تصاعد التأزم السياسي بين الديمقراطيين وترمب

الرئيس الأميركي يتراجع عن إلقاء خطاب الاتحاد في مجلس النواب

رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي تصر  على إنهاء الإغلاق الحكومي دون تقديم تنازلات حول الجدار (أ.ب)
رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي تصر على إنهاء الإغلاق الحكومي دون تقديم تنازلات حول الجدار (أ.ب)
TT

تصاعد التأزم السياسي بين الديمقراطيين وترمب

رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي تصر  على إنهاء الإغلاق الحكومي دون تقديم تنازلات حول الجدار (أ.ب)
رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي تصر على إنهاء الإغلاق الحكومي دون تقديم تنازلات حول الجدار (أ.ب)

يناقش مجلس الشيوخ الأميركي مشروعي قانون لإعادة فتح الحكومة، أحدهما جمهوري يتضمن عرض الرئيس ترمب على الديمقراطيين الذي يشمل توفير مبلغ 5.7 مليار دولار لبناء الجدار مقابل فتح الحكومة وتمديد الحماية المؤقتة للمستفيدين من برنامج العمل المؤجل للمهاجرين غير الشرعيين، والمعروف إعلاميا بـ«داكا». أما المشروع الآخر، المدعم من الديمقراطيين وينص على إعادة فتح الحكومة لثلاثة أسابيع مع استمرار المفاوضات بشأن أمن الحدود. وقالت رئيسة مجلس النواب، الديمقراطية نانسي بيلوسي (كاليفورنيا)، إن الديمقراطيين لا يتفاوضون خلف الستار، مشيرة إلى أن المفاوضات حول إغلاق الحكومة توقف لأن الرئيس ترمب لم يطلب لقاء أي من الديمقراطيين خلال الأسبوعين الماضيين. وقالت: «هذا هو رئيس الولايات المتحدة الأميركية ويمكنه مقابلة أي شخص في الوقت الذي يريده». ومنذ لقائه الأخير مع القادة الديمقراطيين قبل أسبوعين، توقف ترمب عن التفاوض لإنهاء عملية الإغلاق، واقتصر حديثه في الأيام الأخيرة مع الجمهوريين فقط، حتى إنه لم يتشاور مع الديمقراطيين قبل خطابه السبت الماضي الذي أعلن فيه عن عرضه لإنهاء إغلاق الحكومة.
وقالت بيلوسي، خلال مؤتمر صحافي قبل دقائق من تصويت مجلس الشيوخ أمس: «لا يوجد عذر للجمهوريين في مجلس الشيوخ اليوم للموافقة على مشروعات القوانين التي أرسلناها لإعادة فتح الحكومة»، مشيرة إلى أن الفواتير التي مررها مجلس النواب الأسبوع الجاري تهدف بالأساس إلى إعادة فتح الحكومة وتتضمن تخصيص أكثر من مليار دولار لتأمين الحدود دون بناء الجدار، على أن يتم استخدام هذه الأموال في تعزيز حماية الحدود وزيادة عدد منافذ الدخول وزيادة عدد العاملين عليها.
وأشارت إلى أن 90 في المائة من المخدرات التي يتم تهريبها وإدخالها إلى الولايات المتحدة تأتي عبر منافذ الدخول، ولذلك فإن زيادة عدد هذه المنافذ وتعزيز حمايتها باستخدام التكنولوجيا سيكون هو الأفضل لحماية الحدود. وأضافت أن الأولوية الآن يجب أن تكون لإعادة فتح الحكومة الفيدرالية، التي دخلت اليوم (أمس) الرابع والثلاثين، وبعد ذلك «نستكمل، أو نبدأ التفاوض» حول أفضل الطرق الفعالة والاقتصادية لتأمين الحدود الجنوبية.
وألقت بيلوسي باللوم على الجمهوريين في مجلس الشيوخ في استمرار إغلاق الحكومة بسبب رفضهم الموافقة على فواتير الأنفاق التي أرسلها مجلس النواب الأسبوع الجاري، مشيرة إلى أن تلك الفواتير كانت تتضمن توفير المخصصات المالية المطلوبة لإعادة تشغيل وزارة الأمن الوطني فضلا عن توفير 12 مليار دولار للإغاثات والكوارث. وركزت بيلوسي في حديثها على حجم الخسائر التي تلحق بالاقتصاد الأميركي يوميا بسبب الإغلاق. وأكدت بيلوسي أن الديمقراطيين عليهم «الحفاظ على الخط» ضد تمويل الجدار في ظل الإغلاق الحكومي، حتى لا يشجع ذلك ترمب على تكرار تجربته مرة أخرى، بمعنى أنه إذا تراجع الديمقراطيون فسوف يشجع ذلك ترمب على التعنت في مواقفه في أي خلاف مستقبلي مع الديمقراطيين، لأنه سيعلم حينئذ أنه سيفوز في نهاية المطاف.
على جانب آخر تشير معظم التقديرات إلى أن تكلفة الجدار على طول الحدود ستتخطى بكثير 5.7 مليار دولار التي يطالب بهم ترمب. وقالت: «هناك قلق جدي ومبرر من أن هذا الرئيس سيغلق الحكومة في أي وقت لا يسير فيه بطريقة تشريعية. هذا هو السبب في أننا يجب أن نحافظ موقفنا في هذا الإغلاق». وحتى الآن، لم يظهر الديمقراطيون أي علامات على الاستسلام لمطالب ترمب أو التراجع عن موقفهم المبني على عدم توفير مخصصات لبناء الجدار الحدودي مع المكسيك. وبدا الديمقراطيون تحت قبة الكونغرس مستعدين لتقديم مزيد من المخصصات لأمن الحدود، ولكن دون توفير مبالغ لبناء الجدار، وهناك حديث عن «جدار ذكي» يعتمد على التكنولوجيا والقوى البشرية التي يرغب الديمقراطيون في تمويلها.
من ناحية أخرى، تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن موقفه فيما يتعلق بإلقاء خطاب حالة الاتحاد في مجلس النواب في التاسع والعشرين من الشهر الجاري. وقال ترمب، في تغريدة في وقت متأخر من مساء أول من أمس الأربعاء: «مع استمرار الإغلاق، طلبت مني نانسي بيلوسي أن أعطي خطاب حالة الاتحاد. قد وافقت. ثم غيرت رأيها بسبب إغلاق الحكومة، واقترحت موعدا لاحقا. هذه هي صلاحيتها، سألقي الخطاب عندما ينتهي الإغلاق. أنا لا أبحث عن مكان بديل لخطاب الاتحاد، لأنه لا يوجد مكان يمكنه أن ينافس تاريخ وتقليد وأهمية غرفة مجلس النواب. أتطلع إلى إعطاء خطاب اتحاد (عظيم) في المستقبل القريب».
وتأتي تغريدة ترمب، بعد ساعات قليلة من تصريحات سابقة له في البيت الأبيض أنه سيلقي خطاب حالة الاتحاد بصرف النظر عن المكان، مشيرا إلى أن جميع الاحتمالات البديلة لمجلس النواب موجودة على الطاولة. ويعد هذا تنازلا غير معتاد من ترمب، الذي لم يتراجع عن مواقفه السياسية بنسبة كبيرة. وكان ترمب بعث برسالة إلى رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، قبل ساعات من تراجعه عن موقفه، يخبرها أنه لا توجد مخاوف أمنية فيما يتعلق بإلقاء الخطاب أثناء فترة الإغلاق الحكومي، وهو السبب الذي دعت من أجله رئيسة المجلس الرئيس ترمب أن يؤجل خطابه حتى إعادة فتح الحكومة الفيدرالية.
وكتب في رسالته لبيلوسي: «وبالتالي، لا يوجد مخاوف أمنية فيما يخص خطاب حالة الاتحاد. وعلى ذلك، سوف أقبل دعوتك، وأقوم بواجبي الدستوري، لتوصيل معلومات مهمة للشعب والكونغرس والولايات المتحدة فيما يتعلق بحالة الاتحاد». وتابع: «أتطلع إلى رؤيتك في الحدث في 29 يناير (كانون الثاني) في غرفة مجلس النواب. سيكون مؤسفا جدا لدولتنا، إذا لم يتم إلقاء خطاب حالة الاتحاد في الوقت والأهم، في المكان».
وبعد دقائق من رسالة ترمب، ردت عليه بيلوسي أنها لن توافق على قرار يسمح للرئيس بإلقاء خطاب حالة الاتحاد من غرفة مجلس النواب إلى أن تعيد الحكومة فتح أبوابها، ورفض تصريح ترمب بأنه سيلقي الخطاب في جميع الأحوال. وكتبت بيلوسي إلى ترمب: «أتطلع إلى الترحيب بك في مجلس النواب في موعد يتفق عليه الجميع لهذا الخطاب عند فتح الحكومة». وبعد دقائق، رد ترمب على رسالة بيلوسي، قائلا: «إنه مؤسف ما يحدث من الديمقراطيين الذين أصبحوا راديكاليين».
وجرت العادة أن يلقي الرؤساء الأميركيون خطاب حالة الاتحاد بشكل سنوي في التاسع والعشرين من يناير من كل عام، على أن تتم دعوة الرئيس قبل أسابيع من موعد الخطاب بشكل رسمي من رئيس مجلس النواب، بصرف النظر على الحزب الذي ينتمي إليه. ويعطي تنازل ترمب دلالة واضحة على تراجع موقف الإدارة الأميركية فيما يتعلق بالإغلاق الحكومي، خاصة في ظل الخسارة السياسية التي تلحق بترمب كل يوم، والخسائر الاقتصادية اليومية التي تتعدي مليارات الدولارات للاقتصاد الأميركي بسبب الإغلاق.
وأظهرت ثلاثة استطلاعات للرأي أول من أمس الأربعاء، أن معظم المواطنين، الذين شملهم الاستطلاعات، يلقون باللوم على الرئيس والجمهوريين في الإغلاق، وأثر ذلك بشكل كبير على شعبية الرئيس ونسبة رضا الأميركيين على أدائه. وحسب استطلاع وكالة أسوشيتد برس، أن نسبة تأييد ترمب عند مستوى منخفض جديد وصل إلى 34 في المائة، مقارنة بـ42 في المائة الشهر الماضي قبل الإغلاق.
وأظهر استطلاع آخر شبكة «سي بي إس» أن 71 في المائة من الأميركيين لا يعتقدون أن الجدار الحدودي يستحق إغلاق الحكومة. ووجد استطلاع للرأي أجرته شبكة «فوكس نيوز» أن ثلاثة أرباع الأميركيين يعتقدون أن عملية الإغلاق هي مشكلة طوارئ أو مشكلة كبيرة، وهي نسبة أعلى من الذين يعتقدون أن الوضع عند الحدود يعد مشكلة كبيرة. وبينما يعتقد عدد كبير من الذين شملهم استطلاع «سي بي إس» أن ترمب يجب أن يساوم، فإن الأغلبية تعتقد أيضاً أن الديمقراطيين يجب أن يقبلوا ميزانية على الأقل ببعض تمويل الجدار.


مقالات ذات صلة

ما دور الناشطين السوريين بواشنطن في مرحلة ما بعد الأسد؟

الولايات المتحدة​ سوريون يحتفلون بسقوط الأسد في شوارع دمشق في 8 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

ما دور الناشطين السوريين بواشنطن في مرحلة ما بعد الأسد؟

«الشرق الأوسط» تستعرض آراء الناشطين السوريين في عاصمة القرار واشنطن، وتسألهم عن تقييمهم لسقوط الأسد ودورهم في المرحلة المقبلة.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

بايدن يسعى لمواجهة توطد علاقات روسيا وإيران وكوريا الشمالية والصين

قال مسؤولون أميركيون إن الرئيس جو بايدن يضغط على أجهزة الأمن القومي لوضع استراتيجيات جديدة لمواجهة توطد العلاقات بين روسيا وإيران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد ورقة نقدية صينية (رويترز)

الصين تدرس خفض اليوان في 2025 لمواجهة رسوم ترمب الجمركية

يدرس القادة والمسؤولون الصينيون السماح بانخفاض قيمة اليوان في عام 2025، في وقت يستعدون فيه لفرض الولايات المتحدة رسوماً تجارية أعلى في ظل رئاسة دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الولايات المتحدة​ كيمبرلي غيلفويل الخطيبة السابقة لدونالد جونيور والمذيعة السابقة في شبكة فوكس نيوز (أ.ب)

ترمب يعيّن الخطيبة السابقة لابنه سفيرة في اليونان

أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الثلاثاء أنّه قرّر تعيين كيمبرلي غيلفويل، الخطيبة السابقة لابنه البكر دونالد جونيور والمذيعة السابقة في شبكة فوكس نيوز

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.