موسكو تصعد لهجتها حول إدلب وتجدد الدعوة إلى «استخدام اتفاق أضنة»

TT

موسكو تصعد لهجتها حول إدلب وتجدد الدعوة إلى «استخدام اتفاق أضنة»

بالتوازي مع المساعي الروسية لدفع حوار بين أنقرة ودمشق لتفعيل اتفاق أضنة وتحويله إلى أساس لتسوية الوضع في منطقة الشمال السوري، بدا أن موسكو صعدت لهجتها خلال اليومين الماضيين حيال الوضع في إدلب، وشددت على ضرورة «مواجهة تحول المنطقة إلى وكر أساسي للإرهابيين» مع توجيه انتقادات مبطنة إلى الجانب التركي كونه «فشل في تطبيق الاتفاقات في إدلب». ورأى محللون روس أمس، أن التصعيد حول إدلب يهدف إلى دفع الجانب التركي إلى القيام بخطوات أنشط مع المعارضة السورية من جهة، ولتسريع عملية إطلاق حوار تركي سوري لتفعيل اتفاق أضنة ووضع أسس لتسوية مقبولة للجانبين في المناطق الحدودية.
وقال وزير الخارجية سيرغي لافروف أمس، إن «إدلب لا تزال وكراً للإرهابيين. هذه حقيقة واضحة، وقد أكد زملاؤنا السوريون التزامهم بالقضاء على هذه البؤرة». وأوضح خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الكازاخستاني بيبوت أتامكولوف أن الجانب الروسي «مستعد لمواصلة اتخاذ إجراءات بموجب الاتفاق مع تركيا حول إدلب، بما في ذلك ما يتعلق بإنشاء منطقة منزوعة السلاح حول المنطقة الآمنة»، مذكراً بأن وجود تنظيم «جبهة النصرة» في محافظة إدلب «لا يتوافق مع اتفاقات موسكو وأنقرة بشأن حل مشكلة الأمن في هذه المنطقة والجانب التركي أكد استعداده للتخلص من الإرهاب في إدلب».
وكان الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قال إن «اتفاقاتنا مع أنقرة بخصوص إدلب لم تنفذ بالكامل من قبل الجانب التركي»، مشيراً إلى أن الوضع هناك «لا يزال يثير قلق موسكو ودمشق». وأضاف أن أنقرة أكدت أن اهتمامها مركز على الوضع في إدلب.
ولوحظ أن هذه اللهجة تزامنت مع تأكيد وزارة الدفاع الروسية أن «أنقرة لم تنجح بعد في تنفيذ كامل مسؤولياتها بموجب اتفاق إدلب».
إلى ذلك، دخل النقاش حول آليات التعامل مع الوضع في الشمال بالاستناد إلى اتفاق أضنة الموقع بين الحكومتين السورية والتركية في عام 1998 على أجندة الحوارات الروسية مع الأطراف المختلفة، وأكد لافروف أمس، خلال محادثاته مع نظيره الكازاخي أن موسكو ترى أنه «من الممكن أن تستخدم تركيا وسوريا اتفاقية أضنة لتوفير الأمن على الحدود السورية التركية»، مجدداً الإشارة إلى أهمية الحوار بين دمشق وأنقرة في هذا الاتجاه. وأكد الوزير أن ثمة توافقاً على عقد قمة روسية تركية إيرانية بشأن سوريا الشهر المقبل. وحدد أبرز توجهات الدبلوماسية الروسية على المسار السوري خلال المرحلة المقبلة، مضيفاً أنه «لا يمكن الحديث عن أولويات، فكل شيء مهم حالياً، القضاء على بؤرة الإرهاب في إدلب، تأمين المناطق الحدودية الشمالية، عودة اللاجئين، واللجنة الدستورية».
وجدد لافروف الإشارة إلى أن بلاده تعول على تحقيق تقدم في النقاشات المزمع عقدها في إطار جولة المفاوضات المقبلة في أستانة التي ينتظر أن تنظم أواسط الشهر المقبل. علماً بأن أوساطاً دبلوماسية روسية لفتت إلى أن هذه الجولة سوف تشكل نقطة تحول أساسية في حال نجحت جهود موسكو في إطلاق الحوار التركي - السوري فيها أو بعدها مباشرة.
إلى ذلك، سارت موسكو خطوة لتوسيع دورها في المنطقة عبر الإعلان عن زيادة نشاط قوات الشرطة العسكرية الروسية في منبج. وأفادت وزارة الدفاع الروسية أن وحدات الشرطة العسكرية «وسعت مناطق وجودها وتسيير دورياتها في منطقة منبج بهدف ضمان الأمن في المنطقة، ومواصلة عمليات السيطرة على الوضع ورصد تحركات التنظيمات المسلحة».
وكانت الشرطة العسكرية الروسية أعلنت في بداية الشهر عن بدء تسيير دوريات في محيط مدينة منبج، التي كانت تخضع في السابق لسيطرة المقاتلين الأكراد.
إلى ذلك، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أن تشكيلة اللجنة الدستورية السورية «متفق عليها عملياً» برغم إشارته إلى أن الأمم المتحدة «أصرت على استبدال بعض ممثلي المجتمع المدني المقترحين». وأوضح أن موسكو تلقت طلباً من مسؤولي الأمم المتحدة حول «استبدال عدة أسماء من الجزء الثالث، الذي يخص المجتمع المدني». وزاد أن بلاده تعتبر هذا الطلب «غريباً» لأن التشكيلة المقترحة تم الاتفاق عليها مع الحكومة والمعارضة في سوريا. ورأى برغم ذلك، أن مسألة تشكيل اللجنة الدستورية «ليست صعبة». على صعيد آخر، نقلت وكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية عن السفير الروسي لدى الأردن بوريس بولوتين أنه «لم تلحظ مؤشرات حقيقية على بداية انسحاب القوات الأميركية من سوريا». وأشار السفير إلى أنه في حال انسحاب القوات الأميركية، فإن تنسيق روسيا مع الأردن سوف يتواصل و«لدينا عدة أدوات للتنسيق مع زملائنا الأردنيين، ونقوم بتبادل وجهات النظر وتنسيق المواقف بشكل مستمر وخصوصاً في ملفي الوضع حول مخيم «الركبان» للاجئين على الحدود بين الأردن وسوريا، والوضع في منطقة خفض التصعيد جنوب سوريا». وكان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أعلن عن جهد لتنظيم لقاء يجمع ممثلي روسيا والأردن والولايات المتحدة لمناقشة الوضع حول مخيم الركبان. وأوضح السفير الروسي أمس، أن لم يتم تحديد موعد لهذا اللقاء لكن «آلية التنسيق الروسي الأردني تعمل على مستوى الخبراء، وانضم إليها ممثل للولايات المتحدة في الشهور الأخيرة. والمشاورات ما زالت مستمرة». كما أشار بولوتين إلى «الأداء الناجح لمنطقة خفض التصعيد الجنوبية في سوريا». مشيراً إلى أن الفضل يعود إلى «التنسيق بين الاتحاد الروسي والأردن، ودور دمشق الإيجابي في هذا الملف».
وأعلن السفير أن موسكو تأمل في تطبيع العلاقات بين دمشق وعمان وتراقب كل خطوة في هذا الاتجاه، مضيفاً أن روسيا «تريد من دول المنطقة تطبيع العلاقات، بما في ذلك نتحدث عن سوريا والأردن. ونتابع كل خطوة في هذا الاتجاه مثل فتح نقطة تفتيش جابر وزيارات الوفود الاقتصادية ورفع مستوى البعثة الدبلوماسية للأردن في سوريا».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.