تعد بلدة القصب وسط السعودية من أقدم المستوطنات في الجزيرة العربية، واحتفظت باسمها الحالي منذ عشرات القرون، واشتهرت طوال تاريخها بإنتاجها من محصولي القمح والملح، وعدت منذ القدم وإلى اليوم ما يمكن تسميته بـ(سلة الغذاء) من خلال إنتاج أرضها البر (القمح الأسمر) وملح الطعام (الذهب الأبيض)، كما اشتهرت طوال سنواتها إلى اليوم بإنجاب الشعراء والمثقفين والأدباء والصحافيين والكتاب والسفراء، كما أن طبوغرافية المدينة، والجهود التي تبذلها الجهات الحكومية والخاصة في المدينة لتطويرها جعلتها مؤهلة أن تصبح ذات جذب سياحي بسكانها وزائريها من كافة أنحاء السعودية ومن خارجها.
«الشرق الأوسط» زارت المنطقة ووقفت على معالمها وفتحت نافذة على ماضيها ورصدت واقعها اليوم بعد أن أضحت مدينة حديثة طالتها معاول التحديث والتطوير، مع الحفاظ على تراثها ومعالمها القديمة.
تقع القصب شمال غربي الرياض على بعد 160 كيلومترا، وهي بلدة قديمة نشأت في العصر الجاهلي وذكرها البلدانيون والمؤرخون، وهي تتكون من عدة قصبات، منها قصبة الرمادة التي ذكرها الشاعر ذو الرمة في قوله:
أصيداءُ هلْ قيظُ الرمادة راجعٌ
لياليه أو أيامهُنَ الصوالحُ
واعتبر سليمان القاسم رئيس مركز القصب أن المدينة تعد بوابة منطقة الوشم، وأنها تنام على كنوز تاريخية مهمة من خلال الأبراج الدائرية، ولعل أشهرها المرقب الذي يقع شرقي البلدة على تلة مرتفعة، وقد اتخذ لمراقبة القادم إليها؛ خصوصاً أن منطقة القصب أرض منبسطة، مما يسهل عملية المراقبة، إضافة إلى سور البلدة الذي عرف باسم العقدة، وهي عروق ترص على شكل كتل مصفوفة من الطين بعضها فوق بعض وقد اتخذ لحماية البلدة التي، وما إن دخلت في طاعة الملك عبد العزيز قبل 120 عام، حتى هدم السور بعد أن استتب الأمن والأمان، ولم يعد لهذا السور قيمة، كما اشتهرت البلدة بوجود بوابات كبيرة أشهرها بوابات: الحوطة والمجبب والبرج والوطيفية، مضيفا أن القصب قد اشتهرت منذ القدم وإلى اليوم بإنتاج ملح الطعام من خلال الممالح في الأراضي السبخية القريبة من البلدة والتي تجاوزت العشرين مملحة، لافتا في هذا الصدد إلى أن القصب تنتج ثلث احتياجات السوق السعودي من ملح الطعام الذي يتم استخراجه من هذه الممالح.
ومن جانبه أوضح رئيس بلدية القصب دغيشم الدغيشم أن طوبوغرافية مدينة القصب عبارة عن سهل منبسط تحيط به الجبال والنفود، كما تنتشر بها الأودية الكبيرة الغنية بالأشجار الكثيفة، إضافة إلى الكثير من المتنزهات البرية، وهو ما يجعلها مكان جذب سياحي وترفيهي، مشددا على أن تقديم الخدمة بمنهجية ومهنية عالية ومشاركة أفراد المجتمع واستثمار الطاقات يخلق بيئة عمل عصرية، مستعرضا جهود البلدية التي يرأسها، التي تصل خدماتها إلى 17 من المراكز والقرى، وتغطي مساحة أكثر من 150 ألف كيلومتر.
وأشار إلى أن المدينة تشتهر بإنتاج «الذهب الأبيض»، وهو ملح الطعام الذي يعد الأجود في السعودية، وارتبط بالبلدة منذ عقود، وهو ما يتطلب إقامة مهرجان يحمل اسم «مهرجان الملح» أسوة بالمهرجانات التي ارتبطت في بعض مناطق المملكة بما تنتجه أراضيها مثل: مهرجان التمور، مهرجان الزيتون، مهرجان الورود، مهرجان الموالح.
وأضاف الدغيشم أن القصب تمتلك مقومات كثيرة تؤهلها أن تكون منطقة جذب سياحي، استفادة من المواقع والمعالم التي تشتهر بها، وتعمل البلدية بالتعاون مع الجهات الأخرى والأهالي على تطويرها سياحيا، لافتا إلى أن البلدية أنجزت دليلا سياحيا أعده أحد أبناء المدينة وهو الباحث: عبد الحميد بن عثمان الفوزان، رصد فيه باللغتين العربية والإنجليزية معالم القصب التاريخية والأثرية والسياحية، ما يؤهلها لأن تصبح رقما في خريطة السياحة الوطنية وبما يحقق جزء من أهداف رؤية السعودية 2030.
ورصد الباحث الفوزان عددا من المعالم السياحية والأثرية والترفيهية في المدينة التي أعيد تأهيل الكثير منها لعل أبرزها سوق البلدة وبوابات القصب الرئيسية والمملحة والمباني القديمة ودار حميدان الشويعر وروضة العكرشية ومنزل الزاحم التاريخي، ومنزل الراشد التراثي.
ويعد الملح منذ اكتشافه هو المنتج الرئيسي في القصب منذ القدم، وهو يمد مدنا وقرى في أنحاء البلاد باحتياجات السكان من هذا المنتج، بل إنه يصدر إلى اليمن ودول الخليج العربي، وكان ينقل سابقا على ظهور الإبل، ثم على السيارات. وقد أقيم في القصب مصنع «زاد» لتكرير الملح بأعلى المواصفات وأحدث التقنيات لإنتاج وتعبئة ملح الطعام بأحجام مختلفة وبجودة عالية، وكان الملح يستخرج قديما بطرق شاقة ومكلفة وبعد توفر الآليات والمضخات انخفضت التكلفة وقلت أعداد الأيدي العاملة وأصبحت الطريقة المستخدمة الآن لتكرير الملح تتم بسهولة.
أنجبت القصب شاعرا اسمه حمد السياري، الذي اشتهر باسم حميدان الشويعر، وعاش في القرن الثامن عشر الميلادي في فترة ذات شأن من تاريخ الجزيرة العربية، حيث أدرك الشاعر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ويعد أحد أشهر الشعراء الشعبيين في زمانه وسارت أشعاره على الألسن وتناقلها الركبان، وكان أغلب شعره حكما وطروحات فلسفية تنم عن وعي مبكر، فقد تطرق لعدة مجالات، ولم يكن الشاعر متكسباً من شعره ولا محترفاً له، واشتهر بشعر الهجاء، وهناك تشابه بين هجائياته وهجائيات الشاعر الحطيئة، كما تميز شاعر «القصب» بشعر الاعتذاريات، ولعله أول شاعر شعبي ابتدع هذا اللون من الشعر، كما هو عند الشاعر الجاهلي النابغة الذبياني، وألفت عنه الكثير من الكتب والدواوين، لعل أهمها وأشهرها ما انجزه الكاتب السعودي الدكتور عبد الله بن ناصر الفوزان.
القصب السعودية... «الذهب الأبيض» و«القمح الأسمر» يتعانقان وسط الصحراء
ثلث إنتاج المملكة من ملح الطعام يخرج منها
القصب السعودية... «الذهب الأبيض» و«القمح الأسمر» يتعانقان وسط الصحراء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة