برادات خيرية لسد غائلة الجوع في طرابلس

«معك أعط... لازمك خذ»

السوق القديمة في طرابلس
السوق القديمة في طرابلس
TT

برادات خيرية لسد غائلة الجوع في طرابلس

السوق القديمة في طرابلس
السوق القديمة في طرابلس

أمام متجر «أبو رشيد غمراوي» للسمانة (بقالة)، في شارع المئتين في مدينة طرابلس (شمال لبنان) برّاد صغير بواجهة زجاجية، وضعت فيه مأكولات، وكتب عليه بخط كبير «معك أعط... لازمك خذ». وهو واحد من بين عشرين برّاداً توزعت في المدينة، الهدف منها حفظ المأكولات التي يضعها فيه من يريد مساعدة الأكثر احتياجاً. وهذه إحدى المبادرات الكثيرة، التي تقوم بها جمعيات مدنية تنشط لمساعدة فقراء يتزايدون بشكل ملحوظ، وباتوا بحاجة لمساعدة ماسة، دون انتظار الخطط الرسمية التي لا تأتي.
ويقول ربيع صاحب المتجر، بأنه سعيد بالمبادرة رغم أنها تتطلب منه عملاً إضافياً. «في البداية، تركنا الأمور لمن يرغب، يفتح البراد وينتقي ما يحتاج ويذهب دون أن نتدخل في الأمر. لكن حصل أن هناك من قرر تعبئة كل ما في البراد في كيس ويذهب. وهذا غير مقبول لأنه لا يراعي حاجات الآخرين. لهذا بتنا نتدخل لتنظيم التوزيع بالتنسيق مع الجهة التي أطلقت المبادرة».
في البراد ماء للشرب، عصير، أكياس عدس، أرز، سكر، وأنواع من المأكولات طبخت في البيوت، ووضعت في علب بلاستيكية، وكذلك جبن وخبز، وأشياء أخرى.
ويقول ربيع بأنه يتدخل لتوزيع المأكولات المطبوخة أولاً كي لا تتعرض للتلف. ويضيف: «هناك إقبال كبير، وحاجة واضحة لدى الناس. لكن بعض المحتاجين فعلاً، يجدون غضاضة في الانتفاع من المبادرة. لا يزال الفقر يشكل خجلاً لدى الناس». وجود البرادات أمام محلات للمأكولات وللسمانة بشكل خاص كان مقصوداً، فبعض من يأتون للشراء يتبرعون بجزء مما يشترونه بما يمكنهم أن يهبوه مباشرة. ويقول ربيع: «هناك من بات يزيد من كمية مشترياته ليترك حصة لغيره هنا. وهو أمر جيد ويدل على الإحساس المتنامي بالآخر».
هذا النوع من المبادرات بدأ في بيروت، لكن وهجه خفت، ومن ثم انتقلت الفكرة إلى صيدا. وفي طرابلس ثمة تنافس بالفعل بين المقتدرين، على شراء المزيد من البرادات وتوفيرها، بحسب فضيلة ذوق قمر الدين من جمعية رعاية الأطفال، التي كان لها الفضل في إطلاق المبادرة، وهي مع فريق عمل من الجمعية يجولون يومياً على البرادات، حرصاً على التأكد من حسن سير الأمور.
وتقول فضيلة لـ«الشرق الأوسط»: «كل يزور البرادات التي حول سكنه، فهذا عملي بالنسبة لأعضاء الجمعية، ويوفر الوقت. عندنا تبرعات تكفي لشراء أربعة برادات إضافية، والناس لا تكف عن الاتصال للاستفهام أو المساعدة، لكن العثرة تكون أحياناً في إيجاد المكان المناسب لوضع البرادات. بالطبع هناك من يتصل يريد براداً، لكننا ندرس الأماكن بعناية. هناك من يسأل، لماذا لا توجد برادات في المناطق الفقيرة؟ والجواب هو أن من يريد أن يتبرع بالأطعمة، يحتاج أن يكون البراد بقرب بيته، وعلى الأرجح لن يكلف نفسه عناء الانتقال، بشكل مستمر، وهو إن فعل يوماً سيتقاعس في اليوم التالي. لذلك وجدنا من الأجدى أن نسهل إلى المتبرعين لتكون الكميات المتوفرة أكبر وبشكل مستدام».
المسؤولية كبيرة، تشرح فضيلة: «نريد أن تبقى البرادات نظيفة، والطعام الذي يوزع صالحاً للاستخدام، لذلك نطلب أن توضع المأكولات المطبوخة بعلب بلاستيكية شفافة عليها تاريخ صنع الطبق واسم الطبخة التي بداخل العلبة، كي لا يعمد أحد إلى فتحها لمعرفة ما بداخلها. كما أن المحلات التي تهتم بإدارة البرادات تتواصل فيما بينها على مجموعة «واتس أب» لتوجيه المحتاجين إلى العنوان الذي تتوافر فيه الأغذية التي يرغبون فيها.
وهناك اتصالات تجرى مع المطاعم لتزويد البرادات بالمأكولات المتبقية لديهم بدل أن تتلف، طالما أن هناك من يستطيع الإفادة منها. وهذه واحدة من المحاولات لدرء غائلة الحاجة عن مئات الأسر، فتوزيع الحصص الغذائية، ومطاعم المحتاجين، كما حملات دفء الشتاء والاستفادة مما يتم الاستغناء عنه من ملابس لإعادة توزيعه، هي مما صار متعارفاً عليه، وتحرص الجمعيات ومنها «جمعية رعاية الأطفال» في طرابلس على الالتزام به.
وحسب تقرير للبنك الدولي عام 2017 فإن شمال لبنان بما في ذلك طرابلس، يبقى من بين أكثر المناطق هشاشة في البلاد، حيث يصل معدل الفقر إلى 36 في المائة في ارتفاع واضح عن معدلات الفقر في بقية المناطق التي تلامس 26 في المائة.
ولعل ارتفاع حالات التكافل والتعاضد بين السكان، سببه الإحساس المتنامي بالأزمة، والشعور بأن الضائقة لن توفر أحداً، وأن الطريقة الوحيدة لتمرير هذه الفترة بأقل الخسائر الممكنة هي تقاسم اللقمة وكسرة الخبز. وتقول إحدى المستفيدات «إنها لا تذهب كل يوم للبحث عن مأكولات، لكنها تشعر أن هذه المبادرة أعطتها شيئا من الأمان هي وأطفالها، بحيث تعرف أنه مهما ضاق الحال لا بد سيجدون ما يأكلونه. فيما تقول إحدى الساكنات في حي المئتين حيث يوجد براد للمساعدة، بأنها تعيش مع زوجها وحدهما، بعد أن كبر الأولاد، وأن الطبخة لشخصين يمكن أن تكفي أربعة وبالتالي، فلا ضير أن تذهب بنصفها إلى البراد بعد أن توضبها بالطريقة المطلوبة، وهذا يساعد أسرة أخرى.



قضية ابنة شيرين عبد الوهاب تجدد الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني»

شيرين وابنتها هنا (إكس)
شيرين وابنتها هنا (إكس)
TT

قضية ابنة شيرين عبد الوهاب تجدد الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني»

شيرين وابنتها هنا (إكس)
شيرين وابنتها هنا (إكس)

جدد الحكم القضائي الصادر في مصر ضد شاب بتهمة ابتزاز وتهديد الطفلة «هنا»، ابنة الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب، الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني» عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسبب انتشاره بكثافة، ومدى المخاطر التي يحملها، لا سيما ضد المراهقات.

وقضت محكمة جنايات المنصورة بالحبس المشدد 3 سنوات على المتهم، وهو طالب بكلية الهندسة، بعد ثبوت إدانته في ممارسة الابتزاز ضد ابنة شيرين، إثر نجاحه في الحصول على صور ومقاطع فيديو وتهديده لها بنشرها عبر موقع «تيك توك»، إذا لم تدفع له مبالغ مالية كبيرة.

وتصدرت الأزمة اهتمام مواقع «السوشيال ميديا»، وتصدر اسم شيرين «الترند» على «إكس» و«غوغل» في مصر، الجمعة، وأبرزت المواقع عدة عوامل جعلت القضية مصدر اهتمام ومؤشر خطر، أبرزها حداثة سن الضحية «هنا»، فهي لم تتجاوز 12 عاماً، فضلاً عن تفكيرها في الانتحار، وهو ما يظهر فداحة الأثر النفسي المدمر على ضحايا الابتزاز حين يجدون أنفسهم معرضين للفضيحة، ولا يمتلكون الخبرة الكافية في التعامل مع الموقف.

وعدّ الناقد الفني، طارق الشناوي، رد فعل الفنانة شيرين عبد الوهاب حين أصرت على مقاضاة المتهم باستهداف ابنتها بمثابة «موقف رائع تستحق التحية عليه؛ لأنه اتسم بالقوة وعدم الخوف مما يسمى نظرة المجتمع أو كلام الناس، وهو ما يعتمد عليه الجناة في مثل تلك الجرائم».

مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «أبناء المشاهير يدفعون أحياناً ثمن شهرة ومواقف ذويهم، مثلما حدث مع الفنانة منى زكي حين تلقت ابنتها حملة شتائم ضمن الهجوم على دورها في فيلم (أصحاب ولاّ أعز) الذي تسبب في موجة من الجدل».

وتعود بداية قضية ابنة شيرين عبد الوهاب إلى مايو (أيار) 2023، عقب استدعاء المسؤولين في مدرسة «هنا»، لولي أمرها وهو والدها الموزع الموسيقي محمد مصطفى، طليق شيرين، حيث أبلغته الاختصاصية الاجتماعية أن «ابنته تمر بظروف نفسية سيئة للغاية حتى أنها تفكر في الانتحار بسبب تعرضها للابتزاز على يد أحد الأشخاص».

ولم تتردد شيرين عبد الوهاب في إبلاغ السلطات المختصة، وتبين أن المتهم (19 عاماً) مقيم بمدينة المنصورة، وطالب بكلية الهندسة، ويستخدم حساباً مجهولاً على تطبيق «تيك توك».

شيرين وابنتيها هنا ومريم (إكس)

وأكد الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، أن «الوعي لدى الفتيات والنساء هو كلمة السر في التصدي لتلك الجرائم التي كثُرت مؤخراً؛ نتيجة الثقة الزائدة في أشخاص لا نعرفهم بالقدر الكافي، ونمنحهم صوراً ومقاطع فيديو خاصة أثناء فترات الارتباط العاطفي على سبيل المثال»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «كثيراً من الأشخاص لديهم وجه آخر صادم يتسم بالمرض النفسي أو الجشع والرغبة في الإيذاء ولا يتقبل تعرضه للرفض فينقلب إلى النقيض ويمارس الابتزاز بكل صفاقة مستخدماً ما سبق وحصل عليه».

فيما يعرّف أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر، الابتزاز الإلكتروني بوصفه «استخدام التكنولوجيا الحديثة لتهديد وترهيب ضحية ما، بنشر صور لها أو مواد مصورة تخصها أو تسريب معلومات سرية تنتهك خصوصيتها، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين».

ويضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «مرتكب الابتزاز الإلكتروني يعتمد على حسن نية الضحية وتساهلها في منح بياناتها الخاصة ومعلوماتها الشخصية للآخرين، كما أنه قد يعتمد على قلة وعيها، وعدم درايتها بالحد الأدنى من إجراءات الأمان والسلامة الإلكترونية مثل عدم إفشاء كلمة السر أو عدم جعل الهاتف الجوال متصلاً بالإنترنت 24 ساعة في كل الأماكن، وغيرها من إجراءات السلامة».

مشدداً على «أهمية دور الأسرة والمؤسسات الاجتماعية والتعليمية والإعلامية المختلفة في التنبيه إلى مخاطر الابتزاز، ومواجهة هذه الظاهرة بقوة لتفادي آثارها السلبية على المجتمع، سواء في أوساط المشاهير أو غيرهم».