مصر تبدأ خطة لـ{تحسين الصورة البصرية} للمدن عبر الطلاء الموحد

تقسيم البلاد إلى 7 أقاليم لونية... البيج للقاهرة والأبيض للإسكندرية

متابعون يأملون بسرعة تنفيذ الخطة للحد من عشوائية ألوان العقارات (تصوير: عبد الفتاح فرج)
متابعون يأملون بسرعة تنفيذ الخطة للحد من عشوائية ألوان العقارات (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر تبدأ خطة لـ{تحسين الصورة البصرية} للمدن عبر الطلاء الموحد

متابعون يأملون بسرعة تنفيذ الخطة للحد من عشوائية ألوان العقارات (تصوير: عبد الفتاح فرج)
متابعون يأملون بسرعة تنفيذ الخطة للحد من عشوائية ألوان العقارات (تصوير: عبد الفتاح فرج)

على مدار السنوات الماضية عانت مصر من عشوائية البناء التي نشرت القبح، سواء في شكل وتصميم المباني أو في ألوانها، وبالتزامن مع مشروع قومي للقضاء على العشوائيات، بدأت مصر تنفيذ خطة لتحسين الصورة البصرية للمدن المصرية، عبر توحيد ألوان طلاء واجهات المباني. ويأتي إعلان هذه الخطة تنفيذاً لتكليفات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أخيراً بطلاء جميع واجهات المباني المبنية بالطوب الأحمر، وفور إعلان تكليفات الرئيس بدأت وزارة التنمية المحلية والجهاز القومي للتنسيق الحضاري، عقد اجتماعات، وتشكيل لجنة فنية من المتخصصين لتحديد الألوان المناسبة لكل محافظة.
المهندس محمد أبو سعدة، رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، أكد في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «تم الانتهاء من وضع الخريطة اللونية لمحافظات الجمهورية، بعد تقسيمها إلى 7 أقاليم لونية»، مشيراً إلى أن «اللجنة بدأت بدرجات البيج في القاهرة، الذي يتحول إلى الأبيض المائل للزرقة في المحافظات الساحلية، بينما اعتُمدت الألوان الترابية في الصعيد»، وقال: «حرصنا على أن يكون استخدام اللون بمختلف درجاته، لمنح فرصة للمعماريين للإبداع في الواجهات».
الدكتور أشرف رضا، أستاذ ووكيل كلية الفنون الجميلة، أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن القطاعات السبعة للجمهورية هي: القاهرة الكبرى التي ستعتمد اللون البيج بدرجاته، والإسكندرية باللون الأبيض المائل للزرقة، وقطاع الدلتا باللون البيج المائل إلى الأخضر، وقطاع شمال سيناء، وقطاع جنوب سيناء باللون الرملي المصفر، بجانب قطاع أسيوط».
ووصف مبادرة الطلاء الموحد بأنها «مبادرة رائعة، وإن كانت متأخرة، لكننا نحتاج إليها بشدة»، مؤكداً أنه «تمت مراعاة اختيار ألوان طبيعية تناسب البيئة وتقاوم العوامل الجوية».
وتأتي تكليفات الرئيس بطلاء واجهات المباني تنفيذاً لقانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008، حيث ينص قانون البناء الموحد في المادة 84 على أنه: «يراعى عند إصدار ترخيص البناء الالتزام باستكمال واجهات المبنى، ومراعاة عدم تنافر لون أو ألوان واجهات المبنى مع ألوان الواجهات المحيطة، بما يحقق الإحساس بالجمال للحفاظ على الطابع المعماري والعمراني للمنطقة، وإيجاد الحلول المناسبة لمنع تشويه الواجهات الرئيسية للمباني بالتركيبات الصناعية، أو أعمال الكهرباء مثل أجهزة التكييف والهوائيات الأرضية والفضائية ومواسير الصرف والتغذية»، بينما تنص المادة 85 من نفس القانون على ضرورة «تطبيق أسس ومعايير وأدلة التنسيق الحضاري التي يضعها الجهاز عند إصدار التراخيص في المدن والأحياء والتجمعات العمرانية الجديدة سواء التي تقيمها الدولة أو القطاع الخاص، ويشمل ذلك الأرصفة ومسارات المشاة، وغير ذلك مما هو مذكور في أدلة التنسيق الحضاري».
ووفقاً لتصريحات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن «تكليفات الطلاء الموحد، جاءت في أعقاب زيارة الرئيس المصري للمتحف الكبير في منطقة الرماية، ومشاهدته كمّ المباني العشوائية بالطوب الأحمر على الطريق الدائري، والتي ستكون أول شيء تقع عليه عين زوار المتحف».
وقال أبو سعدة إن «المشروع سيبدأ بالعقارات المبنية بالطوب الأحمر خصوصاً على المحاور الرئيسية، تنفيذاً لتوجيهات الرئيس، من ثم يتم الانتقال إلى الطرق الفرعية، وفي المرحلة الثالثة من المشروع سيتم التعامل مع المباني غير المتجانسة مع الفراغ العمراني»، مؤكداً أن «المباني الأثرية، والمباني ذات الطراز المعماري المتميز لن تخضع لقانون الطلاء الموحد، وستحتفظ بألوانها الحالية».
وأضاف أبو سعدة أن «القرى السياحية في بعض المدن الساحلية على شاطئ البحر الأحمر، والتي تضمّن ترخيصها نصاً على لون محدد، لن تكون مطالبة بتغيير ألوانها لتتماشى مع الخطة الجديدة»، مشيراً إلى أن «معظم ألوان هذه القرى قريب أو هو نفس اللون المخصص لكل إقليم».
وأكد رضا أن «أهم نقطة في المشروع هي المباني المطلة على الطريق الدائري، المحور الرئيس للمتحف المصري الكبير»، موضحاً أن «المشروع يبدأ بالعقارات المبنية بالطوب الأحمر، أما العقارات التي أنهت طلاء واجهاتها بالفعل، فلن تكون مطالبة بتغيير اللون إلا عند التجديد، وستحتفظ المباني ذات الواجهات الحجرية أو الخشبية أو الرخامية بشكلها، لأن ألوانها تتماشى مع المجموعات اللونية المختارة».
وتتولى وزارة التنمية المحلية والمحافظات تنفيذ المخطط والتنسيق مع الأهالي لطلاء المباني، وبدأت محافظة القاهرة بالفعل طلاء المباني في المحاور الرئيسية القريبة من مطار القاهرة الدولي.
وقال الدكتور خالد قاسم، مساعد وزير التنمية المحلية، والمتحدث باسم الوزارة، في تصريحات صحافية إن «مجلس المحافظين سيضع خطة لتنفيذ تكليفات الرئيس وتطبيقها على مراحل»، محذراً بأنه «سيتم التعامل مع المخالفين بحزم وفقاً للقانون».
من جانبه قال إبراهيم صابر، نائب محافظ القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المحافظة بدأت العمل في محور جوزيف تيتو، المقابل للمطار باعتباره أول صورة يراها مَن يزور مصر»، مشيراً إلى أنه «تم طلاء 35 عقاراً باللون البيج، وسيتم طلاء 156 أخرى بامتداد شارع النصر».
وأضاف أن «العمل يتم بالتنسيق مع الأهالي، وسكان هذه المناطق، حيث تم توجيههم إلى مقاول، وهم يتولون التعامل معه لطلاء واجهات منازلهم، وتحمّل التكاليف الناتجة عن ذلك»، مؤكداً أنه «لم تحدث أي اعتراضات من جانب الأهالي»، مشيراً إلى أن «العمل امتد إلى مناطق أخرى في مصر الجديدة، والأماكن التراثية، وحي المرج، والطريق الدائري».
وأوضح أبو سعدة أن «اللجنة المشكّلة من أساتذة الفنون الجميلة والديكور والعمارة والتصميم، والتي وضعت المسطرة اللونية للأقاليم المصرية، ليست مسؤولة عن التنفيذ، لكنها على استعداد لتقديم أي دعم فني خلال التنفيذ على الأرض».
وهذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها مصر لوضع تصور لوني لعقاراتها، أو تحسين الصورة البصرية للمدن المصرية، خصوصاً المدن السياحية، التي تتضمن آثاراً ومباني ذات طراز معماري متميز، وربما كان هذا هو هدف الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، منذ إنشائه عام 2004، حيث كان أول مشروع نفّذه في ذلك الوقت هو طلاء واجهات المباني في البر الغربي بالأقصر.
الدكتور سمير غريب، رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري الأسبق، والذي تولى مسؤولية الجهاز منذ عام 2004 حتى 2014، قال لـ«الشرق الأوسط»، إنه «فور إنشاء الجهاز بدأنا مشروعاً في البر الغربي بالأقصر، لطلاء واجهات المباني المطلة على الكوبري الذي تم إنشاؤه لربط البر الغربي بالبر الشرقي، وراعينا في اختيار الألوان المناخ وظروف المنطقة، فكان طلاء المباني باللون الطوبي ودرجات الأصفر».
لكن المشروع لم يكتمل أو ينتقل إلى مدن أخرى، حتى إن هذه البداية «ساء حالها»، وفقاً لغريب، الذي أكد أن «التنسيق الحضاري ثقافة وسلوك مواطن، وإذا لم يتم التعامل مع هذا السلوك، فسيقضي هذا على أي مشروع جيد»، مطالباً بأن «يكون التنسيق الحضاري مشروعاً قومياً وثقافياً يتعامل مع ثقافة وسلوك الناس، قبل فرض نمط عمراني أو لون معين على المدن والمباني».
وحول اللون الموحد قال غريب: «فكرة اللون الواحد جيدة لكن لا بد من اعتماد درجات مختلفة للون، فالجمال يكمن في الاختلاف ولكن بتناسق»، مشيراً إلى فكرة كان قد اقترحها الدكتور عادل ياسين، خلال فترة عمله بجهاز التنسيق الحضاري، وهي أن «يتم طلاء المباني في المدن الساحلية بألوان مختلفة، لمنحها نوعاً من التميز، على غرار القرى الساحلية في إيطاليا»، وتابع: «هذه الفكرة تصلح للمدن الساحلية، لكنها لا تصلح في المناطق الزراعية والمباني الموجودة على الطريق الدائري مثلاً».
وأوضح أن «طلاء العقارات المبنية بالطوب الأحمر يدخل في عمل التنسيق الحضاري، لوضع صورة حضارية للعمران، لكن لا بد من وضع دراسة قبل بدء التنفيذ لمعرفة ظروف وثقافة أصحاب هذه المباني»، وقال: «معظم هذه المباني عشوائية، دون ترخيص، وبعضها تم بناؤه بالتعدي على الأراضي الزراعية، فهي مبانٍ ليس لها وضع قانوني».
وأضاف غريب: «لا بد من حل المشكلة بالكامل، فالقضية أخطر من مجرد لون ومنظر حضاري»، لكنه في الوقت نفسه أكد أن «معالجة مشكلة البناء العشوائي تستغرق وقتاً طويلاً، لذلك من الممكن أن تتم بالتوازي مع محاولات تحسين الصورة»، موضحاً أن «مشكلة البناء العشوائي ناتجة عن تراكمات طويلة منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وللأسف لم يتم التعامل معها في حينها فتفاقمت، لتنتشر العشوائيات بجوار أي طريق جديد دون مراعاة لفكرة حرم الطريق».
ومبادرة الطلاء الموحد ليست النهاية، حيث قال أبو سعدة إن «مشروع الطلاء الموحد هو الخطوة الأولى من خطة متكاملة لتحسين الصورة البصرية للمدن المصرية، والتي تتضمن وضع تصور للإعلانات في الفراغات العامة، وشكل للأسواق الدائمة والمؤقتة، ولافتات المحلات، وكيفية التعامل مع الميادين والتماثيل الموضوعة بها، ومسارات المشاة، وحركة ذوي الاحتياجات الخاصة، والحدائق التراثية... وهي رؤية شاملة ومشروع قومي يعكف الجهاز القومي للتنسيق الحضاري على تصميمه».


مقالات ذات صلة

«ستيك» منصة تتيح للأفراد من مختلف أنحاء العالم الاستثمار في العقارات السعودية

عالم الاعمال خالد الحديثي الرئيس التنفيذي لشركة «وصف» ورامي طبارة الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي المشارك في «ستيك» ومنار محمصاني الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي المشارك في المنصة ويزيد الضويان المدير التنفيذي للعمليات بـ«الراجحي السابعة» وهنوف بنت سعيد المدير العام للمنصة بالسعودية

«ستيك» منصة تتيح للأفراد من مختلف أنحاء العالم الاستثمار في العقارات السعودية

أعلنت «ستيك» للاستثمار العقاري في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إطلاقها منصتها الرسمية بالسعودية

الاقتصاد «دار غلوبال» أعلنت إطلاق مشروعين في العاصمة السعودية الرياض بالشراكة مع منظمة ترمب (الشرق الأوسط)

«دار غلوبال» العقارية و«منظمة ترمب» تطلقان مشروعين جديدين في الرياض

أعلنت شركة «دار غلوبال» إطلاق مشروعين في العاصمة السعودية الرياض، بالشراكة مع «منظمة ترمب».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد منازل سكنية في جنوب لندن (رويترز)

أسعار المنازل البريطانية تشهد ارتفاعاً كبيراً في نوفمبر

شهدت أسعار المنازل في المملكة المتحدة ارتفاعاً كبيراً في نوفمبر (تشرين الثاني)، متجاوزة التوقعات؛ مما يعزّز من مؤشرات انتعاش سوق العقارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
خاص تصدرت «سينومي سنترز» أعلى شركات القطاع ربحيةً المدرجة في «تداول» خلال الربع الثالث (أ.ب)

خاص ما أسباب تراجع أرباح الشركات العقارية في السعودية بالربع الثالث؟

أرجع خبراء ومختصون عقاريون تراجع أرباح الشركات العقارية المُدرجة في السوق المالية السعودية، خلال الربع الثالث من العام الحالي، إلى تركيز شركات القطاع على النمو.

محمد المطيري (الرياض)
عالم الاعمال «جي إف إتش» تطلق «OUTLIVE» لتقديم حلول عقارية مبتكرة بمجالات الصحة والرفاهية

«جي إف إتش» تطلق «OUTLIVE» لتقديم حلول عقارية مبتكرة بمجالات الصحة والرفاهية

مجموعة «جي إف إتش» المالية تعلن إطلاق «أوت لايف» (OUTLIVE)، وهي شركة عقارية مبتكرة تهدف إلى وضع معايير جديدة  للصحة والرفاهية في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا.


هل تعزز زيادة الإيجار من مستقبل جزيرة كوني في نيويورك؟

أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
TT

هل تعزز زيادة الإيجار من مستقبل جزيرة كوني في نيويورك؟

أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل

يتعين على ديانا كارلين الانتهاء من تأليف الكتاب الذي تعمل عليه بشأن متعة امتلاك بوتيك لولا ستار، ذلك المتجر الصغير والساحر للغاية في ممشى كوني آيلاند، على مدى السنوات الـ19 الماضية. لكن بدلا من ذلك، انتابت السيدة كارلين حالة من الخوف والتوتر منذ أن عرض عليها مالك المتجر الذي تعمل فيه عقدا جديدا للإيجار منذ عدة أسابيع - تزيد فيه القيمة الإيجارية بنسبة 400 في المائة دفعة واحدة. وقالت: «إنني أتساءل إن كان ينبغي علي أن أطلب لافتات (التوقف عن العمل!)».
وفي الصيف الماضي، كانت كوني آيلاند في حي بروكلين بمدينة نيويورك تزدحم بالباحثين عن الاستمتاع على الشواطئ ومختلف أشكال الترفيه الأخرى، ولكنها تميل لأن تكون أكثر هدوءا في فصل الشتاء. وقبل أكثر من عشر سنوات مضت، تعهدت مدينة نيويورك بإنشاء وجهة سياحية ذات حديقة مائية، وساحة كبيرة، وحلبة للتزلج على الجليد، تعمل على مدار السنة، مع ملايين الدولارات من الاستثمارات السكنية والتجارية.
وفي الأثناء ذاتها، قال مايكل بلومبيرغ - عمدة مدينة نيويورك آنذاك، إنه سوف تتم حماية مطاعم الأكل والمتاجر الرخيصة في المنطقة. وكان مارتي ماركويتز رئيس مقاطعة بروكلين قد أعلن في عام 2005 أن الخطة المزمعة سوف تحافظ على الروعة التي تنفرد بها كوني آيلاند مع روح المحبة والمرح المعهودة. ولكن على غرار الكثير من الخطط الكبرى في مدينة نيويورك، لم تتحقق الرؤية الكاملة للمشروع بعد. فلقد بدت كوني آيلاند خالية بصورة رسمية بعد ظهيرة يوم من أيام يناير (كانون الثاني) الماضي، وصارت بعيدة كل البعد عما تعهدت به إدارة المدينة عن الجاذبية والنشاط على مدار العام كما قالت. إذ تهب الرياح الصاخبة على منشآت مدن الملاهي الشهيرة مثل لونا بارك وستيبلشيز بارك، ولكن لا وجود لحلبة التزلج أو الحديقة المائة، حيث لم يتم إنشاء هذه المنشآت قط.
والآن، وفي مواجهة آلة التحسين التي تتحرك بوتيرة بطيئة للغاية، أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند مجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل. تقول السيدة كارلين: «إنهم يحاولون الآن تحويل ساحة اللعب المخصصة لعوام الناس إلى ملعب خاص بالأثرياء فقط».
وكانت السيدة كارلين، رفقة 5 آخرين من أصحاب الشركات الصغيرة في كوني آيلاند - وهم: ناثان فاموس، وروبي بار آند جريل، وبولز دوتر، ومطعم توم، وبيتش شوب - يتفاوضون على عقود جديدة للإيجار تمتد لمدة 10 سنوات مع شركة «زامبيرلا»، وهي الشركة المالكة للمتنزه الإيطالي التي تعاقدت معها مدينة نيويورك قبل عشر سنوات لبناء وإدارة منطقة لونا بارك الترفيهية في كوني آيلاند، والتي تعد الشركات الصغيرة المذكورة جزءا لا يتجزأ منها.
وجاءت شركة «زامبيرلا» بشروط جديدة: زيادة القيمة الإيجارية من 50 إلى 400 في المائة لكل شركة من الشركات المذكورة. وتقول السيدة كارلين عن ذلك: «إنني أعشق كوني آيلاند، والحصول على هذا المتجر على الممشى السياحي كان من أحب أحلام حياتي. ولكن ليست هناك من طريقة أتمكن بها من تحمل الشروط الجديدة».
وفي رسالة وصلت إلى صحيفة «نيويورك تايمز» من أليساندرو زامبيرلا رئيس الشركة المذكورة، جاء فيها: «نحن نهتم بشؤون كوني آيلاند ومستقبلها، ونحن ملتزمون بتحويلها إلى أقوى مجتمع يمكن بناؤه. وذلك هو السبب في تواصلنا مع المستأجرين لضمان نجاح أعمالهم ضمن المحافظة على شخصية كوني آيلاند المميزة».
ورفض السيد زامبيرلا، الذي كان في رحلة سفر إلى إيطاليا، الإجابة عن أسئلة محددة طرحتها عليه صحيفة «نيويورك تايمز»، غير أنه أضاف يقول إن ثلاثة من أصل ست شركات قد وافقت بالفعل على عقود الإيجار الجديدة ووقعت عليها، وإن الشركات الأخرى تحقق تقدما ملموسا على هذا المسار.
أثارت الزيادات المقترحة في القيمة الإيجارية على الشركات الست الصغيرة حالة من الشد والجذب الشديدة المستمرة منذ سنوات داخل كوني آيلاند.
ففي عام 2009، وبعد مواجهة استغرقت 4 سنوات كاملة حول أفضل خطط إحياء وتجديد المنطقة، ابتاعت المدينة تحت رئاسة مايكل بلومبيرغ 7 أفدنة في منطقة الترفيه المضطربة من المطور العقاري جوزيف سيت مقابل 95.6 مليون دولار.
وأراد مايكل بلومبيرغ استعادة المنطقة إلى سابق عهدها، والتي بدأت تواجه الانخفاض منذ ستينات القرن الماضي، من خلال تعزيز تطوير المتاجر والشقق على طول طريق سيرف في المنطقة. وكانت الشركات التي افتتحت في فصل الصيف تنتقل إلى جدول زمني للعمل على مدار العام، مما يساعد على تعزيز رؤية مايكل بلومبيرغ باعتبار كوني آيلاند أكبر مدينة للملاهي الترفيهية والحضرية في البلاد.
ثم استأجرت شركة «زامبيرلا» الأرض من المدينة، مما أتاح لها افتتاح مدينة لونا بارك الترفيهية في عام 2010، مع إملاء عقود الإيجار الخاصة بالشركة مع أصحاب الشركات الصغيرة، ومطالبة هذه الشركات بتسليم جانب من الأرباح المحققة إلى المدينة.
وتعرضت الشركات العاملة على الممشى السياحي في المنطقة للإغلاق، حيث عجزت عن الاتساق مع الرؤية الجديدة للشركة الإيطالية. وكانت شركات صغيرة أخرى، مثل متجر السيدة كارلين، قد عاد للعمل بعد قرار الإخلاء الذي تعرضت له في عهد المطور العقاري جوزيف سيت.
وبحلول عام 2012، كانت جهود الانتعاش جارية على قدم وساق، وشهدت المنطقة نموا في الجماهير والإيرادات. وقالت السيدة كارلين إنها حققت أرباحا بنسبة 50 في المائة تقريبا بعد تولي شركة «زامبيرلا» مقاليد الأمور.
وقال سيث بينسكي، الرئيس الأسبق لمؤسسة التنمية الاقتصادية، حول المنطقة: «يعتقد أغلب الناس أنه قد جرى تطوير المنطقة لتتوافق مع التاريخ المعروف عن كوني آيلاند». ومع ذلك، فإن منطقة الملاهي لا تعمل على مدار السنة. وقال مارك تريغر، عضو مجلس المدينة الممثل لقطاع بروكلين الذي يضم كوني آيلاند، إنه يعتقد أن الوضع الراهن نابع من ندرة الاستثمارات من قبل مجلس المدينة وعمدة نيويورك بيل دي بلاسيو ضمن أهداف المدينة لعام 2009. وقال السيد تريغر: «لا تعرف الشركات إلى أين تذهب كوني آيلاند في ظل إدارة دي بلاسيو للمدينة. فهناك قصور واضح في الرؤية ولا وجود للخطط الشاملة بشأن تحسين المنطقة». وأضاف أن الوعود غير المتحققة منحت شركة «زامبيرلا» قدرا من النفوذ لإضافة المزيد من الأعباء على المستأجرين للمساعدة في استرداد الأرباح المهدرة. وقال إن هؤلاء المستأجرين قد استثمروا أموالهم هناك تحت فكرة تحول هذه المنطقة إلى وجهة سياحية تعمل طوال العام، مع حركة السير على الممشى طيلة السنة، على العكس من 3 إلى 4 أشهر من العمل فقط في العام بأكمله. ولا يمكن لأحد السماح بتحويل الأراضي العامة إلى سلاح باسم الجشع لإلحاق الأضرار بالشركات الصغيرة.
ولقد أعربت السيدة كارلين رفقة العشرات من العمال الآخرين في كوني آيلاند عن اعتراضهم على زيادة القيمة الإيجارية وذلك بالوقوف على درجات سلم مجلس المدينة في أوائل شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وفي مقابلة أجريت مع صحيفة «نيويورك تايمز»، وصف نورمان سيغيل محامي الحقوق المدنية قرار شركة «زامبيرلا» بأنه غير مقبول تماما، وأضاف أنه ينبغي على عمدة نيويورك بيل دي بلاسيو التدخل في الأمر. وأضاف المحامي سيغيل أن إدارة مجلس المدينة يجب أن تطالب الشركة الإيطالية طرح شروط إيجارية معقولة، وإذا لم يحدث ذلك، فينبغي على المدينة التفكير جديا في سحب عقد الإيجار من شركة «زامبيرلا»، التي أفادت في محاولة لتحسين النوايا بأنها سوف تمدد الموعد النهائي للسيدة كارلين لتوقيع عقد الإيجار الخاص بها حتى يوم الأربعاء المقبل.
وقالت السيدة كارلين عن ذلك: «يقضي صاحب الشركة عطلته في إيطاليا في حين أنني أبذل قصارى جهدي لمجرد إنقاذ متجري الصغير ومصدر معيشتي الوحيد». ورفض السيد زامبيرلا وأصحاب الشركات الخمس الأخرى التعليق على عقود الإيجار الخاصة بهم، برغم أن الكثير من الشخصيات المطلعة على الأمر أكدوا أن الزيادة تتراوح بين 50 في المائة للمتاجر الكبيرة و400 في المائة لمتجر السيدة كارلين الصغير، والتي قالت إنها تعتقد أن الشركات الأخرى لم تتحدث عن المشكلة علنا خشية الانتقام من الشركة الإيطالية ومخافة قرارات الطرد.
وأضافت السيدة كارلين تقول: للتعامل مع الزيادات المطلوبة في الإيجار قرر أصحاب المتاجر رفع الأسعار، وإن أحد المطاعم أجرى تغييرات للانتقال من مطعم للجلوس وتناول الطعام إلى مطعم للوجبات السريعة للحد من التكاليف.
واستطردت السيدة كارلين تقول: «حاولت تقديم الالتماس إلى مجلس المدينة مرارا وتكرارا من خلال المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني والاحتجاجات خلال الشهر الماضي - ولكن لم يتغير شيء حتى الآن. وقال لها مجلس المدينة إنه غير قادر على المساعدة وليس هناك الكثير مما يمكن القيام به، ولكنني لا أوافق على ذلك، فهم أصحاب الأرض التي يستأجرها منهم زامبيرلا».
وقال المحامي سيغيل إن الزيادات باهظة للغاية لدرجة أنها قد تكون سببا وجيها للتقاضي، وأضاف: «هناك عدد من السوابق القضائية في ذلك إذا قررت المحكمة أن ما تقوم به الشركة غير معقول، ويمكن أن يكون ذلك من المطالب القانونية المعتبرة في حد ذاتها».
وليست هناك مؤشرات عامة في مجلس المدينة بشأن خطط سحب عقد الإيجار من زامبيرلا، أو التدخل، إذ إن زيادة القيمة الإيجارية لا تنتهك الاتفاقية المبرمة بين مجلس المدينة وبين شركة زامبيرلا. ونفت السيدة جين ماير، الناطقة الرسمية باسم عمدة نيويورك، الادعاءات القائلة بأن إدارة المدينة تفتقد للرؤية الواضحة أو الخطة الشاملة حيال كوني آيلاند. وقالت إن المدينة أنفقت 180 مليون دولار على تطوير البنية التحتية في كوني آيلاند خلال السنوات العشر الماضية، مع التخطيط لتوسيع نظام النقل بالعبّارات في نيويورك إلى كوني آيلاند بحلول عام 2021.
وأضافت السيدة ماير تقول: «تلتزم إدارة المدينة بالمحافظة على شخصية كوني آيلاند مع ضمان الإنصاف والمساواة والاستعداد للمستقبل». في حين تساءل المحامي سيغيل: لمن يُخصص هذا المستقبل؟ وهو من مواطني المدينة ونشأ في حي بروكلين، واعتاد قضاء فترات من الصيف على الممشى السياحي هناك، ويتذكر إنفاق دولار واحد لدخول مدينة الملاهي ثم العودة لتناول وجبة العشاء الشهية لدى مطعم ناثان فاموس المعروف، وقال: «علينا مواصلة الكفاح لإنقاذ كوني آيلاند التي نحبها».
- خدمة «نيويورك تايمز»