 1930، فسفيراً عام 1948، وأحيل إلى التقاعد سنة 1965، وتُوفِي في روما عام 1967، وله كتابان: (جزيرة العرب في القرن العشرين)، و(خمسون عاماً في جزيرة العرب)». وأحال الزركلي إلى مراجع كتبت عنه آنذاك في مجلتي «قافلة الزيت» و«العرب»، وصحيفة الحياة، والموسوعة الكويتية.
وبالانتقال إلى لقاء تلفزيوني أجريته عام 1976، تحدث الأمير المطلع مساعد بن عبد الرحمن، المتوفّى عام 1986، عمن عرف عن قرب من مستشاري أخيه الملك عبد العزيز، يقول:
«الشيخ حافظ أتى عبر الكويت، حيث أسهم في تأسيس مدرسة فيها لإيجاد حياة ثقافية في الكويت، ثم جاء إلى الملك عبد العزيز، وكان في الأحساء، وصحبه إلى الحجاز في أول عام من دخولها في الحكم السعودي، فأوكل إليه الملك بعض الأعمال المالية والإدارية. وبعد هذا بمدة، بعثه وزيراً مفوضاً في لندن، فهو من ناحية النشاط السياسي يُعد أقل من غيره، إلا بعد أن عين في لندن، حيث قام بما كان يوكل إليه من مهمات» - انتهى.
ومن المعلوم أن الملك عبد العزيز اصطفى، بالإضافة إلى مستشاريه السعوديين، نخبة من مختلف الأقطار العربية، من العراق والشام ولبنان وفلسطين وليبيا، وصار حافظ وهبة المستشار المصري الوحيد بينهم، ومن أقدمهم وأدومهم. وكان للملك بعض الأصدقاء من الغربيين الذين أقاموا في المدينة المنورة والرياض. ومن بين هذه المنظومة الفكرية من ألف في تاريخ المنطقة، كعبد الله فيلبي ومحمد أسد ورشدي ملحس وفؤاد حمزة وخير الدين الزركلي وحافظ وهبة.
أما الكتابات التي تحدثت عن سيرة هذه الشخصية، فلقد أخذ معظمها وجهة سردية تقليدية في تدوينها، فتحدثت عن مكان ولادته، وتاريخها، ودراسته، وأعماله الوظيفية، وكتبه... إلخ، دون أن تسبر أغوار نفسيته، وتغوص في وجدانه وتفكيره، في سياق العهد الزمني الذي نشأ فيه، ولا يكاد يوجد منهج حديث في حال سيرة شخصية حافظ وهبة سوى في نص واحد من هذا النوع، درس تكوينه دراسة اجتماعية نفسية عميقة، من خلال الزمان والمكان والظرف الذي عاش فيه، كتبه عنه الأديب المصري المبدع وديع فلسطين، في كتابه المعروف الذي يترجم لأعلام عصره في جزأين صدرا عن «دار القلم» بدمشق، عام 2003.
ثم يسرد وديع بعض تفاصيل نزوح حافظ إلى تركيا، فالهند، ثم الكويت، وممارسته التعليم وتجارة اللؤلؤ فيها، ونفيه إلى البحرين، ومطاردة الإنجليز له، واعتقاله في سجن طرة، ويصف منهج حافظ في تدوين التاريخ، وتحديده الفرق بين التاريخ والمذكرات، وأن التاريخ ليس موضوع إنشاء يكتبه صاحبه مغترفاً من معين الخيال، ويختم حديثه بالقول: «إن بواكير حياة حافظ كانت تنبئ عن مدرس للتاريخ واللغة العربية والدين، ولكن خواتيمها تكشفت عن رجل هو نعم المشير في السياسة، وعن رجل له في الدبلوماسية والعلاقات الدولية يد طولى، وكان دائماً نموذجاً للمواطن المصري السعودي الشريف».
ولقد طبع كتابه الأول «جزيرة العرب في القرن العشرين» عام 1935، في القاهرة، متضمناً أهم الحوادث في الجزيرة العربية، منذ نزح إليها عام 1915 حتى عام صدور الكتاب، وقد أهداه إلى «شباب العرب الناهض، عدة المستقبل ومناط الأمل»، وصور فيه الأوضاع السياسية والاجتماعية والسكانية والجغرافية، وأضاف إليه بعض الوثائق والمعلومات والخرائط ذات الصلة، ويقع الكتاب في نحو 400 صفحة، ولا شك أن الكتاب يكتسب جانباً من أهميته من كونه نُشر قبل خمسة وثمانين عاماً.
أما كتابه الثاني «خمسون عاماً في جزيرة العرب»، فطبع في مطبعة الحلبي بالقاهرة، عام 1960، وعده المؤلف متمماً للأول، وقد صدر بالعربية والإنجليزية في وقت واحد.
وتبلغ مسيرة حافظ وهبة من التنوع والامتداد ما لا تحيط بها صفحات محدودة، ولا يتسع لها حديث مقيد بوقت، ولعل الإضاءات الموجزة التي عرضتها هذه السطور تحفز الباحثين لكتابة سيرته الكاملة، التي تستقصي الظروف التي دعته للنزوح من موطنه، والنشاط التعليمي والسياسي الذي قام به في الكويت والبحرين، والأحوال الأسرية التي عاشها في السعودية، ومصير وثائقه، خصوصاً أنه يُعد من الشخصيات المصرية البارزة التي وفدت إلى المملكة العربية السعودية في فترة تأسيسها المبكر من القرن الماضي، وكان له دور مشهود على صعيد العمل الإداري والسياسي فيها، وأمضى في خدمتها أكثر من نصف عمر قارب الثمانين.
* من محاضرة ألقاها المؤلف
في معرض القاهرة الدولي للكتاب



«كلب» من القرن الـ18 بمليونَي إسترليني

«الكلب الإسباني» (سوذبيز)
«الكلب الإسباني» (سوذبيز)
TT

«كلب» من القرن الـ18 بمليونَي إسترليني

«الكلب الإسباني» (سوذبيز)
«الكلب الإسباني» (سوذبيز)

لم يشاهد الجمهور لوحة «الكلب الإسباني» منذ عام 1972، عندما بِيعت بمبلغ 30 ألف جنيه إسترليني. ومن المقرَّر عرض هذه اللوحة الشهيرة لجورج ستابس، للبيع، في مزاد علني تنظّمه دار «سوذبيز» للمرّة الأولى منذ ذلك العام.

ووفق «الغارديان»، تُعرض اللوحة العائدة إلى القرن الـ18، للبيع بسعر يتراوح بين مليون و500 ألف، ومليونَي جنيه إسترليني؛ وقد بِيعت آخر مرّة في مزاد بمبلغ 30 ألف جنيه إسترليني عام 1972. وقبل ذلك، بِيعت بـ11 جنيهاً إسترلينياً عندما طُرحت بمزاد عام 1802.

يشتهر الفنان المولود في ليفربول، والراحل عن 81 عاماً عام 1806، بإنجازه أقل من 400 لوحة طوال حياته المهنية؛ وهو يُعرف برسم الحيوانات، خصوصاً الخيول.

وإذ يُعتقد أنّ لوحة «الكلب الإسباني» رُسمت بين 1766 و1768؛ وهي أقدم لوحة للكلاب أبدعها الفنان، يُعدُّ عقد ستينات القرن الـ18 غزير الإنتاج بمسيرة ستابس المهنية. ففيها أبدع بعض أشهر لوحاته، منها لوحة «ويسل جاكيت» المعروضة في المعرض الوطني.

اللافت أنّ لوحة «الكلب الإسباني» لم تُعرض رسمياً سوى مرّة واحدة فقط في لندن عام 1948، ضمن المعرض الوطني للرياضة والتسلية. أما المرّة الأخيرة التي أُتيحت للجمهور فرصة مشاهدتها، فكانت عام 1972 داخل دار «سوذبيز» للمزادات.

وشهد القرن الـ18 اهتماماً لافتاً بالكلاب في الثقافة البريطانية، بفضل تفاقُم شعبية الرياضات الميدانية، خصوصاً الرماية الشائعة بين النخب الثرية آنذاك.

في هذا الصدد، قال المتخصِّص في اللوحات البريطانية، المدير الأول بـ«سوذبيز»، جوليان جاسكوين: «الأمر مثيرٌ لعدة أسباب؛ أولاً لأنها لوحة مفقودة، إنْ رغبنا في استخدام وصف درامي، منذ السبعينات».

وأضاف أنّ حالتها كانت لا تزال «رائعة»، بعكس كثير من أعمال ستابس التي «لم تصمد أمام اختبار الزمن».

وتابع: «تعود إلى العقد الأول من حياته المهنية؛ منتصف ستينات القرن الـ18؛ الفترة التي شكَّلت ذروة حياته المهنية، ففيها رسم لوحة (ويسل جاكيت)، وعدداً من لوحاته الأكثر شهرة؛ وكان استخدامه الفنّي للطلاء أكثر صلابة. بفضل ذلك، حافظت هذه اللوحة على حالة جميلة، وهو ما لم يحدُث مع كثير من أعماله الأخرى».

ومن المقرَّر عرض اللوحة للمشاهدة، مجاناً، ضمن جزء من معرض للوحات الأساتذة القدامى والقرن الـ19 في دار «سوذبيز» بغرب لندن، من 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي إلى 4 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.