ليلة رأس السنة في العراق .. خجولة في بغداد وصاخبة في أربيل

عروض فنية في عاصمة إقليم كردستان احتفالا بلقب {عاصمة السياحة العربية}

احتفالات عفوية في الشارع ليلة الميلاد في بغداد
احتفالات عفوية في الشارع ليلة الميلاد في بغداد
TT

ليلة رأس السنة في العراق .. خجولة في بغداد وصاخبة في أربيل

احتفالات عفوية في الشارع ليلة الميلاد في بغداد
احتفالات عفوية في الشارع ليلة الميلاد في بغداد

على وقع تهديدات جماعات متشددة حذرت منها، وغياب الاحتفالات الرسمية ليلة رأس السنة الجديدة 2013 فضل عراقيون في العاصمة العراقية بغداد ليلة (أول من أمس) تنظيم احتفالات عفوية في الشوارع والساحات العامة والاستمتاع بإطلاق الألعاب النارية في السماء، فيما فضل آخرون إحياءها داخل قاعات مغلقة تحرسها حمايات شخصية خشية استهدافها.
ورغم غياب الاحتفالات الرسمية إلا أن عمار الخفاجي مدير مول المنصور التجاري استعان بقوات أمنية لأجل تنظيم حفل متواضع في ساحة المول الخارجية حضره أكثر من 82 ألف عراقي، أطلقت فيه الألعاب النارية وصدحت الأغاني التي كان معظمها حماسيا يتغنى بحب الوطن، ولم يتجاوز الاحتفال سوى ساعة واحدة بعد الثانية عشرة ليلا طلب بعدها من الحضور المغادرة وتمنيات بعام سعيد.
تقول نورس حميد طالبة جامعية 23 عاما: «من حقنا الاحتفال والفرح بأعياد الميلاد كما في كل دول العالم، ولأجل ذلك أنا هنا لأشارك الناس فرحتهم برغم كل الأخبار السياسية التي تصيبنا بالإحباط والحزن».
شميران مروكل سكرتيرة رابطة المرأة العراقية، احتفلت بأعياد الميلاد مع زميلاتها وأصدقائها داخل قاعة مغلقة مجهزة بقوات أمنية لحراستها في منطقة الكرادة وسط بغداد، قالت: «برغم كل الأزمات السياسية التي تعصف بالبلاد فإننا نرنو للسلام والتصالح ونبذ العنف، لأجل أن نقول: إن العراقيين تواقون للمحبة والأمن والفرح» وتأملت في عامها الجديد أن تعيش كل الأديان والطوائف بسلام كما كانت بلا مخاوف أو تهديدات، ويعود كل من غادرها وتغرب عنها.
وفيما فضلت بعض الفنادق والنوادي المعروفة في العاصمة، التعتيم على استعداداتها للاحتفال بأعياد الميلاد، وحددت المدعوين فقط للأعضاء، والانتباه لتفتيشهم قبل الدخول خشية استهدافهم من مقبل متسللين.
وبرغم إعلان مجلس محافظة بغداد، نصبه لثلاثة أشجار ميلاد في العاصمة، بارتفاع بين (3-25) مترا في مناطق المنصور وشارع الربيعي وأكبرها في ساحة الفردوس، فإن سكانا محليين شكوا من إهمال إنارتها بالأضواء الملونة ليلة رأس السنة الجديدة.
وفي أريبل شهدت الليلة الأخيرة من عام 2013 «احتفالية فنية كبيرة في بارك شاندر شارك فيها الآلاف من المواطنين من سكان المدينة ومدن الإقليم والعراق الأخرى، بالإضافة إلى عدد كبير من المواطنين من إيران وتركيا وسوريا ولبنان، بالإضافة إلى وفد من الصحافيين والإعلاميين من جامعة الدول العربية».
طاهر عبد الله نائب محافظ أربيل ورئيس اللجنة المشرفة على فعاليات عاصمة السياحة العربية لهذا العام أكد على أن احتفاليات أربيل لهذا العام اختلفت عن سابقاتها من الأعوام، وبالأخص بعد الإعلان عن فعاليات «عاصمة السياحة العربية» وبين لـ«الشرق الأوسط» أن الكثير من القاعات والمطاعم والحدائق العامة في المدينة شهدت «احتفالات خاصة وفعاليات بمشاركة فنانين كبار من كردستان والعراق ودول الجوار».
وكشف عبد الله عن أن وفدا من الجامعة العربية شارك في احتفاليات عاصمة السياحة بدعوة خاصة من محافظة أربيل لحضور فعاليات عاصمة السياحة ليروا طبيعة المدينة وما يجري فيها وطبيعة الاحتفالات التي تقام في المدينة، ولتكون لديهم فرصة للتفاعل مع الجماهير في أربيل.
الحفلة ابتدأت بلوحة من العروض الشعبية المقدمة من قبل «فرقة الفنون الشعبية التابعة لوزارة الثقافة لحكومة إقليم كردستان العراق تضمنت دبكات كردية وبعض الرقصات الشعبية الفلكلورية».
الفقرة الغنائية استهلتها الفنانة برواس حسين التي عرفها الجمهور الكردي والعربي في برنامج «عرب أيدول» في عام 2013 والتي شاركت باسم كردستان العراق بالبرنامج، حيث بدأت فقرتها بأغنية «مقادير» للفنان السعودي الراحل طلال المداح لتؤدي بعدها بعض الأغاني الكردية الأخرى التي أدتها سابقا في البرنامج. وأعربت المغنية عن سعادتها كون المحافظة اختارتها «بوصفها من رموز الترويج لمشروع عاصمة السياحة العربية ولمشاركتها لتوديع الساعات الأخيرة من عام 2013 مع جمهورها في أربيل». كما بينت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» قبل بداية الحفلة أنها ستكون دائما «في خدمة جمهورها الذي منحها الثقة وأوصلها لتكون إحدى أهم فنانات العام وإحدى أهم الشخصيات الشابة المؤثرة على المجتمع في إقليم كردستان وحتى في العراق».
وتلت فقرة برواس فقرات غنائية قدمت من قبل الفنان الكردي هردي صلاح المشهور بأغنيته «شاري شارانم هه ولير» (أربيل مدينتي مدينة المدن)، بالإضافة إلى الفنان الإيراني فالي وبعض أغاني الدبكة الشعبية الكردية.
وقدر عدد الحضور بالآلاف من الساكنين في أربيل «من 37 قومية وشعبا وطائفة سواء من إقليم كردستان والعراق أو من خارج العراق شاركوا في ليلة الاحتفال بإعلان أربيل عاصمة للسياحة العربية لعام 2014»
الفقرة الغنائية الأخيرة في الاحتفالية كانت للفنانة العراقية دالي الملقبة بـ«سندريللا الأغنية العراقية»، والتي قدمت عدد من الأغاني باللغات «العربية والكردية والتركية والسريانية»، وختمتها بأغنية عن المنتخب العراقي لكرة القدم.
وبعد انتهاء الفقرة الخاصة للفنانة دالي كان المحتفلون على موعد مع «إطلاق الألعاب النارية التي زينت سماء أربيل في الثواني الأخيرة من عام 2013 وبداية عام 2014 وإعلان بدء فعاليات عاصمة السياحة العربية لهذا العام».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».