فنزويلا تُقسّم العالم إلى معسكرين

الجيش مع مادورو... وواشنطن تدعم غوايدو... وموسكو ضد «اغتصاب السلطة»

فنزويلا تُقسّم العالم إلى معسكرين
TT

فنزويلا تُقسّم العالم إلى معسكرين

فنزويلا تُقسّم العالم إلى معسكرين

مع إعلان نفسه «رئيسا بالوكالة» لفنزويلا ضد الرئيس نيكولاس مادورو، فتح المعارض خوان غوايدو الباب على مصراعيه لنزاع غير محمود النتائج، كما حذرت الأمم المتحدة، واصطفاف لدول العالم الكبرى، وحتى الصغرى منها، بين مؤيد ومعارض وأخرى تطالب بالهدوء والحوار.
الأربعاء، في ذكرى سقوط ديكتاتورية ماركوس بيريز خيمينيس في 1958، أعلن غوايدو البالغ من العمر 35 عاما أمام حشد من أنصاره: «أقسم أن أتولى رسميا صلاحيات السلطة التنفيذية الوطنية كرئيس لفنزويلا لإنهاء مصادرة (السلطة وتشكيل) حكومة انتقالية وإجراء انتخابات حرة». واتخذ غوايدو خطوته، في حين احتشد الآلاف من أنصار المعارضة والرئاسة في شوارع كراكاس التي شهدت صدامات متفرقة مع شرطة مكافحة الشغب، لترتفع المخاطر المحيقة بالدولة النفطية التي استفحل فيها الفقر تحت حكم مادورو. وذكرت مؤسسة «أوراسيا غروب»، كما نقلت عنها الصحافة الفرنسية، أن دعم القيادة العسكرية العليا هو شرط مسبق لكي يتمكن غوايدو من قيادة عملية انتقال، وأن سقوط مادورو «لا يبدو وشيكاً».
جاء رد واشنطن وعدد من قادة أميركا الجنوبية سريعا ومؤيدا. ولم تمض دقائق على إعلان غوايدو، حتى أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب بياناً اعتبر فيه مادورو رئيسا «غير شرعي» وأن الجمعية الوطنية برئاسة غوايدو هي «الهيئة الشرعية الوحيدة لحكومة انتخبها الشعب الفنزويلي وفق الأصول». ورد مادورو الغاضب بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الحكومة الأميركية «الإمبريالية»، وأعطى دبلوماسييها 72 ساعة لمغادرة البلاد. فردت الخارجية الأميركية بأنها لم تعد تعترف بمادورو رئيساً، ومن ثم فإن أوامره لا تعني شيئا. وقال مادورو بغضب وسط هتاف آلاف المؤيدين خارج القصر الرئاسي في كراكاس «اخرجوا. غادروا فنزويلا هنا لدينا كرامة». وقالت وزارة خارجية البرازيل التي يعبر رئيسها جاير بولوسنارو باستمرار عن عدائه لمادورو، إنها «تعترف بخوان غوايدو رئيسا». لكن برازيليا تستبعد أي تدخل خلافا لواشنطن التي لا تستبعد ذلك إذا سحق مادورو الاحتجاج بالقوة، إذ كتب ترمب في تغريدة أن «كل الخيارات مطروحة».
أما موسكو فقد أكدت عكس ذلك، أن مادورو هو «الرئيس الشرعي» وشجبت «اغتصاب السلطة». وحذرت موسكو من «التدخل الأجنبي» في فنزويلا، وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان إن «التدخل الأجنبي المدمر خصوصا في الوضع الحالي البالغ التوتر، غير مقبول (...) إنه طريق مباشر إلى التعسف وحمام الدم». وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: «نعتبر محاولة اغتصاب السلطة في فنزويلا (...) انتهاكا للقانون الدولي»، مشيرا إلى أن «نيكولاس مادورو هو رئيس الدولة الشرعي للبلد الواقع في أميركا الجنوبية». واتصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الفنزويلي مؤكدا «دعمه» لمادورو. وأورد الكرملين أن بوتين عبر خلال الاتصال «عن دعمه للسلطات الشرعية في فنزويلا وسط تفاقم أزمة سياسية تسبب بها الخارج».
وتعتبر فنزويلا، التي تعد أكبر خصم للولايات المتحدة في أميركا اللاتينية، حليفا وثيقا لروسيا، وأصبحت موسكو الملاذ الأخير في إقراض كراكاس مع انهيار اقتصادها الاشتراكي. وحذر النائب الروسي فرانز كلينزيفيتش من أن موسكو قد توقف تعاونها العسكري مع فنزويلا إذا أطيح بمادورو الذي وصفه بأنه رئيس منتخب بشكل شرعي. وتستثمر روسيا في قطاع النفط في فنزويلا كما قدمت دعما لجيشها. والشهر الماضي، هبطت قاذقتا قنابل استراتيجيتان روسيتان قادرتان على حمل أسلحة نووية في فنزويلا مما أثار غضب واشنطن. كما نقلت «إنترفاكس» عن نائب وزير الخارجية قوله اليوم الخميس، إن روسيا تحذر الولايات المتحدة من التدخل العسكري في فنزويلا. قائلا إن مثل هذه الخطوة بمثابة سيناريو كارثي. ونسبت الوكالة، كما نقلت عنها الوكالة الألمانية، إلى سيرجي ريابكوف، قوله إن موسكو ستقف بجانب فنزويلا لحماية سيادتها ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية.

ودعت الصين جميع أطراف الأزمة للالتزام بالهدوء والسعي للتوصل «لحل سياسي»، وقالت إنها لا تتدخل في المسائل الداخلية للدول الأخرى. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية هوا تشوينينغ: «الصين تدعم جهود حكومة فنزويلا لحماية استقلال واستقرار سيادة البلاد». وأضافت أن الصين تأمل في أن تتمكن جميع الأطراف من خلال الخلافات عبر الحوار، على أساس احترام الدستور وتجنب الصراعات العنيفة واستعادة النظام». وأوضحت هوا: «أريد أن أؤكد أن العقوبات الخارجية والتدخل في شؤون الدول الأخرى غالبا ما يجعل الموقف أكثر تعقيدا ولا يساعد في حل المشكلات الفعلية».
من جهته، دعا الاتحاد الأوروبي إلى تنظيم «انتخابات حرة وتتمتع بالصدقية بموجب النظام الدستوري». وقالت الممثلة العليا للاتحاد للشؤون الخارجية فيديريكا موغيريني إن «الشعب الفنزويلي يملك حق التظاهر بطريقة سلمية واختيار قادته بحرية وتقرير مستقبله»، مؤكدة أنه «لا يمكن تجاهل صوته». وكتب رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك في تغريدة على «تويتر» أنه «يأمل في أن تكون كل أوروبا موحدة في دعم القوى الديمقراطية في فنزويلا». وأضاف: «خلافا لمادورو، تمتلك الجمعية البرلمانية بما فيها خوان غوايدو تفويضا ديمقراطيا».
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الخميس على هامش منتدى دافوس الاقتصادي العالمي «نأمل بأن يكون الحوار ممكنا لتجنب تصعيد يؤدي إلى نزاع سيكون كارثيا لسكان البلاد والمنطقة».
وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن «أوروبا تدعم إعادة الديمقراطية» في فنزويلا، «بعد الانتخاب غير المشروع لنيكولاس مادورو في مايو (أيار) 2018»، حسبما ذكر ماكرون على حسابه بموقع «تويتر» أمس الخميس، دون أن يذكر اسم رئيس البرلمان الفنزويلي خوان غوايدو بشكل محدد. وأشادت فرنسا بـ«شجاعة مئات الآلاف من الفنزويليين الذين خرجوا للشوارع من أجل حريتهم». ونشر ماكرون تغريدته باللغتين الفرنسية والإسبانية.
وأكد الجيش، الأربعاء، دعمه الثابت لمادورو ورفضه إعلان خوان غوايدو نفسه رئيساً. وقال وزير الدفاع الجنرال فلاديمير بادرينو لوبيز، إن «الجيش يدافع عن دستورنا وهو ضامن السيادة الوطنية». وقالت الحكومة إن وزير الدفاع وكبار القادة العسكريين في المناطق سيعلنون «دعمهم للرئيس الدستوري» و«الحفاظ على سيادة البلاد».
واستمرت المظاهرات والاحتجاجات خلال الليل في أحياء شعبية في كراكاس بعد يومين من المظاهرات التي نظمتها المعارضة وأنصار الرئيس الاشتراكي وشهدت أعمال عنف.
وأحصت اللجنة الدولية لحقوق الإنسان 16 قتيلاً خلال يوم الأربعاء وحده. وقال المرصد الفنزويلي للنزاع الاجتماعي لوكالة الصحافة الفرنسية إن 13 شخصا قتلوا خلال يومين من الاضطرابات منذ الثلاثاء.
وكان قد تولى مادورو الحكم في 10 يناير (كانون الثاني) لولاية ثانية رفضتها المعارضة ولم تعترف بها واشنطن والاتحاد الأوروبي وكثير من دول أميركا اللاتينية. والاثنين الماضي، حاولت مجموعة من 27 جندياً تنظيم تمرد في ثكنة في شمال كركاس لكن سرعان ما تم اعتقالهم. وفي أعقاب ذلك، سجل نحو ثلاثين من أعمال الشغب في الأحياء الشعبية في كراكاس وضواحيها. ومنذ الثلاثاء، ندد مادورو بما وصفه بأنه دعوة إلى «انقلاب فاش» بعد التضامن الذي عبر عنه نائب الرئيس الأميركي مايك بنس مع المعارضة. ولا تزال مظاهرات 2017 التي قتل خلالها 125 شخصاً ماثلة في الأذهان في البلد الغني بالنفط الذي يعاني أزمة اقتصادية حادة.
وتعتمد الحكومة أيضاً على المحكمة العليا التي من المتوقع أن تجتمع الخميس. وقبل وقت قصير من إعلان غوايدو، أعلنت أعلى سلطة قضائية في البلد الذي يضم قضاة يعدون مؤيدين للنظام، أنها أمرت بإجراء تحقيق جنائي بحق أعضاء البرلمان المتهمين بمصادرة صلاحيات الرئيس. جاء ذلك بعد إصدار النواب الثلاثاء وعداً «بالعفو» عن عسكريين قالوا إنهم يرفضون الاعتراف بسلطة مادورو في تحد للمحكمة العليا التي أبطلت كل قرارتهم. وعبر آلاف الفنزويليين في الخارج، من مدريد إلى ليما إلى سانتياغو في تشيلي، عن ترحيبهم بإعلان غوايدو.
وسرعان ما أعلن الأمين العام لمنظمة الدول الأميركية «اعترافها الكامل» بغوايدو واتخذت الموقف نفسه 11 من دول المنطقة هي الأرجنتين والبرازيل وكندا وتشيلي وكوستاريكا وغواتيمالا وهوندوراس وبنما وباراغواي والبيرو. في حين أكدت المكسيك وكوبا وقوفهما بقوة إلى جانب مادورو الذي لا يزال يحظى بدعم جيش فنزويلا القوي. ووصفت كوبا ما يجري بأنه «محاولة انقلاب». في حين اتصل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بمادورو ليؤكد دعمه له.



إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.