رحيل سعد الرويشد أديب الرياض ومؤرخها بعد حياة حافلة بالعطاء

أنجز خلالها ملحمة تاريخ الملك المؤسس ومواقفه السياسية

سعد الرويشد
سعد الرويشد
TT
20

رحيل سعد الرويشد أديب الرياض ومؤرخها بعد حياة حافلة بالعطاء

سعد الرويشد
سعد الرويشد

الرياض: بدر الخريف

ودعت السعودية أمس الثلاثاء الشيخ سعد بن عبد العزيز الرويشد، أحد أعيان مدينة الرياض ومؤرخها وأديبها، وأول من أرخ للمشهد السياسي في الدولة الناشئة ومراحل التوحيد.
وشهد جامع الإمام تركي بن عبد الله، وسط العاصمة السعودية، عصر أمس، الصلاة على الفقيد بعد أن توقف قلبه عن النبض بعد حياة امتدت لأكثر من قرن، كانت حافلة بالعطاء وحملت سيرة عطرة وحضورا في المشهد التاريخي، والأدبي، والاقتصادي في بلاده، منذ عهد الملك عبد العزيز وحتى رحيله أول من أمس.
ولد الراحل عام 1331 للهجرة (1911م) في مدينة الرياض، وتلقى تعليمه الأولي على يد مفتي الديار السعودية الراحل الشيخ محمد إبراهيم آل الشيخ، والشيخ حمد الفارس وغيرهما، وفي عام 1330هـ التحق للعمل في ديوان الملك عبد العزيز، حيث امتدت خدماته على مدى أكثر من أربعين سنة حتى انتقل الملك عبد العزيز إلى الرفيق الأعلى سنة 1373هـ.
شارك الراحل في الحركة الأدبية والدراسات التاريخية، حيث جمع وشرح وعلق على قصائد الشاعر محمد بن عثيمين التي كانت قد اندثرت وشكلت ملحمة في تاريخ الملك عبد العزيز وتاريخ دول الخليج العربي، وأصدرها في ديوان سماه «العقد الثمين في شعر محمد بن عثيمين»، وطبع خمس طبعات، ثم أصدر دراسات تاريخية سماها «لمحات من تاريخ الملك عبد العزيز».
وعلى مدى أكثر من عقد قدم الشيخ الرويشد محاضرات تذاع في اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية كل عام، تناول من خلالها فتوحات الملك عبد العزيز ومواقفه السياسية الفاصلة لتوحيد كيان المملكة العربية السعودية ووضعها على الطريق الصحيح للالتزام بدينها وصفاء عقيدتها.
وكان للراحل حضور في الحركة الاقتصادية في بلاده، حيث شارك في تأسيس شركة كهرباء الرياض، وشركة الغاز والتصنيع، وشركة مطابع الرياض، وشركة المجموعة السعودية للاستثمار الصناعي، ومجلة الدعوة الإسلامية، وكان أيضا عضوا منتدبا في المجلة التي أسسها الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها وعلمائها.
عرف عن الراحل الالتزام بالأحكام الشرعية، وإصلاح ذات البين، والمواقف الاجتماعية النبيلة، كما سجل حضورا اجتماعيا لافتا، بالإضافة إلى الكثير من المواقف الاجتماعية النبيلة، ومساهمته في أعمال البر والخير وعمارة المساجد.
ترك الراحل ستة من الأبناء هم الدكتور عبد الله والشيخ محمد والدكتور عبد المحسن وسليمان ومنصور والمهندس أحمد، وأربعا من البنات.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT
20

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».