هل تتحمل ثقافتنا أدب الاعتراف؟

جوهره يقوم على انتهاك ما هو مقموع أو سري أو محدود التداول

محمد شكري - نادية مراد - لويس عوض
محمد شكري - نادية مراد - لويس عوض
TT

هل تتحمل ثقافتنا أدب الاعتراف؟

محمد شكري - نادية مراد - لويس عوض
محمد شكري - نادية مراد - لويس عوض

من الصعب عزل سؤال الاعتراف عن الواقع، أو حتى وضعه داخل توريات اللغة، تخفّياً، أو تكتماً، إذ سيتحول عندئذ هذا السؤال إلى محاولة تبرير الحديث السري في الإشهار، وفي الفضح، وهو ما يعني تجاوزاً على مركزية فكرة «التابوه»، والذهاب إلى ما يمكن تسميته «سردية الاعتراف».
«أنا أعترف، إذن أنا موجود»، هذا ما يشبه مقولة ديكارت الشهيرة، في سياق وضع الاعتراف مقابل التفكير، وإعطاء الذات المُفكّرة وظيفة تجاوزية، وبما يجعل فعل الاعتراف كأنه نوعٌ من التفكير الفائق، ومن لعبة السرد كمجال لإضفاء كثيرٍ من الغرابة والدهشة والإثارة على كتابة الاعتراف، حتى ليبدو النص الاعترافي كأنه مواجهة فاضحة مع العالم، ومع الذات نفسها، وربما مع رغبةٍ حميمة لتعريتها من بعض قوتها وقسوتها وتعاليها، إذ لا يمكن للاعتراف أن يكون إلّا في لحظة ضعفٍ هي صنوٌ للحظة الانتشاء أو الخوف، وكلّ الاعترافات التي يكتبها الأقوياء هي تماهٍ مع لحظات ضعفهم، والادعاء بأنّ سردية الاعتراف هي تمثيل للقوة، أو محاولة لما يشبه لحظة التطهير المسيحية لا تعدو أنْ تكون نفاقاً، أو مغالبة، أو وربما هي إيهام بتلفيق تلك القوة المفترضة، لقضايا تتعلق بنزق الفردانية، أو بالغلو في التعبير عن الجانب الخطابي عبر سردنة الاعتراف.
المقارنة بين النصيات العربية والغربية في الأدب الاعترافي أمرٌ غير واقعي، رغم أنّ لحظة الاعتراف واحدة؛ لحظة غامرة بالإنسانية، وبالضعف، واللذة، وأحياناً بالتعبير عن اللاجدوى، لكن يبقى النص الاعترافي العربي قريباً من فكرة الفضيحة، ومن كسر تابو المُقدّس والعصاب، والقوة، وهي تعالقات خارج الذات وجوهر تمركزها، فلا علاقة لها بالذات التي تدعي القوة، والتعالي، بقدر علاقتها مع بما هو رمزي، الذي يجد في الاعتراف ممارسة خطابية إلى آخرٍ ما، له حضوره المفهومي والوجودي، وحتى التطهيري - إنْ افترضنا وجوده في جانبٍ من جوانبه. ولا أظنّ أننا نملك تراثاً له حدوده المعروفة في كتابة الأدب الاعترافي، حتى إن ذهب بعض الروائيين إلى محاولة سردنة هذا الاعتراف، أو كتابة السير الذاتية ذات الجرأة الرومانسية، أو الحسية، التي ترتبط بما هو جنسي أكثر مما هو اجتماعي وسياسي، رغم أنّ خطاب الاعتراف في الأدب السياسي يرتبط بفكرة «الخيانة» أو ما يُسمى «التسقيط السياسي»، وهو ما كانت تفرضه بعض السلطات الآيديولوجية على معارضيها كممارسة لإسقاطهم سياسياً، وفي نشر براءاتهم من أحزابهم السياسية، أو من انتماءاتهم العقائدية في وسائل الإعلام، أو في الكتب السيرية أو الشعرية والروائية.

من السيرة إلى الكتابة العمومية

من أكثر الكتب العربية إثارة في سرديات الاعتراف كتب الروائي المغربي محمد شكري في «الخبز الحافي» وحتى في «الشطّار»، فضلاً عن اعترافات الكاتب لويس عوض، والسؤال الفاعل في هذا التوصيف يتعالق بمدى جدية هذه الكتب في أنْ تؤسس لشرعنة «أدب الاعتراف»، أم أنها ستظل في سياق «الإشاعة السردية»، وفيما تستدعيه من صخبٍ ثقافي يقوم على خلط الأوراق بين أدب السيرة و«أدب الاعتراف»، مع افتراض هذه التسمية، وأدب الفشل السياسي، وهي بمجملها سرديات لم يتم تأطيرها نقدياً، أو حتى وضعها في السياق التداولي لأدبية الاعتراف، أو شعريته كما يسميها ياكوبسن.
إنّ الخلط بين أدب السيرة وأدب الاعتراف يعكس مشكلة في النظر إلى النص السير ذاتي أولاً، وإلى تحميل «أدب الاعتراف» توصيفات أكبر من طاقته، التي تعمد إلى تشويه النص السير ذاتي ثانياً، وطبعاً فإنّ هذا الموضوع سينعكس على استراتيجيات القراءة، وعلى تلقي شفرات النص الاعترافي بحذر أو بخوف، أو بفضول، وهي عملية مربكة للقارئ ولمفهوم القراءة، وعلى وفق ما طرح آيزر حول إشكاليات القراءة والتلقي، حيث تتطلب هذه القراءة تفاعلاً، وتجاوباً، وكشفاً، وتقاطعاً، وتأويلاً، ولأنّ مثل هذا النص «لا يخضع لصاحبه فقط، بل يخضع لاستراتيجيات معقدة بين القارئ المؤول بما يمتلك من معرفة وخبرات جمالية من جهة، والنص من جهة أخرى، فينتج عن هذا التفاعل استجابات قرائية تكشف عن إمكانات وإجراءات مقروئية جديدة، تتجه نحو فهم الدلالة المغيبة، وفك رموزها».
كتابة السيرة قد تتضمن اعترافات كثيرة، لكنها مُقنّعة، أو مغالية، أو قد تسعى لترميم فجواتٍ ما في تاريخ كاتب السيرة، لأن خروجها من السيري إلى العمومي هو ما يُلقي ظلالاً حول تاريخيتها، ما سيُجردها من براءتها، أو يدفع بها لأن تكون كتابة مغامرة، وأكثر احتيالاً وتورية وتقنيعاً، إذ ستجد قارئاً ماكراً، يعرف أنّ النص السيري ليس بريئاً بالكامل، وأنّ نص الاعتراف هو لعبة سردية مفارقة، لها غاية، وقصدية، وإثارة، وقد تكون شخصياتها من ورق كما يسميها رولان بارت، يمكن التلاعب بمصائرها، لكنها، رغم ذلك تبقى على تماسٍ مع وقائع، أو أحداث، أو حتى تاريخ له بالمقابل رواة آخرون، قد يكتبون اعترافات ضدية، أو قد يجردون التاريخ ذاته من واقعيته، ومن رمزيته.
التقاطع بين الاعترافي والسيري والعمومي يكمن في لعبة الانتهاك، فالاعتراف ليس تطهيرياً بالضرورة، بل إنّ جوهره يقوم على انتهاك ما هو مقموع، أو سري، أو محدود التداول، وباتجاه جعله خاضعاً للسياق السردي، أو أن يكون جزءاً من سياق السيرة، أو جزءاً من اهتمام العموم، الذي سينظر إلى مثل هكذا اعترافات بوصفها جزءاً من «خطاب» الفضائح، كما هو موجود في عوالم نجوم السينما ونجوم الرياضة، حيث تقود اعترافاتهم الجنسية، أو تهرّبهم الضريبي إلى اهتمامات واسعة من قبل الجمهور النرجسي، ومن قبل الجهات الرقابية، أو حتى من قبل بعض الجهات الدينية.
أدب الاعتراف في هذا السياق هو تمثيل لبعض هواجس الحرية، تلك التي ترتبط بالإرادة والمسؤولية، لكنها - بالمقابل - تظل عنواناً عائماً لحرية المثقف القلقة، والبوهمية أحياناً على طريقة جان جينيه وهو يكتب اعترافاته، إذ تظل تلك الاعترافات كأنها نوع من النزق، وأنّ فاعليتها كأثرٍ ستكون بعيدة، ومن الصعب الحديث عن رسالتها، وعن قيمتها، سوى ما تحمله من نزعة احتجاجية على عالم رأسمالي مجنون، وعن جسدٍ تطحنه النزوات وسط عالم فاسد وإحباطي، وفاقد لشروط العدل والأمل والإشباع الروحي.
هذا الفقد هو نظير لسؤال الهوية في ثقافتنا العربية، فمن الصعب الحديث عن هوية عمومية وسط تشظي الهويات العصابية، ووسط عالم غائر في التابوهات وبالجماعات القاهرة والمقهورة، حدّ أنّ بعض الاعترافات قد تُعبّر عن نوع من القهر الاجتماعي، والاهتمام الرومانسي والحقوقي في العالم، وهو ما حدث مع نادية مراد الإيزيدية، التي تعرّضت إلى اغتصاب بشع من جماعات «داعش» الإرهابية، حيث قادها اعترافها بعمليات الاغتصاب الجماعي إلى الفوز بجائزة نوبل للسلام لسنة 2018، وإلى تحويل قضيتها الإثنية والجندرية إلى موضوع حقوقي وأخلاقي، تكشفت من خلاله محنة بعض الجماعات الإثنية المقهورة.



تعزيزاً للتواصل مع المقيمين... العاصمة السعودية تحتضن «أيام بنغلاديش»

فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)
فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)
TT

تعزيزاً للتواصل مع المقيمين... العاصمة السعودية تحتضن «أيام بنغلاديش»

فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)
فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)

تقام «أيام بنغلاديش» في حديقة السويدي بالعاصمة السعودية الرياض، والتي انطلقت لياليها، الثلاثاء، ضمن مبادرة تعزيز التواصل مع المقيمين التي أطلقتها وزارة الإعلام السعودية، بالشراكة مع الهيئة العامة للترفيه، تحت شعار «انسجام عالمي»، وتستمر حتى السبت، بهدف تعزيز التواصل الثقافي بين المجتمع السعودي والمقيمين، وإبراز التنوع الثقافي الغني الذي تحتضنه السعودية.

وتشهد الفعاليات عروضاً فنية متنوعة تقدمها الفرقة الشعبية، حيث تألق المشاركون بتقديم عروض موسيقية واستعراضية تمثل مختلف ألوان الفلكلور البنغالي، إلى جانب أغنيات مستوحاة من أعمال أبرز شعراء بنغلاديش.

عروض موسيقية واستعراضية تمثل مختلف ألوان الفلكلور البنغالي (الشرق الأوسط)

كما يضم الحدث منطقة مخصصة لعرض التراث البنغالي، حيث تُتيح للزوار فرصة استكشاف الجوانب الغنية للثقافة البنغالية عن قرب؛ إذ تشمل المنطقة معروضات للأزياء التقليدية المزينة بالزخارف اليدوية التي تعكس المهارة الحرفية والفنية المتميزة، حيث يتم عرض الساري البنغالي المصنوع من أقمشة الحرير والقطن الفاخرة، إضافة إلى الملابس التقليدية للرجال مثل البنجابي والدوتي، كما تعرض الإكسسوارات اليدوية التي تشتهر بها بنغلاديش، بما في ذلك المجوهرات التقليدية المصنوعة من المعادن والأحجار الكريمة، والحقائب والمطرزات التي تعكس ذوقاً فنياً عريقاً.

الفعاليات شملت استكشاف التراث البنغالي (الشرق الأوسط)

واشتملت الفعاليات على قسم مخصص للأطعمة من بنغلاديش؛ إذ يٌقدم للزوار فرصة تذوق أشهى الأطباق التقليدية التي تمثل المطبخ البنغالي المعروف بنكهاته الغنية وتوابله المميزة، وتشمل الأطباق المقدمة أكلات شهيرة مثل البرياني البنغالي، والداكا كاكوري كباب، وسمك الهيلشا المطهو بطرق تراثية، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الحلويات التقليدية مثل الروشا غولا والميزان لادّو.

وتضيف هذه المنطقة بعداً مميزاً للفعالية، حيث لا تقتصر التجربة على الفنون والعروض، بل تمتد لتشمل استكشاف التراث البنغالي بشكل متكامل يعكس الحياة اليومية والعادات والتقاليد، مما يجعلها تجربة غنية تُثري التفاعل الثقافي بين الزوار.

معروضات للأزياء التقليدية (الشرق الأوسط)

وحظيت الفعاليات منذ انطلاقها بإقبال واسع من الزوار الذين عبروا عن إعجابهم بجمال الفلكلور البنغالي وتنوع العروض الفنية المقدمة، كما أبدى العديد من الحاضرين تقديرهم لهذه المبادرات التي تسهم في تعزيز التفاهم والتفاعل بين الثقافات.

وأكّد المسؤولون أن هذه المبادرة تأتي جزءاً من سلسلة برامج ثقافية تهدف إلى تعزيز المشهد الثقافي في المملكة، بما يتماشى مع «رؤية السعودية 2030» التي تدعم التنوع والانفتاح الثقافي.