لبنان: «الثلث المعطل» في الحكومة أداة لمعركة رئاسة الجمهورية

تمنح صاحبها القوة الدستورية والمعنوية نفسها التي يتمتع بها رئيس الوزراء

TT

لبنان: «الثلث المعطل» في الحكومة أداة لمعركة رئاسة الجمهورية

رغم أن الطروحات والأفكار التي يسوّقها المعنيون بتشكيل الحكومة، لم تكن تحظى بموافقة جميع الأطراف، الأمر الذي حال دون ولادة الحكومة المتعثّرة منذ أكثر من سبعة أشهر، غير أن العقبات التي برزت في الأشهر الماضية، جرى حلّها، وبات الجميع في النهاية، رهن عقدة الثلث المعطّل الذي يعتبر معارضو رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، أنه يسعى لامتلاكه «لفرض نفس القوة السياسية الأكثر تأثيراً على طاولة مجلس الوزراء، والمتحكم بالقرارات التي تتطلّب موافقة ثلثي أعضاء الحكومة، سواء بما يتعلّق بالتعيينات في إدارات الدولة، أو بالقرارات المهمة التي تحتاج إلى موافقة ثلثي الوزراء»، بما لا ينفصل عن رغبته بتحقيق مكتسبات على صعيد رئاسة الجمهورية.
لم تكن ظاهرة الثلث المعطّل أو ما يسميه البعض بـ«الثلث الضامن» موضع نقاش أو معارك سياسية في حكومات ما بعد «الطائف»، لكنها برزت بوضوح مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الثانية، التي تشكّلت بعد اتفاق الدوحة، عندما استطاع «حزب الله» وحلفاؤه الحصول عليه، ما جعله متحكماً بقرارات الحكومة.
وهو ظلّ ممسكاً بهذا العرف، بعد انتخابات 2009 التي عجز فيها عن انتزاع الأكثرية النيابية من قوى «14 آذار».
وفي مقاربته لهذا الموضوع، يعتبر المحلل السياسي اللبناني توفيق الهندي، أن «الدستور يؤشر وإن بشكل غير مباشر إلى وجود الثلث المعطّل، عندما يتحدث عن أن استقالة ثلث أعضاء الحكومة زائد واحد، يؤدي حكماً إلى استقالة الحكومة».
ولفت لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «هذا الثلث من شأنه أن يعطل جلسات مجلس الوزراء، بحيث إن امتناعه عن حضور الجلسات يفقد الحكومة النصاب الدستوري للانعقاد واتخاذ القرارات»، لافتاً إلى أن «من يملك الثلث زائد واحد، يصبح قادراً على التحكم باستقالة الحكومة».
وكان «حزب الله» وحلفاؤه «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» أسقطوا حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى مطلع عام 2011، عندما استقال جميع وزرائهم خلال اجتماعهم بمقّر «التيار الحرّ» في الرابية (جبل لبنان)، وفي التوقيت نفسه الذي كان فيه الحريري مجتمعاً بالرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في البيت الأبيض، وهي المرّة الأولى التي يطيح فيها الثلث المعطل بحكومة لبنان.
المقاربة السياسية لهذه المسألة لا تختلف عن القراءة الدستورية، حيث رأى الخبير القانوني والدستوري المحامي الدكتور سعيد مالك، أن «أهمية الثلث المعطل أو الضامن تبرز عند طرح القرارات التي تحتاج إلى ثلثي أعضاء مجلس الوزراء وفق ما تنص المادة 65 من الدستور». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «من يملك الثلث الضامن يصبح قادراً على التحكم بكل مفاصل التعيينات في الإدارات والمؤسسات الأمنية والعسكرية والقضائية والدبلوماسية، وفي التشكيلات أيضاً، وفي كلّ قرار يحتاج إلى موافقة ثلثي أعضاء الحكومة»، لافتاً إلى أنه «في حال خلوّ سدة الرئاسة تنتقل السلطة التنفيذية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، وبالتالي من يملك الثلث المعطّل يصبح رئيس حكومة ثانٍ».
ولا يبدو الفارق شاسعاً بين الأبعاد السياسية والدستورية لمعركة الثلث المعطّل التي يخوضها وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، ويؤكد الدكتور سعيد مالك، أن «تمسّك جبران باسيل بالحصول على الثلث الضامن، لا ينفصل عن رغبته بتحقيق مكتسبات على صعيد رئاسة الجمهورية». وقال: «إذا حصل على الثلث المعطّل، يصبح اللاعب الأقوى، ويستطيع أن يضغط على كلّ الأطراف ويلوّح بالاستقالة وإقالة الحكومة إن لم يقبلوا به رئيساً للجمهورية». ولفت مالك إلى أنه «في حال شغور موقع رئاسة الجمهورية يصبح له (من يملك الثلث المعطّل) القوّة الدستورية والمعنوية نفسها التي يتمتّع بها رئيس الحكومة، ولذلك ثمة رفض مطلق من جميع القوى السياسية لتمكين باسيل من نيل الثلث المعطّل».
لكن رئيس «التيار الوطني الحر» يبرر مطالبته بـ11 وزيراً في حكومة تضمّ 30 وزيراً، بأن هذا حقّ طبيعي له ولرئيس الجمهورية، وفق النتائج التي أرستها الانتخابات النيابية ومنحته كتلة نيابية كبيرة.
ويشدد السياسي اللبناني توفيق الهندي، على أن وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال «يحاول عبر ذلك تقوية وضع المسيحيين في السلطة، كما هي الحال لدى الطائفة السنيّة، إذ إن رئيس الحكومة يتمتع بصلاحيات واسعة، بحيث إن استقالة الأخير تؤدي إلى استقالة الحكومة تلقائياً، كما أن قرارات مجلس الوزراء رهن توقيعه، وكذلك حقه بوضع جدول أعمال جلسات الحكومة، كما أن الطائفة الشيعية باتت مؤثرة داخل الحكومة عبر توقيع وزير المال (من حصّة الطائفة الشيعية) على جميع القرارات والمراسيم الحكومية». ولا يستبعد الهندي «وجود رابط بين تأخير ولادة الحكومة ومعركة رئاسة الجمهورية».
ويرى أن «تأخير ولادة الحكومة مجرّد مسرحية ذكية يلعبها باسيل، علّه ينجح في تسويق نفسه إقليمياً ودولياً لرئاسة الجمهورية عبر انتخابات رئاسية مبكرة».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.