«صوت»... محطة جديدة في مسيرة أميمة الخليل الفنية

جمعها بـ«كورال الفيحاء» ومارسيل خليفة

«صوت»... محطة جديدة في مسيرة أميمة الخليل الفنية
TT

«صوت»... محطة جديدة في مسيرة أميمة الخليل الفنية

«صوت»... محطة جديدة في مسيرة أميمة الخليل الفنية

على طريقة الـ«أكابيلا» ومن دون أي مرافقة موسيقية توجت الفنانة أميمة الخليل مسيرتها الفنية بألبوم «صوت» الذي وقعته مؤخراً في متحف «بيت بيروت» في السوديكو. فأميمة المعروفة بأعمالها السباقة وبفنها الراقي الذي تغرد خلاله خارج السرب تجتمع في هذا العمل مع «كورال الفيحاء» مما يدرجه على لائحة الأعمال المميزة والتي لم يسبق أن شهدتها الساحة الفنية في لبنان والعالم العربي.
وتنشد فيه الخليل 11 أغنية لحنها لها مارسيل خليفة لنصوص من دواوين شعراء حاليين وراحلين أمثال نزار قباني ومحمود درويش ومنصور الرحباني، إضافة إلى طلال حيدر وبطرس روحانا وغيرهما.
«هو بمثابة محطة جديدة بكل ما للكلمة من معنى تتوج مسيرتي الفنية». توضح أميمة الخليل في حديث لـ«الشرق الأوسط». وتتابع: «لقد أردته عملاً مميزاً لم يسبق أن شهدته الساحة الفنية العربية كونه يرتكز على فن الـ(أكابيلا) أي من دون أي مرافقة موسيقية له». واستغرق تحضير هذا الألبوم نحو سنتين ليشكل عودة لطالما ينتظرها اللبنانيون عشاق صوت أميمة الخليل.
أما عملية تسجيل «صوت» فلم تقتض الدخول إلى الاستوديو وإنما جرت بشكل مباشر وحي (live)، امتزج خلالها صوت الفنانة اللبنانية بأصوات حناجر نحو 50 منشداً في «كورال الفيحاء» بإشراف مهندس الصوت ديكران ايشخانوف الذي جاء لبنان خصيصاً من بلده الأم أرمينيا ليتولى هذه المهمة.
وعن الصعوبات التي واجهتها في هذا العمل ترد الخليل: «عندما ينوي أي فنان تقديم عمل ذي قيمة فنية معينة بعيدا عن الحس التجاري السائد على الساحة، لا بد أن ينكب على تنفيذه بشغف وتلقائية. فينسى أي صعوبات تواجهه لأنه يعرف تماماً أن عملاً من هذا النوع ليس بالأمر السهل. فالجماهيرية لا تدخل في حساباتي ومع الأسماء التي أتعاون معها في هذا العمل كان من البديهي أن يسود تنفيذه الدقة».
لماذا «صوت»؟ توضح أميمة الخليل: «لأن العمل بحد ذاته هو صوت وصرخة وحنان وتمرد وإلى ما هناك من أشكال تعبيرية للصوت ملخصا بحناجر بشرية».
ويتضمن الألبوم «غدا» لزاهي وهبي و«يا حبيبي» لمنصور الرحباني و«رحلة في العيون» لنزار قباني و«أصغي» لمحمود درويش و«شوصار» لبطرس روحانا و«ساعة» لجوزف حرب، إضافة إلى «عتبات الثلج» لإلياس لحود و«عامهلك» لطلال حيدر و«موشح» لعبيدو باشا و«أن تحب» لمروان مخول و«عودي يا سليمى» من نشيد الأناشيد من العهد القديم. «عملية انتقاء النصوص تعود في غالبيتها لمارسيل خليفة كما التقيت معه في خيارين فقط». فمارسيل الذي يحضر لهذا الألبوم من أكثر من 10 سنوات كان قد التقى منصور الرحباني قبيل رحيله في تونس وأخبره عن نيته تلحين «يا حبيبي» من شعره فوافق دون تردد. أما نص نزار قباني فقد وضع ألحانه منذ فترة طويلة بعد أن سجّله ووضعه جانبا.
وعما إذا هذا التعاون مع مارسيل خليفة يأتي كترجمة للتأكيد على تمسكها بصداقته رغم استبعاده مشاركتها في حفلاته الأخيرة؟ ترد: «لطالما تمسكت بمارسيل خليفة ليس كموسيقي وفنان فقط بل لأنه يمثل هويتي الفنية وسنين من حياتي المهنية التي استهليتها معه إثر انضمامي إلى فرقته (ميادين) في بداياته. أما لماذا لم أقف معه على المسرح منذ فترة؟ فلأن هذا الأمر يعود له وحده ولا يمكنني أن أفرض نفسي عليه. فتجربتي مع مارسيل اختمرت وكبرت وتكررت بوجدان الناس إلى حدّ جعلنا صوتين متلازمين». وتصف الخليل هذا التعاون بالحلم الذي طالما راودها وتقول: «كنت أريد أن أقوم بعمل يكون مارسيل خليفة هو المسؤول عنه من أولّه إلى آخره ومن دون آلات موسيقية. كما كان لدي إصرار بأن أغني مع «كورال الفيحاء»، فقائدها ومؤسسها بركيف تسلاكيا أحرز قفزة نوعية في هذا المجال قلما نجدها في عالمنا الشرقي».
تتضمن أغاني ألبوم «صوت» مواضيع مختلفة فتحكي عن الإنسان والفلسفة والمصير والغد وتطرح أسئلة وجدانية عميقة تشعر سامعها بأنه يقرأ كتاباً مغنّى.
«لا ترتكز خياراتي الغنائية على مبدأ (يللا نرقص) إذ تحمل معاني عميقة توازي الرقص التعبيري بجملها الشاعرية ومقاطعها الموسيقية. فليس من المفروض أن تأخذك الأغنية طيلة الوقت إلى حالة حركة جسدية إذ يتطلب الأمر أيضاً تحريك مشاعر مستمعها فيتماهى معها بعد أن تلامس أعماقه». وشهد الحفل في متحف «بيت بيروت» كلمات ألقتها أميمة الخليل وكل من مارسيل خليفة وإدوار طوريكيان (الموزع الموسيقي للألبوم) والمايسترو بركيف. كما جرى خلاله عرض مقتطفات من فيلم تلفزيوني طويل نفذته قناة «الجديد» عن كواليس «صوت» والتحضيرات التي واكبته.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».