«جسور» مشروع موسيقي يمنح معنى جديداً لدمج اللاجئين في ألمانيا

مزج بين الكلاسيكية والجاز والغربية والأفريقية والشرقية

«جسور» مشروع موسيقي يمنح معنى جديداً لدمج اللاجئين في ألمانيا
TT

«جسور» مشروع موسيقي يمنح معنى جديداً لدمج اللاجئين في ألمانيا

«جسور» مشروع موسيقي يمنح معنى جديداً لدمج اللاجئين في ألمانيا

سيحصل المرء على شيء جديد عندما يمزج الموسيقى الكلاسيكية مع موسيقى الجاز والموسيقى الغربية والأفريقية والشرقية، معاً، ومختلف تماماً، بحسب ما يقوله المشاركون في المشروع الموسيقي «بريدجز» (جسور)، في مدينة فرانكفورت، بوسط ألمانيا.
وتقول عازفة الفلوت جوانا - ليونور دالهوف، وهي أحد اثنين قائمين على المشروع الذي تم إطلاقه في عام 2016 للجمع بين موسيقيين ألمان ولاجئين من دول أخرى: «لطالما أحببت أن أتعلم موسيقى الثقافات الأخرى».
وتقول مسؤولة الثقافة، أنكه كارين مير، عن المشروع: «هذا هو الدمج على قدم المساواة»؛ وذلك لأنه عندما يتدرب الموسيقيون ويعزفون مع آخرين ألمان، لا ينال اللاجئون من مضيفيهم المساعدة فحسب، لكنهم يقدمون، في المقابل، شيئاً قيّماً لهؤلاء الذين لديهم شغف بموسيقى الثقافات الأخرى.
وهذا هو أحد أسباب فوز المشروع مؤخراً بـ«جائزة التأثير الخاص» من مؤسسة «كيه إف دبليو شتيفتونج» الألمانية، التي تبلغ قيمتها 45 ألف يورو (52 ألف دولار)، ويتم منحها للمشروعات التي تدعم دمج اللاجئين في المجتمع.
ويقول بيرند زيجفريد، المدير التنفيذي للمؤسسة: «تدعم الجائزة المشروعات الريادية، التي تقدم حلولاً لما يواجه المجتمع من تحديات ملحة».
وتحرص مؤسسة «كيه إف دبليو شتيفتونج» ـ على نحو خاص، على دعم المشروعات التي من الممكن نقلها إلى أنحاء أخرى من ألمانيا، كما تسعى إلى مبادرات من شأنها أن تفيد الألمان، واللاجئين، كعنصر أساسي من «جسور».
ويقول المنظمون: إن تقديم الموسيقى معاً، يمثل عملية تعلُم لجميع المشاركين، رغم أن أغلبهم موسيقيون مؤهلون بصورة عالية، أو هواة على مستوى عالٍ، على الأقل. وتقول دالهوف: إن وضع أنماط مختلفة مع بعضها بعضاً، يخلق شيئاً جديداً «لم يكن ليوجد بطريقة أخرى».
وتوضح أن المشروع يدعم في مجمله تسع مجموعات، تضم كل منها «ألماناً، ولاجئين، وألماناً من أصول مهاجرة».
وتعزف دالهوف واثنان من زملائها، أحدهما عازف إيقاع يدعى ميرويس نيدا، وقد حضر والداه من أفغانستان إلى ألمانيا في ثمانينات القرن الماضي، حسب وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ).
وشارك نيدا للمرة الأولى في مشروع «جسور»، عندما طُلب إليه العمل مترجماً لموسيقي آخر من أفغانستان. ولم يتمكن الموسيقي من الحضور في موعده، وتصادف أن نيدا كان معه طبلة، وكانت فرصة رائعة للمشاركة. ويحمل نيدا إرثاً موسيقياً أفغانياً، بالإضافة إلى نشأته في ألمانيا.
أما الزميل الثالث الذي يعزف إلى جانب دالهوف ونيدا، فيدعى بيجمان جاميباناه، وكان يعمل فنياً في الإذاعة عندما علم أن مشروع «جسور» يبحث عن موسيقيين.
ويقول جاميباناه: «سواء كنا ألماناً أو إيرانيين أو أفارقة، الموسيقى لغتنا... نحن نقدم موسيقى جديدة». ويستطيع هؤلاء الذين ليس لديهم فرصة الحصول على تدريب موسيقي رسمي، المشاركة في ورش عمل شهرية في أماكن مختلفة في فرانكفورت، حيث يتم تشجيع الناس على إحضار الآلات، وعلى الارتجال.
وقد وصل الأمر بمشروع «جسور» إلى تشكيل فرقة موسيقية. وتقول دالهوف: «نود أن يكون لدينا على المدى الطويل، فرقة أوركسترا، صغيرة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».