تحولت مسألة استعادة سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية بعد تعليق مشاركتها منذ عام 2011، إلى واحدة من أولويات الدبلوماسية الروسية خلال الأسابيع الأخيرة. إذ لم تمر مناسبة أو لقاء لوزير الخارجية سيرغي لافروف مع نظرائه العرب من دون أن يثير هذا الملف ويدعو إلى «تصحيح الخطأ الكبير الذي وقعت فيه جامعة الدول العربية عندما علّقت عضوية سوريا».
كان هذا الملف مطروحاً بشكل نشط خلال جولة لافروف الأخيرة التي شملت الجزائر وتونس والمغرب، وقبل ذلك شكّل محوراً للبحث مع نظيره الأردني أيمن الصفدي، وعدد آخر من الدبلوماسيين والمسؤولين العرب بينهم مسؤولون في وزارة الخارجية المصرية والأمانة العامة للجامعة العربية خلال اللقاءات التي أجراها، أمس، نائب الوزير ومبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف. وسيكون الموضوع حاضراً اليوم خلال محادثات لافروف مع نظيره العراقي محمد علي الحكيم الذي وصل إلى موسكو، أمس.
تنطلق موسكو، وفقاً للوزير الروسي، من أن «جامعة الدول العربية يمكن أن تلعب دوراً مهماً جداً في دعم جهود التسوية السورية. وأعتقد أن سحب تلك المنظمة عضوية سوريا كان خطأ كبيراً، ويبدو أن العالم العربي بات يعي الآن أهمية إعادة سوريا إلى أسرة الدول العربية».
هذه العبارات تُرجمت من خلال المراقبة الدقيقة التي تجريها موسكو للخطوات والمواقف الأخيرة التي دلّت على بوادر تطبيع العلاقات العربية مع الحكومة السورية، بدءاً من زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق، ومروراً بفتح المعابر مع لبنان والأردن، ثم تنشيط الحديث عن استئناف رحلات شركات طيران عربية إلى دمشق، ووصولاً إلى تفعيل مسألة استئناف العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات، فضلاً عن توسيع النشاط التجاري لعدد من البلدان بينها مصر مع دمشق، وكلها خطوات أعلنت موسكو ترحيبها بها ورأت فيها خطوات في اتجاه صحيح.
ونقلت أمس، وكالة «سبوتنيك» الحكومية الروسية عن مصدر مطلع على أجندة الاجتماع الوزاري المنتظر عقده في الأردن قوله: إن «الملف الأساسي المطروح للبحث هو عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية». وأوضح المصدر أن «هذه المسألة ستتم مناقشتها بالدرجة الأولى وبعد ذلك سيتطرق النقاش إلى أوضاع المنطقة، لكن موضوع عودة سوريا هو أهم نقطة سوف يتم العمل عليها».
وتعول موسكو من خلال الجهد الذي تقوم به عبر القنوات الدبلوماسية على إنجاز اختراق في هذا الموضوع قبل حلول موعد القمة العربية المقبلة في مارس (آذار) المقبل، وهذه الجهود قوبلت ببعض التحفظ لدى عدد من العواصم العربية وفقاً لما عبّر عنه أخيراً وزير الخارجية المصري سامح شكري، عندما قال إن دمشق لم تنفِّذ ما يُنتظر منها لاتخاذ إجراءات في هذا الاتجاه، في إشارة إلى «الحاجة إلى أن تتخذ الحكومة السورية عدداً من الإجراءات التي تمهد للعودة إلى الجامعة العربية، في إطار الالتزام بالعمل السياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254، وكذلك الخطوات المطلوبة للخروج من الأزمة الراهنة». ورغم ذلك ترى موسكو أن «الظروف نضجت لاتخاذ خطوة واضحة في هذا الاتجاه» وفقاً لمصدر دبلوماسي روسي تحدثت إليه «الشرق الأوسط»، وقال إن «عودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة العربية شرط ضروري لتنشيط مسار التسوية وتمكين المجموعة العربية من لعب دور أساسي في هذا الإطار».
ولا يخفي مسؤولون روس أن بين الأمور الملحّة التي دفعت موسكو إلى تنشيط تحركها في هذا الاتجاه أن ملف إعادة الإعمار بات مطروحاً للنقاش بقوة، وأن عودة سوريا إلى المحيط العربي سوف تسهّل إشراك عدد من البلدان العربية في هذا المسار.
وكان ملاحَظاً أن موسكو تعمدت في السنوات الماضية، عدم منح جامعة الدول العربية دوراً في الفعاليات والنشاطات التي تبادر إليها في الملف السوري، في مسعى لمواصلة الضغط نحو إعادة سوريا إلى مقعدها، إذ تم تغييب الجامعة عن اجتماعات آستانة، حتى بصفة مراقب، ورغم أن موسكو طرحت أكثر من مرة ضم أطراف عربية لكنها تجنبت دائماً توجيه الدعوة إلى الجامعة، التي لم تُدعَ أيضاً إلى لقاء سوتشي للحوار السوري، مع أن روسيا واصلت تكرار الإعلانات الرسمية حول توجهها لتعزيز التعاون مع الجامعة العربية في المجالات المختلفة.
موسكو تضغط لعودة دمشق إلى الجامعة العربية قبل قمة تونس
موسكو تضغط لعودة دمشق إلى الجامعة العربية قبل قمة تونس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة