«إذا كانت إيران تعول علينا لتعويضها عن كل ما تخسره بسبب إعادة فرض العقوبات الأميركية عليها، فإنها ستصاب بالخيبة لأننا حقيقة غير قادرين على ذلك»؛ هكذا لخصت مصادر دبلوماسية أوروبية حال الآلية المالية التي تنوي فرنسا وبريطانيا وألمانيا إطلاقها في الأيام القليلة المقبلة بعد أكثر من 4 أشهر من المناقشات بين البلدان الأوروبية الثلاثة ومع إيران.
وبعد التوافق بين الثلاثة الأوروبيين الموقعين على الاتفاقية النووية مع طهران على «توطين الآلية» في باريس عقب رفض بلجيكا ولوكسمبورغ والنمسا استقبالها على أراضيها، لا يعني الإعلان عن قيامها أنها ستكون «جاهزة» للتفعيل فورا. والسبب أن عددا من المسائل «التقنية» ما زال يحتاج إلى ترتيبات يتم العمل عليها بين العواصم الثلاث.
ما تقوله المصادر الدبلوماسية المشار إليها يحدد سلفا السقف الذي لن تستطيع الآلية الأوروبية تخطيه. وما يزيد الأمور تعقيدا أن علاقات طهران الأوروبية دخلت منذ نحو الشهرين حالة من «التصعيد» الذي لم يعد مكتوما. والدلائل على ذلك كثيرة؛ ففرنسا الأكثر حماسة للدفاع عن الاتفاق النووي عمدت إلى فرض عقوبات على جهاز استخباراتي إيراني بسبب دوره في التخطيط لتنفيذ اعتداء إرهابي نهاية يونيو (حزيران) الماضي ضد تجمع للمعارضة الإيرانية في مدينة فيلبانت الواقعة شمال باريس.
عقب ذلك، عمد الاتحاد الأوروبي مجتمعا إلى فرض عقوبات إضافية «بقيت إلى حد ما رمزية» على طهران بسبب نشاطاتها الإرهابية على الأراضي الأوروبية (فرنسا وبلجيكا والدنمارك وهولندا). لكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد؛ إذ إن المآخذ الأوروبية تتناول أيضا 3 ملفات إضافية: البرامج الصاروخية - الباليستية لطهران، وسياستها الإقليمية «المزعزعة للاستقرار» وفق توصيف الأدبيات الأوروبية والأميركية، وملف حقوق الإنسان.
وجاء تحذير وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في 23 ديسمبر (كانون الأول) الماضي الذي تضمن تهديدا مباشرا لإيران بفرض عقوبات فرنسية - أوروبية عليها إن لم تفض المحادثات الجارية معها حول البرامج الصاروخية والسياسة الإقليمية، ليبين مدى «الخيبة» الأوروبية من تصلب طهران.
وكما في كل مرة، جاء رد طهران سريعا؛ وهذه المرة على لسان وزير دفاعها لتأكيد أن البرنامج الصاروخي «دفاعي» وليس مشمولا بالاتفاق النووي ولا بالقرار الدولي «2231» إضافة إلى أنه خارج النقاش قطعيا.
وبعكس ما قاله الناطق باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي من أن طهران «لا تناقش» هذا الملف مع الأوروبيين، فإن مصادر أوروبية وثيقة الصلة بما يجري مع طهران قالت لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الموضوع طرح وإن الموقف «الدفاعي» لطهران هو القول: «جاهزون شرط أن تناقش برامجنا في إطار مقاربة (إقليمية شاملة) لملف الصواريخ في المنطقة».
في أي حال، يرى الأوروبيون أن طهران «لم ترد التحية بمثلها»؛ أي إنها لم تلاقِ أوروبا، التي دافعت عن الاتفاق النووي من أجل تمكين إيران من الاستمرار في الاستفادة مما يوفره لها رغم العقوبات الأميركية، بـ«ليونة» في الملفات الأخرى.
وبحسب تشخيص أكثر من مصدر متابع لملف العلاقات بين الطرفين، فإن أوروبا آخذة بالاقتراب كثيرا من المقاربة الأميركية المتشددة للعلاقات مع إيران وفق تصور الرئيس ترمب لها وذلك رغم «حساسية» أوروبا تجاه العقوبات العابرة للحدود التي فرضتها واشنطن والتي هي بمثابة السيف المسلط على رقاب الشركات التي «تتحدى» واشنطن وتثابر في التعامل مع إيران.
ولذا، فإن أوروبا، بشكل عام، تجد نفسها، تسير على خطين متوازيين: الأول، التمسك بالاتفاق النووي وبالآلية التي تعمل باريس ولندن وبرلين على دفعها إلى الأمام. والثاني، عدم التردد في انتقاد إيران وإفهامها أن الأوروبيين يعون «حقيقة» ما تقوم به طهران في الملفات الخلافية.
من جهة أخرى، لا يريد الاتحاد الأوروبي «القطيعة» مع واشنطن، ولكنه في الوقت عينه متمسك بالاستمرار في التعاطي التجاري مع طهران والاستفادة من الفرص الاقتصادية التي توفرها سوقها الواسعة.
وتبين هذه العناصر «المتناقضات» التي يتعين على أوروبا التوفيق بينها، وهو ليس بالأمر السهل. والدليل على ذلك أن الأوروبيين يريدون إرفاق الإعلان عن إطلاق الآلية المالية ببيان متشدد يضع «النقاط على الحروف» بالنسبة لإيران. وتفيد معلومات مؤكدة بوجود خلافات بين الدول الأعضاء حول ما يجب أن يتضمنه البيان.
ووفق معلومات مؤكدة، ثمة 3 مجموعات داخل الاتحاد: الأولى، تتشكل من بولندا والمجر والدانمارك وبلدان البلطيق؛ وهي الأقرب، لأسباب أخرى، من الموقف الأميركي، ولا ترى غضاضة في إظهار التشدد في التعامل مع إيران. والثانية، وأبرز دولها إيطاليا وإسبانيا واليونان، «أي دول جنوب أوروبا»، تتمسك بالعلاقة مع إيران ولا تريد إفسادها ببيان بالغ التشدد. أما الثالثة، فقوامها بشكل رئيسي البلدان الثلاثة الموقعة على الاتفاق النووي. وموقف هذه المجموعة «وسطي»: تمسك بالاتفاق وجهود لإطلاق الآلية المالية ولكن، في الوقت عينه، وضع إيران أمام مسؤولياتها والضغط عليها للتجاوب بشكل أو بآخر مع ما تريده منها لتجد ذريعة تمكنها من «الوقوف» بوجه الضغوطات الأميركية.
تبقى مسألة أساسية تتناول «جدوى» الآلية الأوروبية. والثابت أنها لن تفيد سوى الشركات الأوروبية المتوسطة والصغرى التي ليست لها مصالح في السوق الأميركية ولا يمكن أن تتعرض لعقوبات واشنطن، بينما الشركات الكبرى «وهي كثيرة» لم تتأخر في وضع حد لنشاطاتها في إيران.
والثابت أيضا أن هذه الشركات ليست من النوع الذي يلبي الطموحات الإيرانية التي تريد شراكات اقتصادية وتطوير مرافقها وأهمها النفط والغاز إضافة إلى النقل والصحة... ولكن، في أي حال، ترى مصادر أوروبية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن مصلحة إيران تكمن: «أولا؛ في البقاء داخل الاتفاق النووي رغم العقوبات. وثانيا في قبول ما نعرضه عليها والاستفادة مما توفره الآلية على صعيد الصادرات النفطية أو الخدمية والمصرفية... وثالثا، في الابتعاد عن أي عمل استفزازي من شأنه دفعنا إلى تغيير مواقفنا وسياساتنا» وأخيرا في انتظار حصول تطورات أو تغييرات في السياسة الأميركية أو الإدارة... نصائح أوروبية نقلت إلى مسامع الإيرانيين. لكن هل ثمة من يسمع؟
نصائح أوروبية لإيران وتنبيه لمحدودية جدوى الآلية المالية الموعودة
نصائح أوروبية لإيران وتنبيه لمحدودية جدوى الآلية المالية الموعودة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة