حفل لبناني يستعيد فريد الأطرش في ذكراه الـ44

سندي لطي غنّت مع العود ومن دون موسيقى وخلبت الحاضرين

سندي تعزف على عودها وتغني بحنجرة استثنائية  -  جانب من الحضور في الاحتفالية
سندي تعزف على عودها وتغني بحنجرة استثنائية - جانب من الحضور في الاحتفالية
TT

حفل لبناني يستعيد فريد الأطرش في ذكراه الـ44

سندي تعزف على عودها وتغني بحنجرة استثنائية  -  جانب من الحضور في الاحتفالية
سندي تعزف على عودها وتغني بحنجرة استثنائية - جانب من الحضور في الاحتفالية

بمناسبة مرور 44 عاماً على رحيل فريد الأطرش، أقيم في «مركز الصفدي الثقافي» في مدينة طرابلس حفل لاستعادة ريبرتوار هذا الفنان الذي ترك بصمات لا تنسى بصوته كما بألحانه التي غناها كبار ذاك العصر. وإن كان النصف الأول من الحفل قد خُصّص لأغاني فريد، فإنّ النصف الثاني كان مخصّصاً لأغنيات شقيقته التي سحر صوتها الكثيرين، وبقيت قصة حياتها وكذلك الغموض الذي أحاط بحادث موتها موضع جدل إلى اليوم. وقد أعادت «دار الجديد» مؤخراً إصدار كتاب قديم يحكي حياة أسمهان برواية فؤاد الأطرش وتدوين فوميل لبيب.
وقد غصت القاعة التي أقيم فيها الحفل، بأعداد غفيرة تقاطرت من مختلف المناطق اللبنانية، من أجل المناسبة. والملاحظة أن متوسط أعمار الحاضرين كان يشي بوضوح أنّ فريد الأطرش هو معشوق كبار السّن وأنّ الشباب هم الغائب الأكبر عن هذا الحفل. أمّا المفاجأة الكبرى فكانت الصبية سندي لطي التي لا يتجاوز عمرها 21 ربيعاً، جلست واحتضنت عودها، من دون أي فرقة موسيقية مصاحبة، لتأخذ الحفل كلّه على عاتق صوتها الأخاذ. وكانت سندي لطي قد شاركت سابقاً في أحد برامج المواهب التلفزيونية التي يتنافس خلالها المتبارون للوصول إلى النهائيات، لكنّها بقيت اسماً مجهولاً بالنسبة لغالبية الحضور.
بداية الغناء كانت «مع أحبابنا يا عيني» التي أظهرت أنّ لسندي قدرة على أداء أغنيات فريد الأطرش من دون أن تشعر السّامع بغربة أو بعد عن أجواء الفنان الكبير بل بالعكس، بدت قادرة على إعادتنا إلى مناخ صوته المليء بالشجن. ومع «اشتقتلك» بدت الفنانة أكثر تمكناً، وعندما كرت السبحة بأغنيات «يا قلبي يا مجروح، اصبر ع المقسوم» و«قلبي ومفتاحه» ثم «إياك من حبي» وبعدها «حبينا»، و«تعالى سلم». أبدعت سندي لا بل أذهلت. عزفها على العود كان رناناً وشجياً والمقطوعات التي سبقت بعض الأغنيات أذابت القلوب.
توسط الحفل كلمة رئيس منتدى أصدقاء فريد الأطرش المهندس محمود الأحمدية، الذي تحدث عن مكانة الراحل التي وصفها بالعالمية، نظراً لتكريمه من أكثر من جهة غير عربية لا سيما في فرنسا ونيويورك. وعزف الموسيقي أحمد المصري ثلاث مقطوعات لفريد الأطرش على الكمان قبل أن تعود ساندي لمرة ثانية.
في الجزء الثاني من الحفل حيث غنت سندي لأسمهان بصحبة عودها «أهوى»، و«يلي غرامك شاغل بالي»، و«الورد جميل»، و«اللي بحبه سعيد». ثم استأذنت الجمهور أن تغني من دون العود ومن دون أي مصاحبة موسيقية. كان صوتها وحده يتردّد صداه في القاعة وهي تؤدي «نويت أداري آلامي، واخبي دمعي ونحيبي، واحكي شجوني وغرامي لحالي ولطير حبيبي». المفاجأة أنّ صوت سندي العذب الصّافي بدا أكثر سطوعاً ونقاء، والجمهور لا يصدق أنّ هذه الصبية الغضة قادرة على هذا الأداء الطّربي من دون أن تشوبه أي زلة. صوت سندي ودائماً من دون موسيقى، كان يتجوهر أكثر وأكثر وهي تختتم بواحدة من الأغنيات الأشهر والأجمل لأسمهان «ليالي الأنس في فيينا»، ليخرج الجمهور بعد هذا الحفل منتشياً بألحان أغنيات فريد وإنّما أيضاً متسائلاً عن سرّ أن تبقى مواهب صوتية استثنائية مثل سندي، في الظل، فيما تعطى الصّدارة لأصوات لا تسمو إلى بعض مما تمتلكه من حنجرة وخامة صوتية وطواعية ودربة في الأداء، أقل ما يقال فيها إنّها نادرة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».