مصريون عاشقون للتاريخ يعرّفون بمعالم بلدهم الأثرية على مواقع التواصل

مسجدا السلطان حسن والرفاعي في القاهرة (أرشيف - أ.ف.ب)
مسجدا السلطان حسن والرفاعي في القاهرة (أرشيف - أ.ف.ب)
TT

مصريون عاشقون للتاريخ يعرّفون بمعالم بلدهم الأثرية على مواقع التواصل

مسجدا السلطان حسن والرفاعي في القاهرة (أرشيف - أ.ف.ب)
مسجدا السلطان حسن والرفاعي في القاهرة (أرشيف - أ.ف.ب)

أخذت الآثار المصرية طريقها إلى عالم مواقع التواصل الاجتماعي أخيراً، عبر كثير من الصفحات والحسابات التي بدأت منذ سنوات قليلة تروّج للمعالم الأثرية الموجودة في أنحاء المحروسة، وتعرِّف الشباب بها.
وبخلاف الحسابات الرسمية لوزارة الآثار المصرية والمجلس الأعلى للآثار التي تنشر عادة أخبار الاكتشافات الأثرية الجديدة في مصر، أطلق عدد من شباب الباحثين والمهتمين بالآثار مبادرات فردية للتعريف بالمعالم الأثرية وتاريخها، إما عبر مجموعة من الصور مصحوبة بشرح موجز، أو مقاطع فيديو مصوَّرة داخل مواقع تاريخية.
أخذ هؤلاء الشباب على عاتقهم تعريف الأجيال الشابة بتاريخ بلدهم عبر العصور المختلفة، وكذلك محاولة جذب انتباه الجهات المسؤولة لأوجه الإهمال أو مواطن الخلل التي تعانيها بعض المواقع الأثرية.
الباحث يوسف أسامة حاصل على ليسانس في الآثار الإسلامية يقول إن عشقه للآثار الإسلامية ورغبته في تسليط الضوء على جانب مهم في التاريخ المصري، خصوصاً على مستوى العمارة، دفعاه إلى تأسيس صفحة «المماليك» التي يتابعها مئات الآلاف على «فيسبوك»، بعد أقل من عامين على إنشائها.
ويقول أسامة (26 عاماً) لـ«الشرق الأوسط»: «بدأتُ قبل نحو ثلاث سنوات من خلال جولات بالمواقع الأثرية الإسلامية في القاهرة مع الأصدقاء، وكنت أتولى الشرح لهم، وهو ما حظي بإعجاب كثيرين، واستمررت على الطريقة البسيطة ذاتها في الشرح»، مضيفاً: «الأصدقاء أتوا بأصدقائهم، وهكذا فكرت بتحويل الجولات لصفحة (مماليك) في أبريل (نيسان) 2017».
ويوضح أسامة الذي عُرف بنشره الفيديوهات من المعالم الأثرية عبر التصوير «السيلفي» بهاتفه الجوال: «بدأتُ أنشر مقاطع الفيديو بشكل منتظم في يناير (كانون الثاني) 2018، إلى أن وصلت الصفحة إلى ما هي عليه الآن».
والسبب وراء تسمية الصفحة «المماليك» بحسب أسامة هو عشقه لتلك الحقبة من تاريخ مصر، وحاجته لاسم قوي يجذب المتابعين، لكنها ليست معنية فقط بذلك العصر، ويشرح: «على سبيل المثال أكثر فيديو شُوهد على الصفحة كان عن مخزن البارود الخاص بمحمد علي باشا، وحقّق نحو عشرة ملايين مشاهدة وهو غير مرتبط بالمماليك، وأيضاً فيديو عن مركز مدينة القاهرة نُشِر أخيراً».
ويلفت أسامة إلى أن فترة المماليك «فترة مهضوم حقها في تاريخ مصر، كونها فترة دسمة في التاريخ والعمارة، ومن أقوى الفترات في تاريخ مصر، كما أن الاهتمام بها يتناسب عكسياً مع قيمتها وأهميتها التاريخية».
ويؤكد مؤسس صفحة «مماليك» أنه لم يتوقع رد الفعل الكبير والتفاعل على الصفحة، ومشاهدة الملايين لفيديو واحد بينما كان يتوقع أن يشاهده بضعة آلاف على الأكثر، ما منحه ثقة ودفعه للاستمرار، كما طلب منه متابعون ترجمة الفيديوهات.
ويضيف أسامة أن سعيه لرصد أي إهمال تجاه المواقع الأثرية نابع من رغبته في الحفاظ على الآثار لتصل إلى الأجيال التالية، وبالتالي يسعى لتوثيقها بحالتها الحالية مهما كانت، ثم رصدها لاحقاً إذا جرى ترميمها أو الاعتناء بها.
ويلخص مؤسس صفحة «المماليك» أحد أهدافه قائلاً: «أستطيع بكاميرا هاتف جوال بمفردي إيصال رسالة جيدة تكون مصدر إلهام للشباب في كل المجالات، وليس الآثار فحسب».
ويرى أسامة أن أحد أسباب رواج الفيديوهات هو استخدامه اللغة البسيطة التي يفهمها الجميع، مضيفاً أنه تفاجأ بمتابعة كبيرة من الشباب، خصوصاً أنه يتعرض لموضوع يقل تناوله مقارنة بالبرامج الرياضة على سبيل المثال، وحتى بالمقارنة بتناول الآثار الفرعونية.
ويختتم مؤكداً أن دوره تمثل في تنبيه الناس لما في ضمائرهم وحبهم للتاريخ، ويقول إن متابعاً أبلغه بأنه أمّي ووجد في الفيديوهات على الصفحة ضالته للتعرف على تاريخ المواقع الأثرية، وآخر من ذوي الاحتياجات الخاصة لا يمكنه الوصول إلى تلك الأماكن، وهو ما ترك تأثيراً في داخله، خصوصا أنه يتلقى إشادات كبيرة من مثقفين وبسطاء على حد سواء.
حساب «العروة الوثقى» المعني بالآثار على «تويتر» هو الآخر ضمن أبرز المبادرات الفردية التي برزت أخيراً ويتابعه آلاف الأشخاص، لنشره صوراً للمواقع الأثرية ومعلومات عنها بطريقة مبسطة. ويؤكد مؤسس الحساب عماد أبو العلا (44 عاماً) أنه تفاجأ برد الفعل الواسع، خصوصاً من جانب الشباب، وبعضهم لم يكن يعرف أن هذه الآثار موجودة في بلاده.
يقول أبو العلا الذي تخرج في قسم التاريخ بكلية الآداب لـ«الشرق الأوسط»: «أمارس هذا العمل منذ سنوات طويلة على (فيسبوك)، عبر كتابة مقالات عن التاريخ الإسلامي، ثم تحولت إلى (تويتر) قبل نحو عامين لأن التاريخ يجري فيّ كمجرى الدم».
ويضيف: «أخذتُ أنشر صوراً للأثر مع نبذة مختصرة عنه، ووجدت رد فعل وإعجاب كبيرين، بالإضافة إلى مواصلة الرحلات المجانية التي أنظمها منذ سنوات للمناطق الأثرية، مثل شارع المعز، ومسجدي السلطان حسن والرفاعي وبيت الكريتيلية ودير سمعان الخراز وغيرها».
ويسعى مؤسس حساب «العروة الوثقى» من خلال الرحلات التي تجتذب العائلات إلى «ربط المعلومات النظرية عن الآثار بالجانب العملي عبر زيارتها ومعرفة كيف عاش الأسلاف، وكيف أن عصورهم لم تكن عصور حروب وجيوش فقط، وإنما كانت هناك طفرة علمية وحضارة، مثل بيت السحيمي، وهو نموذج لبيت عالم من علماء الأزهر يعكس الاهتمام بالعلماء ليعيشوا حياة راقية، ليشابه قصور الأمراء».
ويوضح أن الأجيال الشابة على مواقع التواصل تتفاعل بشكل كبير مع تغريدات الحساب التي تتضمن صوراً التي تجذبها، وصولاً إلى الرحلات، حتى إن البعض يسأل عن أماكن بعض الآثار كونهم لا يعلمون بوجودها في مصر.
ورغم أن مجال دراسته هو الآثار الإسلامية، يؤكد أبو العلا أنه يتناول جميع العصور في عرضه، ويقول: «مصر ليس بها تاريخ إسلامي فقط، وإنما أيضاً تاريخ قبطي، وبطلمي وبيزنطي وعصور كثيرة لم ولن تتوفر في أي بلد آخر».
ويؤكد أبو العلا أنه رصد استجابة في الفترة الأخيرة بعد تسليطه الضوء على مواطن الإهمال بحق مواقع أثرية، حيث جرى إغلاقها وترميمها، مثل «قصر البارون» وهو تحفة فريدة على الطراز الهندي في مصر، الشيء ذاته بالنسبة لقصر حبيب باشا السكاكيني الذي بدأ ترميمه أيضاً».
ونالت المواقع الأثرية اهتماماً كبيراً من قطاعات الشباب في مصر خلال السنوات الأخيرة، في ظل التراجع الذي شهدته حركة السياحة منذ عام 2011، قبل أن يتعافى بشكل كبير أخيراً. ويحرص كثير من الشباب والعائلات على زيارة شارع المعز لدين الله الفاطمي الذي يعج بالمساجد التاريخية، والتقاط الصور هناك، وحضور الفعاليات الثقافية والفنية، خصوصاً في شهر رمضان المبارك من كل عام.



نادٍ للكتّاب السعوديين انتقل من مبادرة إلكترونية إلى ملتقى حي لدعم المبدعين

وصل عدد أعضاء النادي إلى 85 عضواً في وقت قياسي (الشرق الأوسط)
وصل عدد أعضاء النادي إلى 85 عضواً في وقت قياسي (الشرق الأوسط)
TT

نادٍ للكتّاب السعوديين انتقل من مبادرة إلكترونية إلى ملتقى حي لدعم المبدعين

وصل عدد أعضاء النادي إلى 85 عضواً في وقت قياسي (الشرق الأوسط)
وصل عدد أعضاء النادي إلى 85 عضواً في وقت قياسي (الشرق الأوسط)

في ظل ما يشهده قطاع الهوايات في السعودية من نمو متسارع، منذ إسناد كل ما يرتبط بالقطاع إلى «مركز برنامج جودة الحياة»، بدأت تظهر مشاريع ومبادرات نوعية في جميع المجالات والاهتمامات لرعاية المواهب، وخلق بيئة واعدة لكل مجال.

ومن تجمُّع بسيط على إحدى منصات التواصل الاجتماعي، إلى مبادرة يشارك فيها عشرات الكُتاب والمبدعين لتبادل الخبرات والأفكار، ثم إلى حركة ثقافية واسعة النطاق، برز نادي «الكتابة الإبداعية شغفنا»، بوصفه نادياً فريداً من نوعه، يمثل ملاذاً لكل مَن يحمل شغف الحروف والكلمات والكتابة بمختلف أنواعها؛ حيث تتزايد الاهتمامات بالمجالات الثقافية والأدبية في المملكة.

فكرة تأسيس النادي

تقول الدكتورة سونيا مالكي نائبة قائد فريق نادي «الكتابة الإبداعية شغفنا»: «تأسَّس النادي بدعم من البوابة الوطنية للهوايات (هاوي)، التي تسعى إلى تمكين الهواة من ممارسة هواياتهم المفضلة؛ حيث كانت الانطلاقة الحقيقية للنادي من خلال إنشاء مجموعة على تطبيق (واتساب)، تجمع عشرات الكُتاب والمبدعين الذين يتبادلون فيما بينهم الخبرات والأفكار، حتى تحول هذا الحراك إلى حركة ثقافية واسعة النطاق».

تتنوع الفعاليات التي ينظمها النادي لتشمل جميع جوانب الكتابة الإبداعية من القصص القصيرة والروايات إلى الشعر والنقد الأدبي (الشرق الأوسط)

وأوضحت الدكتورة أن فكرة تأسيس النادي بدأت تتبلور بعد أن لمس الجميع مدى الشغف والإبداع الذي يمتلكه أعضاء المجموعة، مضيفة: «رأينا أن هذا الحراك يحتاج إلى منصة أوسع وأكثر تنظيماً، فكانت بوابة (هاوي) الخيار الأمثل، وبالفعل، حقق النادي نجاحاً ملحوظاً في فترة قصيرة؛ حيث وصل عدد أعضائه إلى 85 عضواً في وقت قياسي، وتنوعت أنشطته بين الورش التدريبية والندوات واللقاءات مع الأدباء والشعراء».

بيئة محفزة للإبداع

تتنوع الفعاليات التي ينظمها النادي، لتشمل جميع جوانب الكتابة الإبداعية، من القصص القصيرة والروايات إلى الشعر والنقد الأدبي. وتحرص إدارة النادي على استضافة نخبة من الأدباء والمثقفين لتقديم ورش عمل متخصصة، وتوجيه الكُتَّاب المبتدئين.

ويؤكد أعضاء النادي أنهم وجدوا في هذا الملتقى بيئة محفزة للإبداع؛ حيث يتبادلون الآراء والأفكار، ويتلقون النقد البناء، مما يساعدهم على تطوير مهاراتهم الكتابية.

لا يقتصر دور النادي على توفير منصة للتعبير عن الذات، بل يتعداه إلى تحقيق أهداف سامية تتمثل في بناء جيل من الكُتاب السعوديين القادرين على المنافسة على المستويين الإقليمي والدولي؛ حيث يطمح النادي إلى تحقيق كثير من الأهداف، من بينها تعزيز الوعي بأهمية القراءة والكتابة، وتطوير مهارات الكتابة الإبداعية لدى الأعضاء، ونشر الثقافة الأدبية، وتشجيع الإنتاج الأدبي، والمساهمة في بناء مجتمع معرفي.

حاضنة للأحلام ووجهة المبدعين

مع هذا الزخم الكبير والاهتمام المتزايد، يتطلع نادي «الكتابة الإبداعية شغفنا» إلى تحقيق مستقبله الواعد؛ حيث يسعى إلى توسيع دائرة أعضائه، والوصول إلى شرائح أوسع من المجتمع، وتنظيم فعاليات أكبر وأكثر تنوعاً، ويصبح أكثر من مجرد نادٍ؛ فهو حاضنة للأحلام، ووجهة لهواة الكتابة، وفي القريب العاجل ربما يكون شاهداً على ولادة أعمال أدبية ستظل خالدة في ذاكرة الأدب السعودي.

يُذكر أن قطاع الهوايات في المملكة شهد نمواً متسارعاً منذ إسناد كل ما يرتبط بالقطاع إلى مركز برنامج جودة الحياة؛ الذي يشكل المظلة المعنية بقطاع الهوايات (هاوي) التي تعمل على تقديم الدعم والتمكين للهواة من الجنسين في مختلف الهوايات، إلى جانب التوعية المستمرة بأهمية ممارستها، وفق «رؤية المملكة 2030».