وزير الداخلية الفرنسي يعد الكوميدي ديودونيه «مقاول كراهية»

حركة ذراع الفنان المشاكس تقسم مسلمي فرنسا

ديودونيه مبالا مبالا
ديودونيه مبالا مبالا
TT

وزير الداخلية الفرنسي يعد الكوميدي ديودونيه «مقاول كراهية»

ديودونيه مبالا مبالا
ديودونيه مبالا مبالا

قال مانويل فالس، وزير الداخلية الفرنسي، أمس، في مقابلة إذاعية، إن «القضية التي أثارتها حركة قام بها الكوميدي ديودونيه مبالامبالا ليست جدلا بسيطا عابرا». ووصف الوزير فالس الفنان بأنه «مقاول صغير للكراهية». وكانت القضية قد تضخمت مثل كرة الجليد بحيث وجدت مكانا لها على هامش المؤتمر الصحافي، الذي عقده الرئيس فرنسوا هولاند أثناء زيارته الأخيرة للرياض، كما نجحت في استقطاب اهتمام الأوساط الإسلامية بعد أن أراد لها محرضون أن تتحول إلى معركة رأي عام بين المسلمين واليهود في فرنسا.
وفتحت النيابة العامة في باريس الاثنين الماضي، تحقيقا ضد الممثل الفرنسي، الأفريقي الأصل (47 عاما)، بتهمة الحض على الكراهية العنصرية، وذلك بعد عبارات تفوه بها بحق الصحافي اليهودي باتريك كوهين، أثناء إحدى حفلاته، تفيد ما معناه أنه حين يسمع اسم الصحافي المذكور فإنه يتأسف على غرف الغاز. وليس هذا هو الاستفزاز الأول لديودونيه ويبدو أنه لن يكون الأخير. فطوال السنوات العشر الأخيرة لم تتوقف القضايا المقدمة إلى القضاء ضده، الأمر الذي قاده إلى خسارات مالية متتابعة من دون أن تفقده رصيده لدى جمهور من المعجبين به.
فالس، الذي كان قد أعلن نيته منع عروض الفنان الساخر، أعاد التذكير بأن عدة أحكام كانت قد صدرت ضده بعد إدانته بالسب والقدح، وتشجيع الحقد العنصري. لذلك نفى الوزير الفرنسي أن يكون المنع مساسا بحرية التعبير التي يكفلها القانون، قائلا إنه هو نفسه يتحدر من عائلة فنانين ويقدر الحرية ويعرف تمييز عباقرة النكتة. وأضاف أن هاجس ديودونيه هو «كراهية اليهود وتمجيد المحرقة»، لذلك فإن واجبه كوزير للداخلية يحتم عليه أن يقول للمحرضين على اللاسامية والعنصرية: «ستوب».
وبرر فالس مسعاه لمنع حفلات ديودونيه وجولاته في المدن الفرنسية بأن هذا النوع من العروض الاستفزاز يلقى نجاحا ويتابعه كثيرون عبر «الإنترنت»، الأمر الذي يتطلب التدخل لتوعية جمهور المشاهدين.
ولكن ما هي تلك الحركة التي تشغل تداعياتها الرأي العام، منذ عدة أيام، وتقسم مسلمي فرنسا بين مؤيد ومعارض؟ إنها ذراع يمدها عاليا إلى أمام ثم يطويها ويضع قبضته الملمومة على موضع القلب. وقد تناقضت التفسيرات ما بين جمعيات يهودية رأت فيها تحية نازية معكوسة، وبين معجبين بديودونيه، عدوا حركته نوعا من التحدي للأوساط التي اعتاد الفنان أن ينتقدها في عروضه، أي تلك المهيمنة على مقاليد الأمور في فرنسا. وزاد الطين بلة أن متصفحي المواقع الإلكترونية تناقلوا صورة لشاب يؤدي الحركة نفسها وهو يقف أمام مدرسة يهودية في مدينة تولوز، جنوب البلاد، وهي المدرسة التي كانت قد تعرضت لهجوم مسلح، في ربيع عام 2012، قام به الشاب المتطرف محمد مراح وذهب ضحيته ثلاثة تلاميذ.
ونهار السبت الماضي، جاءت المفاجأة من لاعب كرة القدم الفرنسي نيكولا أنيلكا، الذي يلعب لنادي «ويست برومويتش آلبيون» البريطاني. فقد كرر اللاعب الخلاسي الذي سبق له اعتناق الإسلام وحمل اسم «بلال»، حركة الذراع نفسها، بعد تسجيله هدفا لصالح فريقه في مباراة جرت ضمن تصفيات الدوري الإنجليزي. وأعقبت ذلك تغريدة نشرها أنيلكا وجاء فيها أنه ليس عنصريا ولا يكره اليهود لكنه يهدي تلك الحركة إلى ديودونيه ويتضامن معه ضد مثيري الجدل ممن لا يعرفون مغزى رفع الذراع احتجاجا على النظام السائد أو «السيستم».
وطوال الأيام الماضية واصلت ذراع ديودونيه احتلال عناوين وسائل الإعلام. فقد سارع الرئيس فرنسوا هولاند إلى تأييد موقف وزير داخليته. كما نددت وزيرة الرياضة، فاليري فورنيرون، بما قام به اللاعب أنيلكا، بينما قرر 10 رؤساء للبلديات إلغاء حفلات كانت مقررة لديودونيه في مدنهم وبلداتهم. لكن محامي الفنان سارع إلى التقدم بشكاوى ضدهم وتمكن من انتزاع أحكام عاجلة برفض طلبات الإلغاء. ورغم أن مسجد باريس الكبير واتحاد الطلبة المسلمين في فرنسا عبرا عن الامتعاض من موقف أنيلكا، فإن جمهورا عريضا من شبيبة أحياء وضواحي المهاجرين تبنى الحركة المثيرة للجدل، رافضا استهداف ديودونيه وحرمانه من حقه في السخرية من الطبقات العليا في المجتمع.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».