تحالف بين «ياهو» و«غوغل» لتحسين أمن البريد الإلكتروني

خبراء أمن يدعون لتحرك حكومي ضد التهديدات عبر الإنترنت

مقر «ياهو»
مقر «ياهو»
TT

تحالف بين «ياهو» و«غوغل» لتحسين أمن البريد الإلكتروني

مقر «ياهو»
مقر «ياهو»

قررت شركتا «ياهو» و«غوغل» المتنافستان التعاون معا لتعزيز خدمات تشفير بيانات البريد الإلكتروني لكل المستخدمين بما يضمن تحسين أمن الرسائل، بهدف تحسين مستويات الأمن في خدمات البريد الإلكتروني. كان أليكس ستاموس مدير أمن المعلومات في «ياهو» قد كشف عن فكرة التعاون الثنائي خلال مؤتمر «بلاك هات» (القبعة السوداء) في مدينة لاس فيغاس الأسبوع الماضي.
وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن نظام تأمين البريد الإلكتروني المنتظر سيجعل من شبه المستحيل على قراصنة المعلومات أو أجهزة التجسس الحكومية قراءة رسائل البريد الإلكتروني للمستخدمين. ومع الخدمة الجديدة المنتظر طرحها العام المقبل، لن يكون في مقدور شركات خدمة البريد الإلكتروني نفسها فك شفرة رسائل البريد الإلكتروني للمستخدمين، حسب وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ).
ووفقا للتقارير، فإن أداة تشفير الرسائل الجديدة التي ستطورها «غوغل» و«ياهو» بشكل مشترك اعتمادا على تكنولوجيا «بريتي غود برايفسي (بي جي بي)» لتشفير البيانات، ستكون متاحة بوصفها خاصية اختيارية أمام المستخدمين، حيث يمكنهم تشغيلها أو إيقافها حسب الرغبة.
ووفقا لتقنية «بي جي بي»، فإنه يجري إرسال مفتاح الشفرة والرسائل المشفرة في الوقت نفسه، ولدى المستقبل النهائي مفتاح الشفرة العام الذي يفك شفرة المفتاح السري الذي يستخدم في فك تشفير رسالة البريد الإلكتروني نفسها.
ورغم أن خدمة «بي جي بي» تتعهد بمنع اختراق البريد الإلكتروني، فإن استخدامها صعب خصوصا مع الرسائل القصيرة.
يذكر أن تأمين رسائل البريد الإلكتروني من القرصنة والتتبع أصبح مسألة مهمة للغاية بعد أن كشف الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن عن اختراق المخابرات الأميركية لكل خدمات البريد الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي في العالم، حيث بدأت شركات الإنترنت البحث عن وسائل لحماية بيانات مستخدميها في مواجهة محاولات الاختراق.
إلى ذلك، يرى عدد متزايد من خبراء الأمن أن تحركا إيجابيا من الحكومة هو أفضل حل لتفادي كارثة في ظل مخاوفهم من ازدياد التهديدات المتعلقة بالإنترنت في جميع أنحاء العالم وعبر مختلف الصناعات، حسب «رويترز».
ورغم أن بعض الخبراء أبدوا غضبهم من نطاق تجسس الولايات المتحدة على الإنترنت الذي كشفه المتعاقد مع وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن، فإنهم قلقون بشكل أكبر من الأعداء المتفوقين تكنولوجيا الذي يستخدمون أدوات تخريب ويمحون البيانات المخزنة على أجهزة الكومبيوتر ويسرقون الأسرار الدفاعية والتجارية.
وكانت المخاوف والمقترحات بشأن قوانين جديدة وتحرك من الجهات التنفيذية لمواجهة هذه التهديدات أهم المواضيع التي طرحت الأسبوع الماضي خلال تجمعي «بلاك هات» و«ديف كون» في لاس فيغاس، وهما من أكبر التجمعات لخبراء الأمن وقراصنة الإنترنت.
وأثناء تجمع «بلاك هات» تحدث الباحث المعروف دان جير خلال كلمة رئيسة عن ملفات السياسة الوطنية والعالمية. وقال إن على الحكومة الأميركية أن تطلب تقارير مفصلة عن انتهاكات الإنترنت الكبرى بالطريقة نفسها التي تصل بها تقارير عن الأمراض المميتة لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.
ودعا جير أيضا إلى فضح بائعي البرامج وملاحقتهم قضائيا إذا لم يكشفوا عن مصدر شفراتهم للعملاء والعيوب في تلك البرامج التي تؤدي إلى خسائر كبيرة مثل التسلل أو التخريب.
من جهة أخرى، يستعد مطورو تطبيق «إمو» لمعالجة النصوص على الهواتف الذكية لسحبه من الأجهزة ووقف تشغيله بدءا من يوم 25 أغسطس (آب) الحالي بعد استحواذ شركة «غوغل» على الشركة المطورة للتطبيق مقابل مبلغ لم يجر تحديده.
كان تطبيق «إمو» قد ظهر بوصفه نسخة تجريبية لمعالجة النصوص في وقت سابق من العام الحالي مزود بإمكانات «المساعد الشخصي». ويتميز هذا التطبيق المستخدم مع الهواتف الذكية التي تعمل بنظام التشغيل «آي أو إس» بإمكاناته التي تتيح للمستخدمين عمل أشياء مثل قائمة المواعيد وإبلاغ الأصدقاء بأماكن وجودهم مع استخلاص المواعيد والتنبيه بها من خلال محادثات المستخدم النصية.
ووفقا لشروط الصفقة بين «غوغل» و«إمو» فسيجري وقف هذا التطبيق بدءا من 25 أغسطس (آب) الحالي، كما سيجري سحبه من متجر التطبيقات على الإنترنت «آب ستور» بعد هذا الموعد، وبالتالي فلن يكون بمقدور المستخدمين إرسال أو استقبال أو تنزيل الرسائل عبر هذا التطبيق بعد هذا الموعد.
كان تطبيق «إمو» قد ظهر لأول مرة بوصفه تطبيقا للهواتف الذكية التي تعمل بنظام التشغيل «آندرويد» في خريف 2013 قبل أن تقرر الشركة المطورة وقف هذا الإصدار من أجل التركيز على الإصدار الخاص بهواتف «آي أو إس».
ولما كانت عقول وقفت وراء تطوير تطبيقات المحادثة مثل «سيري» و«ياهو» و«ماسنجر»، كانت وراء تطوير «إمو»، فإنه جاء أكثر من مجرد تطبيق نصوص، حيث يقوم باستنتاج المعلومات التي تشير إلى مواعيد أو أماكن محددة في محادثات المستخدم. على سبيل المثال، إذا فهم التطبيق من خلال المحادثة أن شخصا ما يسألك أين أنت؟ يظهر زر «ماركو بولو»، حيث يمكن استخدامه لإبلاغ الآخرين بموقعك.
وإذا أرسلت رسالة تقول: «هل ترغب في تناول العشاء معا غدا؟» أو: «ماذا عن إمكانية لقائنا في الساعة الثامنة مساء يوم السبت؟»، فإن التطبيق يقوم بعرض المفكرة الخاصة بك لكي تسجل الموعد بسهولة. ورغم أن «غوغل» لم تعلن عن خططها بالنسبة لتطبيق «إمو» الذي اشترته، فإن التكهنات تشير إلى أنها ستقرر دمجه في خدمة «هانغ أوت» وهي خدمة المحادثة الفورية الرئيسة للهواتف الذكية التي تعمل بنـــــــظام التشــــــغيل «آندرويد».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)