«أنتيغون» تتحدى الموت وهي تختتم «مهرجانات بيت الدين»

وجدي معوض يبقى أمينا لـ«سوفوكليس» وحداثيا من عصرنا

من مشاهد العمل المسرحي
من مشاهد العمل المسرحي
TT

«أنتيغون» تتحدى الموت وهي تختتم «مهرجانات بيت الدين»

من مشاهد العمل المسرحي
من مشاهد العمل المسرحي

لعشاق المسرح الكلاسيكي الإغريقي، كان ختام «مهرجانات بيت الدين». وقفت «أنتيغون» بطلة «سوفوكليس»، لثلاث ليال متواليات كان آخرها مساء أمس، على المسرح الذي انتصب في الباحة الصغيرة الساحرة للقصر التاريخي البديع، شاهرة عصيانها، ماضية في تحديها للطغيان، مصرة على الذهاب إلى النهاية، في مواجهة جبروت عمها كريون حتى دفنت في حجرة صغيرة وهي حية منتصبة القامة.
مخرج «أنتيغون» وجدي معوض، المولود في لبنان، ويعمل حالياً مع فريق فني فرنسي - كندي، على أعمال «سوفوكليس» السبعة، بقي محافظاً على النص الأصل، مقدماً رؤية بصرية حديثة مع كورس يخرج عن التقليدية لنراه مصحوباً بموسيقى الـ«روك»، بفضل المغني الفرنسي برتران كانتا وفرقته. هكذا كانت مناجاة الآلهة، وتضرعات الكورس، مصحوبة بأنغام الغيتار والدرامز، فيما تتراقص أجساد المغنين فرحا أو ترتجف رعباً كما إيقاعات الصوت التي يمكن أن تتهدج معطية للمعاني رنينها.
من صعوبات إخراج هذا النوع من المسرحيات، هامش الحرية الضيق في المناورة والاجتهاد. لكن معوض نجح في استثمار هذه المساحة المحدودة جداً، حتى عصرها وقطّرها.
ما يقارب 2500 سنة تبعدنا عن «سوفوكليس»، الذي وضع نصه بالارتكاز على حكايا الميثولوجيا الإغريقية. معوض ردم حفرة الزمن بمهارة، بنوعية الملابس الخارجة من عصرنا الحالي، وحيوية الحركة كما السينوغرافيا المعتمدة على البساطة والتقشف والغناء العصري والإيحاءات اللماحة.
في البدء، نطل على خشبة خالية إلا من باب وحيد لحجرة ينتصب وسط خلفية المسرح مغلق بغلاله، يظهر وراءه ظلان، فيما الصوت الهادر لطائرات تقصف وصواريخ تحطم وتدمر يملأ المكان. إشارة قوية إلى راهن المنطقة العربية الغارق في الحروب والخراب، قبل أن تظهر أنتيغون وأختها اسمين، في حوارهما حول الأحداث التي تشهدها بلادهما بعد موت والدهما أوديب وأخويهما، إيتيوكليس وبولينيس، متقاتلان متصارعان.
عصيان أنتيغون التي تتحدى بقوة من أجل دفن جثة بولينيس، رافضة تركها نهباً لوحوش الأرض وكواسر السماء كما قرر عمها الملك كريون عقاباً له على استعانته بأعداء الخارج، للاستقواء على بني جلدته، يشكل عصب المسرحية كما هو معلوم.
ما يقارب الساعتين من الأدب الرفيع والتمثيل المتقن، والحركة المحسوبة للممثلين، مع إبحار في حكم سوفوكليس وكلماته العابرة للقرون. النص على لسان الممثلين الذي حرص معوض على أن يأتي واضح اللفظ متهادياً بليغاً، جعل الإنصات بحد ذاته متعة.
جاءت «أنتيغون هذه الفتاة التي تقرر أن تتكلم وتتحدى لحظة خرس الجميع عن قول الحقيقة، إلى بيت الدين، في وقتها. الحوارات الجميلة بين الملك وابنة أخيه العاصية، إصرارها على دفن أخيها كما تقتضيه العقائد، وعناد الملك المتغطرس، يتواجهان، كما تتواجه الأطراف المتصارعة في بلداننا حتى الرمق الأخير، وكأنما التراجع عن الخطيئة فضيلة لا يجيدها أحد.
لا يقبل كريون النصيحة ولا المشورة متسائلاً باستغراب «وهل طيبة على وشك أن تعلمني كيف أحكم؟» يصل الجبروت حد مواجهة ابنه هيمون، الذي يحاول إقناعه بالعدول عن دفن خطيبته، دون جدوى.
تراجيديا انتحار هيمون ودفن أنتيغون، وتفجع كريون، لا يريد لها وجدي معوض أن تمر كئيبة سوداوية، فيقرر أن ينتفض على هذه النهاية المأساوية الأسطورية بأن يبعث العروسين إلى الحياة من جديد، ويزفهما فرحين، مبتسمين، وسط نثر الأرز ومشاركة أهل طيبة، في مشهد ظريف، يمر سريعاً كأنه حلم.
هل كان من الممكن لهذه التراجيديا أن لا تقع أصلاً؟ أما كان بمقدور كريون أن يكون أكثر تسامحاً، ويترك للحبيبين أن يكملا عمريهما؟ هلالان يفتحهما معوض، في آخر المسرحية، ليعود ويغلقهما على عجل، ليبقى أميناً لسوفوكليس والمسرح اليوناني العابق بدراميته.
وهكذا تكون «مهرجانات بيت الدين» قد أنهت موسماً ترفع له القبعات تقديراً، إذ إنه مر وسط ألغام أمنية وتوترات كبيرة، ومع ذلك استمر المنظمون في برنامجهم وتجاوب جمهور، مختلف الأذواق والأعمار، لحفلات، حاولت أن تطال كل محب للفنون، من عشاق كاظم الساهر إلى نخبة النخبة التي يحلو لها أن ترجع إلى فلسفة سوفوكليس وتنهل من بئر حكمه المعتقة.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».