«هوت كوتير» إيلي صعب يعود إلى بريق بداياته

في كواليس «مختبره» عشية العرض

الفستان المفضل لصعب في مجموعته الجديدة  - صعب منهمكاً في وضع اللمسات الأخيرة على قطعته المختارة - أنامل محترفة تطرز بعناية في ورشة إيلي صعب (الشرق الأوسط)
الفستان المفضل لصعب في مجموعته الجديدة - صعب منهمكاً في وضع اللمسات الأخيرة على قطعته المختارة - أنامل محترفة تطرز بعناية في ورشة إيلي صعب (الشرق الأوسط)
TT

«هوت كوتير» إيلي صعب يعود إلى بريق بداياته

الفستان المفضل لصعب في مجموعته الجديدة  - صعب منهمكاً في وضع اللمسات الأخيرة على قطعته المختارة - أنامل محترفة تطرز بعناية في ورشة إيلي صعب (الشرق الأوسط)
الفستان المفضل لصعب في مجموعته الجديدة - صعب منهمكاً في وضع اللمسات الأخيرة على قطعته المختارة - أنامل محترفة تطرز بعناية في ورشة إيلي صعب (الشرق الأوسط)

قبيل أسبوع الـ«هوت كوتير»، تصبح الورشات والمعامل الخاصة ببيوت الأزياء أشبه بخلية نحل، تتم فيها كل التفاصيل بسرية تامة. فعنصر المفاجأة هنا يضاهي عنصر الحلم. والطريف أن هذا الأسبوع من الفترات الاستثنائية القليلة جداً التي تعمل فيها الأنامل الناعمة إلى ساعات متأخرة من الليل من دون كلل أو تذمر، ومن دون تدخل نقابات العمل الفرنسية المعروفة بعدم تساهلها في هذا المجال. السبب أن الـ«هوت كوتير» بالنسبة إلى الفرنسيين ليست مؤسسة فحسب، بل أيضاً مصدر فخر ودخل.
لهذا؛ عندما تلقت «الشرق الأوسط» دعوة من إيلي صعب لدخول «مختبره» أو «معسكره»، إن صحت التسمية، قبل يوم من عرضه المرتقب ظهر اليوم، لم يكن هناك مجال للتردد في قبول الدعوة النادرة التي جاءت من «قارئ نهم لـ(الشرق الأوسط)» يعرف أنه «بين أيادٍ أمينة»، كما قال.
كان العمل في الطابق الثاني من مبناه الواقع على ناصية الشانزليزيه قائماً على قدم وساق. طابور من العارضات في عمر الزهور ينتظرن دورهن كي يختار لهن فريق من الخبراء، تحت إشراف المصمم، ما سيلبسنه في اليوم الموعود. والأمر أشبه بعملية عسكرية لا مجال فيها للخطأ. يلفت المصمم نظر فريقه إلى خيط رفيع يشد الفستان عند الخصر فيؤثر على مشية العارضة، أو تطريز يبدو رائعاً للكل، لكنه يشعر بأنه «نشاز» أو يعيق الحركة أو ما شابه من تفاصيل تمر مرور الكرام على الكل إلا هو.
رغم عقارب الساعة التي تجاوزت العاشرة مساءً، فإن حركة دائبة كانت تعمّ المكان. أينما وجّهت النظر ترى قطعة حالمة تتراقص على الترتر بسخاء طبع أسلوب إيلي صعب وجعله واحداً من أهم المصممين المعاصرين.
كان هناك الكثير من التطريز والأقمشة الشفافة والقصات الأنثوية التي حاول في السنوات الأخيرة التخفيف منها. لكن كان واضحاً أنه طبّق هذه المرة مقولة «من فات قديمه تاه». ثم لِمَ لا يعود إلى هذا القديم إذا كان قوياً لا يتحدى الزمن فحسب، بل أيضاً كان أحد الأسباب التي حلّقت به إلى العالمية؟ يؤكد صعب أن هذه العودة إلى الماضي ليست إلى البدايات الأولى، بل إلى بداية انطلاقته العالمية قبل 20 عاماً. ويوضح: «نعم عُدت إلى بداياتي. ليس من باب الحنين، فأنا لم أستنسخها، بل طورتها من حيث القصات والأقمشة وباقي التفاصيل. يمكنني القول إن بصمات إيلي هي التي عادت وليست الخطوط والتقنيات، فهذه تطورت وتغيرت».
في موسم 1999 – 2000، أطل صعب على الساحة العالمية بأسلوب أثار إعجاب النساء وصدم مصممين وصحافيين غربيين لم يكونوا معتادين على كم السخاء في التطريز الذي جاء به. لم يعرفوا كيف يتعاملون معه في البداية. لكن لم يمر سوى وقت وجيز حتى انتبهوا إلى أنه سحب البساط من تحت أقدامهم واستحوذ على زبونة مهمة كانت تبحث عن هذا البريق. زبونة، مهما كانت ناجحة ومستقلة وواثقة من ذوقها، تسكن بداخلها طفلة تريد أن تكون أميرة متوجة في المناسبات، «بل على العكس، فإن ثقتها بنفسها تجعلها تريد أن تحتفل بأنوثتها لا أن تخفيها»، حسب قول إيلي صعب.
في زمن أصبحت فيه الموضة «المحافظة» أو المحتشمة هي السائدة، كان لافتاً أن يعود مصمم رائد من الناحيتين الفنية والتجارية إلى الأقمشة الشفافة والبريق والقصات الأنثوية المثيرة. لكن إيلي صعب كان دائماً يسبح ضد التيار، ولا يتبع الموجات السائدة. قال إن تشكيلته لربيع وصيف 2019 مستلهمة من البحر. وهذه المرة، لم تكن المرأة التي رسمها في خياله أميرة من الأساطير وقصص «ألف ليلة وليلة»، بل عروس بحر مفعمة بالحيوية والرغبة في اكتشاف العالم؛ الأمر الذي انعكس على التطريزات التي تجسد طحالب أو أصدافاً أو شعاباً مرجانية تزين الخصر، أو على التصاميم من خلال طبقات من التول والأورغنزا والتافتا تتماوج حيناً أو تتلوى على شكل ذيل حورية.
وبالنسبة إلى الألوان، غابت الدرجات الداكنة باستثناء ثلاثة فساتين باللون الكحلي. في المقابل، كانت هناك سيمفونية من الدرجات الفاتحة مثل الوردي المائل إلى البيج والمرجاني والأزرق والفضي والذهبي. عندما يلحظ اندفاعي وفضولي لالتقاط صور كل قطعة تستعرضها العارضات أمامه، يُذكرني بأن عنصر المفاجأة ضروري وبأن قطعة واحدة تكفي قبل العرض.
في هذه القطعة، جسّد المصمم انسيابية ماء البحر وصفاءه من حيث لونه وعناصره البصرية المميزة التي انعكست في تطريز يدوي بالكامل لأشكال تستحضر الحياة المائية من شعاب وطحالب وغيرها. استغرق تصميم التطريزات وحدها 180 ساعة، بينما استغرق تنفيذها على القماش 190 ساعة. أما تصميم الفستان وحياكته فاستغرقا 185 ساعة. واستعملت فيه مئات الأمتار من خيوط من الذهب والحرير الأبيض، إضافة إلى 7300 قطعة ترتر.
يزيد فضولي عن سبب اختياره هذه القطعة بالذات، وما إذا كانت المفضلة لديه، وأتوقع أن أتلقى الرد المتعارف عليه من أغلب المصممين الذين يرددون دائماً أن كل قطعة مهمة بالنسبة إليهم ومن المستحيل التفضيل بين واحدة وأخرى. لكن إيلي صعب يفاجئني بصراحته حين يقول: «أكيد هناك قطع أقرب إلى قلبي من أخرى. فهذه أصبّ فيها الكثير من أفكاري ومشاعري، حتى وإن كنت أعرف أنها قد لا تروق للكل، وبالتالي لن تحصل على النجاح التجاري الذي تستحقه بنظري. لهذا؛ لا أتخلى عنها من أول محاولة، بل أعود إليها في الموسم التالي والذي بعده مضيفاً إليها في كل مرة شيئاً جديداً. أدرك تماماً أن الفني لا يعني التجاري، إلا أنني أحرص على إرضاء نفسي بالابتكار، وفي الوقت نفسه إرضاء الزبونة بطرح ما يروق لها».
هذه المعادلة بين الفني والتجاري هي التي كانت تغلب على مكان العمل. كم الجمال الذي تتنفسه في كل جوانب الأتيليه، ويتبلور مع كل إضافة أو رتوش تقوم بها الأنامل الناعمة، يجعلك تريد أن تغرق فيه أكثر وأكثر. كان هناك تنوع كبير فسّره المصمم بضرورة مخاطبة زبونات من بيئات مختلفة، موضحاً أنه «يجب أن يكون الأسلوب العام عالمياً حتى تجد فيه كل امرأة، أياً كان ذوقها وأسلوبها وثقافتها، ما تريده وتطمح إليه. ففي الـ(هوت كوتير) ليس هناك حدود للابتكار والإبداع، لكن هذا لا يعني بالنسبة إلى الاستعراض. من المفترض أن تكون القطعة أنيقة ولافتة، لكن بعيداً عن المسرحي. فالسخاء في التطريز لا يعني البهرجة».
عودته إلى الجذور تعني شيئاً مهماً، وهو أنه واثق من أسلوبه الآن أكثر من أي وقت مضى، فقد فرضه على السوق إلى حد أن كثيرين من المصممين الكبار حاولوا تقليده طمعاً في نيل رضا زبوناته، من دون جدوى. بيد أنه يُذكرني بأنه يرفض أن يبقى سجين الأسلوب الواحد؛ فهو يعرف أن النجاح يعني التطور ومواكبة العصر، ولا سيما أن قطاع الأزياء الرفيعة شهد تغيرات كثيرة نتيجة اهتمام شابات صغيرات به. اهتمام إما ورثنه عن أمهاتهن وجداتهن، حسب قوله، وإما اكتسبنه من نجاحهن في العمل. لهذا كان من البديهي أن يغيرن خريطة الموضة ويفرضن أسلوبهن على المصممين. والنتيجة أن الـ«هوت كوتير» نزلت من برجها العاجي واكتسبت روحاً عصرية وشابة أكثر مما كانت عليه في السابق.
لم يخف هذا الجانب على إيلي صعب. فهو يعترف أن الكثير من الأشياء تغيرت؛ «لم تعد المرأة مثلا مطالبة بتنسيق كل أزيائها مع بعض بشكل منمق. هناك علاقة جديدة تربطها بالموضة تقوم على الراحة والأناقة في الوقت ذاته. فضل كبير في هذا يعود إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي قربت البعيد وأدخلت الكل إلى عالم الموضة. لم يعد هناك مقبول وغير مقبول، فكل شيء جائز ما دام يعبّر عن شخصية المرأة ويريحها».
لكن في وقت أصبح فيه كل شيء متاحاً، فإن الفرق الذي يميز امرأة عن أخرى هي تلك العلاقة التي تربطها بمصمم تثق في أنه سيقدم لها تصاميم تعكس جمالها وأناقتها أكثر. ومن هذا المنظور تبقى وفية له ولأسلوبه، سواء كان من الماضي أو من الحاضر، فالنتيجة واحدة تمنحها الأناقة، وهذا هو عز المُنى في موسم الـ«هوت كوتير».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».