اليمن... إرهاب ثلاثي بغطاء إيراني

«الحوثي» و«داعش» و«القاعدة»... تضاد عقائدي ووحدة لوجيستية

قوات الشرعية اليمنية تعاين موقع تفجير سيارة مفخخة في مدينة عدن أعلن «داعش» مسؤوليته عنه (أ.ف.ب)
قوات الشرعية اليمنية تعاين موقع تفجير سيارة مفخخة في مدينة عدن أعلن «داعش» مسؤوليته عنه (أ.ف.ب)
TT

اليمن... إرهاب ثلاثي بغطاء إيراني

قوات الشرعية اليمنية تعاين موقع تفجير سيارة مفخخة في مدينة عدن أعلن «داعش» مسؤوليته عنه (أ.ف.ب)
قوات الشرعية اليمنية تعاين موقع تفجير سيارة مفخخة في مدينة عدن أعلن «داعش» مسؤوليته عنه (أ.ف.ب)

كشفت الأيام الأخيرة وتطورات الأحداث على الأرض في اليمن أن ميليشيات الحوثي الإرهابية التي تدور في فلك الإرهاب الإيراني الأسوأ من نوعه في تاريخ الخليج العربي والشرق الأوسط هي من يوفر الغطاء لتنظيمي القاعدة وداعش، وبدعم من طهران مباشرة في محاولة لا تخطئها العين لإثارة المزيد من الفوضى القاتلة في المنطقة.
الشاهد أنه في الأيام القليلة الماضية كشفت وزارة الداخلية اليمنية عن ضبط خلايا إرهابية تابعة لجماعة الحوثي تعمل تحت اسمي «داعش» و«القاعدة» على زعزعة الأمن والاستقرار، واستهداف قيادات الدولة، وتنفيذ عمليات الاغتيالات، وفي السياق نفسه كان الجيش اليمني يعلن عن إطلاق حملة أمنية واسعة النطاق لملاحقة عناصر تنظيم داعش ومحاولة تحجيم فلول «القاعدة» المنتشرين في الريف الغربي لمحافظة تعز جنوب صنعاء.
ولعل علامة الاستفهام الأولى في هذه السطور: «هل قدم الحوثيون إن بطريق مباشر أو غير مباشر الدعم اللازم والمطلوب للإرهاب وجماعاته المختلفة، ليزداد انتشارا في اليمن على النحو الذي جعل ذلك البلد بقعة مشتعلة في الحال والاستقبال؟».
المقرر بالتجربة التاريخية أن الإرهاب وخلاياه المختلفة لا تعيش إلا في بيئات منفلتة أمنيا عنوانها الفوضى وعدم الاستقرار، ولهذا فإنه ومنذ الانقلاب الحوثي في سبتمبر (أيلول) من عام 2014 فإن التنظيمات الإرهابية في اليمن تسعى جاهدة لاستغلال الأوضاع الأمنية المتردية من أجل محاولة فرض نفوذها على الساحة اليمنية.
على أن الخبراء في مجال تحليل ودراسة هوية الجماعات الإرهابية، لا سيما «داعش» و«القاعدة»، يدركون جيدا أن هناك خلافات بينية وفكرية عميقة إلى الدرجة التي جعلت بعضهم يتصادم بالفعل في الميدان.
أضف إلى ذلك أن إيران لها توجهات مغايرة عن الجماعتين، وعليه فقد باتت علامة الاستفهام: ما الذي يجمع الأضداد في إطار واحد وإن تقطعت بهم سبل التوجهات الآيديولوجية والعقائدية؟
المؤكد بداية أنه رغم اختلاف المرجعيات المذهبية لأطراف الثلاثي الإرهابي المتقدم، فإن المتابع لما يجري على الأرض في اليمن يدرك أن تضافر جهود الحوثي مع «القاعدة» و«داعش»، إنما يصب في نهاية المشهد لصالح المعسكر الإيراني ذاك الذي يسعى لتشتيت وإرباك الجيش اليمني والمقاومة والتحالف العربي ويسعى لأجل استنزافهم وإنهاكهم وهو ما لم ولن يدركوه.
في تقرير أخير لها كانت صحيفة «واشنطن بوست» ترصد عبر عيون الباحثة في جامعة أكسفورد، إليزابيث كيندال، كيف تمكنت «القاعدة» بداية من تعزيز حضورها في اليمن، لا سيما أنها استفادت بشكل بالغ من الفوضى التي أعقبت الحرب في 2015، لا سيما بعد استيلاء جماعات الحوثي على معدات عسكرية يمتلكها الجيش اليمني وإقدام مقاتليها على سرقة البنك المركزي.
ترى كيندال أن مفتاح نجاح تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وبخاصة في اليمن لم يكن بفعل التجنيد المباشر، لا سيما أن عدد مقاتليه الأساسيين لم يتجاوز أربعة آلاف عنصر في قمة صعوده إنما جاء بفعل الجهود التي بذلها التنظيم بغية الحصول على دعم كبار قادة المدن وشيوخ القبائل، إلى جانب مساعيه لـ«كسب التعاطف الضمني من جانب السكان المحليين».
في هذا الإطار بدا «القاعدة» مختلفا في توجهاته عن «داعش» في أنه اعتمد نهجا متدرجا في ممارسة أعمال الحكم ضمن نطاق سيطرته حيث عقد صيغا تشاركية ومحلية الطابع لتقاسم السلطة مع أبناء تلك المناطق.
هل اليمن يمثل بالنسبة لـ«القاعدة» أهمية استراتيجية عالية، لا سيما أن التنظيم يخطط للعودة بقوة بعد الضربات الشديدة الوقع والخسائر الهائلة التي تعرض لها منافسه الأشد تنظيم دولة الخلافة «داعش»؟
يمكن القطع بأن ذلك كذلك بالفعل، فاليمن يمثل بيئة تتقاطع فيها الجغرافيا والديموغرافيا في خلق بؤر تمرد ذات إمكانية بقاء عالية، كما أن اليمن يقع في منطقة بؤرية محورية تحمل تهديدا خطيرا لأمن القوى الإقليمية والدولية، كما أن القدرة على التمدد الأفقي عبر توظيف العامل القبلي في اليمن والسعودية أمر من شأنه أن يرفد «القاعدة» بالمزيد من الأنصار وأن يوسع قاعدة الأفراد الساعين إلى القيام بعمليات انتحارية.
لم يكن لتنظيم داعش حضورا قويا أو ملحوظا في اليمن قبل الانقلاب الحوثي لكن أجواء الاضطراب والانشقاق الداخلي من جهة، والهزائم التي مني بها التنظيم في العراق وسوريا على يد قوات التحالف الدولي من جهة ثانية، يسرت وبشكل كبير لتسرب أعداد من «الدواعش» إلى الداخل اليمني، لا سيما في المواقع المتقدمة التي يسيطر عليها الحوثي وجماعته كما حدثت بعض الانشقاقات المبكرة في صفوف «القاعدة» لصالح «داعش»، وتم الإعلان عن قيام إمارات مزعومة تابعة لتنظيم الدولة في عدد من مناطق اليمن، إلى جانب تنفيذ هجمات استحوذت على عناوين الصحافة في عامي 2015 و2016. إلا أن «داعش» بحال من الأحوال لم يستطع أن ينافس «القاعدة» على النفوذ في اليمن. بدأت «داعش» تظهر في اليمن في بدايات عام 2014 عندما أعلن أبو بكر البغدادي أن مقاتلين في اليمن تعهدوا بالبيعة أي بقسم الولاء الرسمي له، وفي ذلك الوقت كان تنظيم الدولة يتمتع باكتساب عناصر جديدة بشكل كبير في جميع أنحاء العراق وسوريا فيما كانت ذروة شعبيته تتصاعد بين السلفيين المتشددين، وعليه فإنه ابتداء من نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 انشق عدد من نشطاء «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية وانضموا إلى تنظيم الدولة في اليمن.
لم يكن الاندماج واردا بين «القاعدة» و«داعش» بالمرة فقد اعتبر رجالات «القاعدة» فكر «داعش» بالنسبة لهم فكرا دخيلا، حيث أعلن القيادي بـ«القاعدة» حارث النظاري الذي قتل لاحقا أن تنظيم داعش لا يتجاوز كونه جماعة من الجماعات المتطرفة، وأن إعلان «داعش» لم يستوف الشروط اللازمة، ومن ثم فإن هذا الإعلان لا يبطل شرعية الجماعات الأخرى التي تعمل في الساحة، وبدا أن خطاب النظاري موجه بشكل أساسي لأنصاره في اليمن قبل أن يكون ردا على إعلان البغدادي.
كان للخلاف بين «القاعدة» و«داعش» أن يطفو على السطح في كل الأحوال فعلى الرغم من أن الأول حاول مرارا تأخير إعلان موقفه من الخلاف الذي جرت به المقادير بين الرجل الأول في تنظيم القاعدة والمسؤول عن هيكلها الحالي أيمن الظواهري، وبين تنظيم داعش الذي رأى في نفسه الأحق بقيادة التنظيم، فإن «القاعدة» في نهاية المطاف أعلنت تجديد بيعتها في اليمن للظواهري، ورفض فكرة قيام البغدادي بإعلان الخلافة بشكل منفصل.
أخفق «داعش» في اليمن في بداية الأمر فيما نجحت فيه «القاعدة»، وفي المقدمة من ذلك عجزه عن بلورة رؤية مجتمعية ثقافية محددة قادرة على التحدث بلسان اليمنيين ومخاطبتهم أو دغدغة مشاعرهم من أجل كسب المزيد من عناصرهم، فضلا عن غياب مشاركات في مشروعات تنمية المجتمع المحلي إلى جانب توجيه انتقادات قاسية لتكتيكات «داعش» من قبل مقاتلين انشقوا عن صفوفه إلى صفوف «القاعدة». ولأن «القاعدة» تنظيم مؤدلج فكريا فيما «داعش» عملياتي بشكل أكبر وأخطر، بدأ المشهد على الأرض يكاد يتحول إلى سباق دام بين المجموعتين لإحداث أكبر عمليات إرهابية، ففي مارس (آذار) 2015 أعلن ما يعرف بولاية صنعاء التابعة لتنظيم الدولة مسؤوليته عن تفجيرات صنعاء الأخيرة حيث فجر أربعة انتحاريين أنفسهم في مسجدي بدر والحشوش مما أسفر عن مقتل 142 شخصا في حين تبرأ «القاعدة» من العملية واتهم تنظيم داعش بالتساهل في سفك الدماء.
لم تتوقف المناوشات بين «القاعدة» و«داعش» عند المقارعات الفكرية، بل حدثت معارك فعلية على الأرض لا سيما في محافظات جنوبية ما اعتبر دليلا آخر على شعور تنظيم القاعدة بخطر استلاب الدواعش لمكان ومكانة أوسع وأعمق في المجتمع اليمني، ولاحقا بطغيان يمكن له أن يزيح مكتسبات «القاعدة» عبر الأعوام الماضية، لا سيما أن تنظيم داعش كان يتهم «القاعدة» في اليمن بأنه «تنظيم جهادي إسلامي لكن بما لا يكفي لأن يستحق هذا الوصف».
مرة أخرى كيف لتنظيمات متقاتلة على هذا النحو أن تتشارك ولو مرحليا تحت عباءة وغطاء واحد في الداخل اليمني؟... لتكن البداية من عند الحوثي و«القاعدة» وهي علاقة معقدة ومركبة فمع الإقرار بالاختلاف العقائدي أولا والآيديولوجي ثانيا، فإن المحلل المحقق والمدقق لتقارير مجلس الأمن والأمم المتحدة منذ 2014 وحتى اليوم يستطيع أن يرصد وبأقل مجهود فكري العلاقات الوثيقة التي ربطت علي عبد الله صالح مع تنظيم القاعدة، إضافة إلى أن التحقيقات تؤكد تورط ميليشيات الحوثي في زرع عبوات ناسفة بالمدن اليمنية ونسبتها لـ«داعش»، ما يؤكد كذلك تورط الميليشيات الحوثية مع «القاعدة»، وهنا الدليل الأول على أن «القاعدة» والحوثي وجهان لعملة واحدة صناعتها إيرانية فالعلاقة المزدوجة بين تنظيم القاعدة بإيران من جهة وبالحوثيين من جهة أخرى، تؤكد أن إيران نجحت وبكل أسف في استقطاب كثير من مقاتلي «القاعدة» وبينهم قيادات في الخط الأول والقيادات الوسطى، كما أنها قامت بتقارب بين ميليشيات الحوثي وميليشيات «القاعدة»، والجميع يعلم أن هناك صفقات تبادل أسرى بين الحوثيين و«القاعدة» برعاية إيرانية، كما كشفت المفاوضات في مراحلها المختلفة عن العلاقة بين تنظيم القاعدة وجماعة الحوثي وذلك عندما رفضت ميليشيات الحوثي مقترحا من الأمم المتحدة بإصدار بيان يؤيد العملية العسكرية ضد تنظيم القاعدة في المكلا وأبين.
هل من خيط يربط بين «داعش» وإيران، لا سيما في اليمن؟
ليس سرا القول إن الإيرانيين الذين أطلقوا ظاهريا فتاوى ما عرف بـ«الجهاد الكفائي» ضد «داعش»» علنا هم أكثر المستفيدين منها سرا لتحقيق مصالحهم في المنطقة، فطهران التي لا تستنكف تدين «داعش» لفظيا هي التي لا تحاربه على أرض الواقع عسكريا أو لوجيستيا، ولهذا نرى «داعش» يتحاشى استهدافها رغم شعاراته العلنية المضادة والمهاجمة للشيعة مما يؤكد وجود مصالح خلفية بين الجانبين في الماضي والحاضر.
أحد أفضل الأصوات التي كشفت لنا أبعاد العلاقات الخفية بين الإيرانيين و«الدواعش» دكتور مجيد رفيع زاده الباحث الإيراني الأميركي بجامعة هارفارد، والذي أشار إلى أن طهران استخدمت «داعش» في تعزيز قوتها الإقليمية، حيث كانت تواجه صعوبة في إضفاء الشرعية على دورها في العراق ودعمها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، كما أن إيران استغلت «الدواعش» في زخم ودعم قوة الميليشيات الشيعية التي تدعمها والتي تلعب دورا خطيرا اليوم في بلدان عربية مثل العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن، وعليه فإن تظاهر إيران بأنها تقاوم «داعش» هو شأن منحول وغير صحيح؛ إذ من مصلحتها بقاء التنظيم الإرهابي قويا ومنتشرا، الأمر الذي جعل البعض ينظرون إلى «داعش» على أنه حصان طروادة بالنسبة لإيران.
يوما تلو الآخر تتضح معالم التنسيق بين «الحوثي» و«القاعدة» و«داعش» في اليمن بمظلة مالية وعسكرية إيرانية، فقد ظهر الأمر قبل فترة عندما أقدم «الدواعش» على قتل عناصر يمنية في محافظة البيضاء كانوا في طريقهم إلى محافظة مأرب للالتحاق بصفوف الجيش الوطني الذي يواجه جماعة الحوثي الانقلابية، العملية التي تؤكد أن المستفيد الأول من تنفيذها هي الميليشيا الحوثية رغم اختلاف المرجعية المذهبية للطرفين.
هل التحالف الثلاثي الشرير المتقدم يعني أن قوات التحالف الدولي تحقق نجاحات بالفعل على الأرض؟ المؤكد أن قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن قد نجحت في التصدي للميلشيات الإرهابية من خلال الانتصارات الميدانية الكبيرة التي تحققت منذ انطلاق «عملية الحزم» في مارس 2015 وحتى اللحظة، حيث عملت قوات التحالف العربي على كبح جماح الميليشيات الحوثية، وتمكنت عبر إسناد القوات اليمنية والمقاومة الشعبية من استعادة 85 في المائة من الأراضي اليمنية التي كانت مهددة بالسقوط في براثن المشروع الإيراني الرامي لضرب المنطقة وتهديد الأمن الإقليمي والعالمي، وفي مواجهة تلك الانتصارات يُضحي من الطبيعي أن ينشأ تحالف «حوثي - داعشي – قاعدي»، يسعى لتنفيذ هجمات إرهابية جديدة في اليمن تستهدف المناطق المحررة من قبل القوات الشرعية.


مقالات ذات صلة

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون يحولون المنازل المصادرة إلى معتقلات

أفاد معتقلون يمنيون أُفْرج عنهم أخيراً بأن الحوثيين حوَّلوا عدداً من المنازل التي صادروها في صنعاء إلى معتقلات للمعارضين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

يواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية شبح الإفلاس بعد تجريده من وظائفه، وتحولت البنوك إلى مزاولة أنشطة هامشية والاتكال على فروعها في مناطق الحكومة

وضاح الجليل (عدن)
الخليج جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (مجلس التعاون)

إدانة خليجية للاعتداء الغادر بمعسكر قوات التحالف في سيئون اليمنية

أدان جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاعتداء الغادر في معسكر قوات التحالف بمدينة سيئون بالجمهورية اليمنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».