متحف مصري يوثق تعذيب أجهزة الأمن عبر العصور

مؤسسه لـ «الشرق الأوسط» : استلهمت فكرة إنشائه أثناء زيارة للعراق

محمد عبد الوهاب يمسك بـ«ساحقة الرأس» («الشرق الأوسط»)
محمد عبد الوهاب يمسك بـ«ساحقة الرأس» («الشرق الأوسط»)
TT

متحف مصري يوثق تعذيب أجهزة الأمن عبر العصور

محمد عبد الوهاب يمسك بـ«ساحقة الرأس» («الشرق الأوسط»)
محمد عبد الوهاب يمسك بـ«ساحقة الرأس» («الشرق الأوسط»)

أن تدخل متحفا أثريا وتتجول فيه وتشعر بروعة البناء المصري القديم في التصميم والتنفيذ فهذا شيء عادي؛ لكن عندما تتجول في أول متحف من نوعه في مصر والعالم العربي يضم ما يزيد على ألف أداة كانت تستخدم في التعذيب ضد الإنسان على مر العصور حتى وقتنا هذا، فالمؤكد أنك ستشعر بالخوف وتنتابك قشعريرة وكأنك في «بيت الرعب» من المؤثرات الصوتية والضوئية ومن شكل هذه الأجهزة التي تفننت السلطات الأمنية في صنعها لتعذيب سجناء الرأي.
فكرة المتحف الذي أسسه الباحث في مجال الاغتيال السياسي وأساليب التعذيب محمد عبد الوهاب تقوم على كشف أساليب التعذيب للرأي العام، ويقول عبد الوهاب إنه استلهم فكرة إنشاء المتحف أثناء زيارة للعراق سمع خلالها قصصا وشاهد صورا لأعمال تعذيب وحشية مورست ضد الضحايا. والمتحف الذي يقع في أحد المنازل بمنطقة المريوطية بحي الهرم بمحافظة الجيزة (جنوب العاصمة) يضم مجموعة من بعض أدوات التعذيب، بالإضافة إلى صور لضحايا ومجموعة من وثائق التعذيب موزعة على خمس حجرات. ويوضح إبراهيم أن «عملية جمع أدوات التعذيب ليست عملا سهلا أبدا»، لأنه يحتك دائما بأجهزة الأمن في مسعاه للحصول على أداوت التعذيب من أي مكان، لافتا إلى أنه قام بجولات في متاحف العالم، كما قام من خلال الكتب القديمة بالبحث عن أشكال لتلك الأدوات لكي يقوم بتصنيع شبيه لها أو اقتنائها.
مؤسس المتحف تقدم بطلب إلى رئيس مجلس الوزراء المصري إبراهيم محلب لتأسيس المتحف بسجن قلعة صلاح الدين (جنوب القاهرة)، وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن «مؤسس المتحف سبق أن طلب إقامة المعرض في يونيو (حزيران) عام 2012 في نفس المكان؛ لكن وزارة الآثار طالبته وقتها بدفع نصف مليون جنيه لإقامة المعرض ليوم واحد في سجن قلعة صلاح الدين باعتباره أشهر الأماكن التي وقعت بها جرائم تعذيب».
وتدعو منظمة العفو الدولية منذ عام 2008 جميع الدول إلى اجتثاث آفة التعذيب وجميع الضروب الأخرى للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وخصصت يوم 26 يونيو من كل عام ليكون اليوم العالمي للأمم المتحدة لمؤازرة ضحايا التعذيب.
«الشرق الأوسط» زارت المتحف، وتجولت في المكان الذي يتكون من خمس حجرات، ففي الأولى توجد مجموعة كبيرة من الكتب القديمة التي يرجع تاريخها إلى 200 عام، ومن المكتبة يوجد باب سري يدخل إلى الحجرة الثانية التي تحتوى على مجموعة من المقتنيات النادرة من الأسلحة الحربية، فيما تضم الحجرة الثالثة مجموعة كبيرة من القيود المعدنية وصورا لأقدم المجرمين على مر العصور، فضلا عن أدوات التعذيب. وفي الحجرة الرابعة المشنقة ومجموعة من ملابس الإعدام وحبل الإعدام وقص اللسان والأظافر ومقعد المنشار ومجموعة من «الكرابيج» (الأسواط) المختلفة الأنواع، و«سواطير» لقطع اليد، وأدوات للكي وحرق جسد الإنسان. بينما تضم الحجرة الخامسة مجموعة من السيوف والمفاتيح وأدوات مثل ذراع مع مسامير وكرسي مع مسامير وتوابيت بها قضبان حديد ثقيلة وهياكل عظمية.
وعن أدوات التعذيب حدثنا عبد الوهاب قائلا «يوجد كرسي محاكم التفتيش في إسبانيا، وبه 2000 مسمار ويسمى الخازوق، والذي اخترعه المماليك وطوره العثمانيون، وهو الأداة التي لو استخدمت لتعذيب إنسان فإنه يتمنى لنفسه الموت رحمة من شدة العذاب، وعند استخدامه يتم إبعاده عن الأعضاء التي تؤدي إلى الوفاة مثل القلب والكبد والرئتين، ويستمر العذاب لمدة أسبوع، وإن مات المعذب قبل أسبوع تتم معاقبة القائم على تعذيبه». و«الخازوق» عبارة عن عمود خشبي مسنن يجلس عليه السجين، ويبدأ في اختراق جسده تدريجيا حتى الوصول إلى مخه ليموت في النهاية بأشد أنواع التعذيب إيلاما، لافتا إلى أن «هناك أنواعا للخازوق، منها الذي جلس عليه سليمان الحلبي قاتل الجنرال كليبر (حاكم مصر الفرنسي، خليفة نابليون بونابرت)، وهناك الخازوق الوتد وهو كبير يبلغ طوله أربعة أمتار».
ويضيف مؤسس المتحف «من أدوات التعذيب التي كانت تستخدم في العصور الوسطى ساحقة الرأس، وهي تسحق الجمجمة نهائيا، وهناك أداة لعصر الجسم تسمى (العصارة)، وهي عبارة عن آلة حديدية تشبه مطحنة البن يوضع فيها الإنسان ويستمر المعذب في إدارة اليد لتضغط تدريجيا على الرأس حتى يتم كسره تماما، وأيضا هناك آلة أخرى صغيرة الحجم مدببة تدخل في طبلة الأذن حتى تخرج من الناحية الأخرى. كما يحوي المتحف آلة (النفخ)، وهي عبارة عن منفاخ يوضع في دبر الإنسان ويظل المعذب ينفخ فيه حتى يموت السجين من شدة الهواء وشدة الألم، وتم اختراعه في عهد الدولة العباسية».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».