زمن الشعر وليس الرواية... بريطانياً على الأقل

زمن الشعر وليس الرواية... بريطانياً على الأقل
TT

زمن الشعر وليس الرواية... بريطانياً على الأقل

زمن الشعر وليس الرواية... بريطانياً على الأقل

الإنجليز أمة شعر. هكذا كان الأمر منذ شكسبير حتى عصرنا الحالي. وقلما تجد روائياً، مهما بلغت إنجازاته، ينافس شعبية شعرائها، من روائيهم الأكبر تشارلز ديكنز إلى أيان ماكوين، أشهر روائييهم المعاصرين. والحقيقة، أنك لا تستطيع أن تضع ديكنز وأحفاده في قائمة واحدة مع الروسيين تولستوي ودوستويفسكي، مثلاً، والفرنسيين ستندال وبلزاك، وأن تضع ماكوين، إذا تحدثنا عن المعاصرين، جنباً إلى جنب مع الأميركيين فيليب روث ودون دليلو، بينما تستطيع وبكل اطمئنان أن تضع الشعراء الإنجليز - والبريطانيين عموماً - في أعلى أي قائمة شعرية، منذ قرن شكسبير حتى قرننا الحالي. وبالطبع، لا أحد يعرف لماذا الإنجليز أمة شعر، والألمان أمة فلسفة، قبل أي شيء آخر - رغم غوته - وفرنسا أمة فلسفة ورواية - وثورات أيضاً بالطبع - وإيطاليا أمة نحت وأوبرا، رغم دانتي.
لا يزال الشعراء في هذا البلد أكثر شعبية من أهم روائي، ولا تزال قاعات الشعر في لندن تمتلئ بمحبيه، على عكس كثير من العواصم الأوروبية، ولم تتوقف دور النشر يوماً عن طبع الشعر، وتربح، وبعضها مقتصر على طبع الشعر وحده.
بكلمة أخرى: هناك ناس تقرأ. والأرقام الأخيرة التي نشرها موقع «نيلسن بوكسكان»، الذي يعنى برصد أرقام وإحصائيات مبيعات الكتاب في بريطانيا، والذي نشرته جريدة «الغارديان» البريطانية يوم الثلاثاء الماضي، تشير إلى أن المبيعات من المجموعات الشعرية عام 2018 تجاوزت المليون نسخة، محققة أرباحاً تجاوزت 12 مليون جنيه إسترليني، بزيادة 1.3 مليون نسخة عن مبيعات 2017. وهي أرقام غير مسبوقة في أي مدينة أوروبية.
ومن المفرح أن أغلب الشعراء الذين عرفت مجموعاتهم انتشاراً، هم من الشباب، ولكن كان إلى جنبهم أيضاً الإغريقي هوميروس، وشعراء معاصرون مثل شيموس هيني وكارول آن دوفي وكوبر كلارك، وأن الشباب، دون 34 عاماً، يشكلون ثلاثة أرباع المشترين، 40 في المائة منهم ما بين 13 – 22 عاماً، ونسبة الفتيات منهم هي الأكبر؛ لأنهنَّ الأرق قلوباً وأرواحاً.
نعم، خبر مفرح أخيراً للشعراء في أكثر من مكان، بعد أن بلغ اليأس منتهاه، وكثر الحديث عن موت الشعر، وهو حديث يتكرر منذ عصر هيغل؛ بل هو الذي أطلقه، حتى عصرنا الحالي للسبب نفسه الذي دفع هيغل لإطلاق نبوءته الرهيبة، بعد أن بلغت التكنولوجيا درجة لم يتصورها الخيال الإنساني في أقصى جموحه، ثم أضاف عصرنا الحالي سبباً آخر: الرواية. لكن لم يتحقق من ذلك شيء، وكأن الشعر كان كامناً تحت رماد الزمن، منتظراً الفرصة المناسبة التي تأخرت كثيراً، ربما أكثر مما يجب، حتى ظنناه قد لفظ أنفاسه حقاً، ليتوهج بريقه من جديد، وليطل علينا برأسه الذي لا يزال أبيض كالثلج.
ما السر وراء هذه الحاجة للشعر، في بلد أوروبي يديره الكومبيوتر أكثر من اليد الإنسانية، وعرفت فيه ثورة الاتصالات تحققها الأقصى؟
هو السر نفسه الذي يدفع البشر لقراءة الشعر منذ فجر البشرية، حين تضيع بوصلة الروح، وتسكن الوحشة في الأعماق منها، ويضيق العالم حتى يصبح بحجم الكف، وحين تتعثر الخطوات في أزقة لا تسكنها سوى الأشباح، وتدور في أرجاء الكون المكائن الجبارة فلا تكاد ترى عيناً بشرية ترمقك، ولا يداً تشير إليك، وحين يرتدي الكذب والنفاق أجنحة تخفق في السماء، مغلقة عليك كل الآفاق. هنا «يتجه الناس للشعر لإضفاء معنى على هذا العالم»، كما يقول أندري برديت، من موقع «بوكسكان»، أو كما تقول سوزانا هيربرت، مديرة مؤسسة «فورورد آرت فوانديشن» التي تشرف على الجائزة الشعرية المعروفة بالاسم نفسه: «إن الناس الآن، في هذه اللحظات من الأزمة الوطنية، تقرأ وتتبادل القصائد حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي. الكلمات التي تنتشر، والكلمات التي تسمع هي ليست كلمات السياسيين؛ بل كلمات الشعراء».
ماذا عن أمة العرب التي تقول - أو كانت - إن الشعر ديوانها؟



عائلة سعودية تتوارث لقب «القنصل الفخري» على مدار سبعة عقود

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
TT

عائلة سعودية تتوارث لقب «القنصل الفخري» على مدار سبعة عقود

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

في حالة استثنائية تجسد عمق الالتزام والإرث الدبلوماسي، حملت أسرة بن زقر التجارية العريقة في مدينة جدة (غرب السعودية) شرف التمثيل القنصلي الفخري لجمهورية فنلندا عبر 3 أجيال متعاقبة، في مسيرة دبلوماسية وتجارية متواصلة امتدت لأكثر من 7 عقود.

بدأت القصة كما يرويها الحفيد سعيد بن زقر، في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية، عندما علم الجد سعيد بن زقر، بوجود جالية مسلمة في فنلندا تعاني من غياب مسجد يجمعهم، وهو ما دفعه إلى اتخاذ قرار بالسفر إلى هناك لبناء مسجد يخدم احتياجاتهم الدينية.

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

لكن الشيخ سعيد واجه بعض التحديات كما يقول الحفيد في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، تتمثل في منع القانون الفنلندي تنفيذ المشروع في ذلك الوقت، وأضاف: «بعد تعثر بناء المسجد، تقدمت الجالية المسلمة هناك بطلب رسمي إلى الحكومة الفنلندية لتعيين الجد سعيد قنصلاً فخرياً يمثلهم، وهو ما تحقق لاحقاً بعد موافقة الحكومة السعودية على ذلك».

وفي وثيقة مؤرخة في السابع من شهر سبتمبر (أيلول) 1950، اطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، تظهر موافقة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، على تعيين الشيخ سعيد بن زقر قنصلاً فخرياً لحكومة فنلندا في جدة.

وجاء في الوثيقة: «فلما كان حضرة صاحب الفخامة رئيس جمهورية فنلندا، قد عيّن بتفويض منه السيد سعيد بن زقر قنصلاً فخرياً لحكومة فنلندا في جدة، ولما كنا قد وافقنا على تعيينه بموجب ذلك التفويض، فأننا نبلغكم بإرادتنا هذه أن تتلقوا السيد سعيد بن زقر بالقبول والكرامة وتمكنوه من القيام بأعماله وتخوّلوه الحقوق المعتادة وتمنحوه المميزات المتعلقة بوظيفته».

وثيقة تعيين الجد سعيد بن زقر صادرة في عهد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه (الشرق الأوسط)

وأضاف الحفيد سعيد، القنصل الفخري الحالي لفنلندا: «أعتقد أن جدي كان من أوائل القناصل الفخريين في جدة، حيث استمر في أداء مهامه حتى عام 1984، لينتقل المنصب بعد ذلك إلى والدي، الذي شغله حتى عام 2014، قبل أن يتم تعييني خلفاً له قنصلاً فخرياً».

وفي إجابته عن سؤال حول آلية تعيين القنصل الفخري، وما إذا كانت العملية تُعد إرثاً عائلياً، أوضح بن زقر قائلاً: «عملية التعيين تخضع لإجراءات دقيقة ومتعددة، وغالباً ما تكون معقدة، يبدأ الأمر بمقابلة سفير الدولة المعنية، يعقبها زيارة للدولة نفسها وإجراء عدد من المقابلات، قبل أن تقرر وزارة الخارجية في ذلك البلد منح الموافقة النهائية».

الأب محمد بن زقر عُين قنصلاً فخرياً على مستوى مناطق المملكة باستثناء الرياض مقر السفارة (الشرق الأوسط)

وتابع قائلاً: «منصب القنصل الفخري هو تكليف قبل أن يكون تشريفاً، حيث تلجأ بعض الدول إلى تعيين قناصل فخريين بدلاً من افتتاح قنصلية رسمية، لتجنب الأعباء المالية، وعادةً ما يتحمل القنصل الفخري كل التكاليف المترتبة على أداء مهامه».

ووفقاً للأعراف الدبلوماسية فإن لقب القنصل الفخري، هو شخص من مواطني الدولة الموفد إليها، بحيث تكلفه الدولة الموفِدة التي لا توجد لديها تمثيل دبلوماسي بوظائف قنصلية إضافة إلى عمله الاعتيادي الذي عادة ما يكون متصلاً بالتجارة والاقتصاد.

يسعى الحفيد سعيد بن زقر إلى مواصلة إرث عائلته العريق في تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين السعودية وفنلندا، والارتقاء بها إلى مستويات متقدمة في شتى المجالات. يقول بن زقر: «منذ تعييني في عام 2014، حرصت على تأسيس شركات وإيجاد فرص استثمارية في فنلندا، خصوصاً في مجالات تكنولوجيا الغذاء والوصفات الصناعية، إذ تتميز فنلندا بعقول هندسية من الطراز الأول، وهو ما يفتح آفاقاً واسعة للتعاون والابتكار».

الحفيد سعيد بن زقر القنصل الفخري الحالي لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

ويرى القنصل الفخري لجمهورية فنلندا أن هناك انفتاحاً سعودياً ملحوظاً على دول شمال أوروبا، ومن بينها فنلندا، وأوضح قائلاً: «تتركز الجهود بشكل كبير على شركات التعدين الفنلندية التي تُعد من بين الأكثر تقدماً في العالم، إلى جانب وجود فرص واعدة لم تُستغل بعدُ في مجالات صناعة السيارات، والطائرات، والصناعات الدفاعية».

وفي ختام حديثه، أشار سعيد بن زقر إلى أن القنصل الفخري لا يتمتع بجواز دبلوماسي أو حصانة دبلوماسية، وإنما تُمنح له بطاقة تحمل مسمى «قنصل فخري» صادرة عن وزارة الخارجية، وبيّن أن هذه البطاقة تهدف إلى تسهيل أداء مهامه بما يتوافق مع لوائح وزارة الخارجية والأنظمة المعتمدة للقناصل الفخريين بشكل رسمي.