بيانات متضاربة بين الحكومة و«طالبان» حول المواجهات في أفغانستان

مدرعات أفغانية في دورية مراقبة ضمن خطط التصدي لعناصر «طالبان» في ولاية هلمند أمس (إ.ب.أ)
مدرعات أفغانية في دورية مراقبة ضمن خطط التصدي لعناصر «طالبان» في ولاية هلمند أمس (إ.ب.أ)
TT

بيانات متضاربة بين الحكومة و«طالبان» حول المواجهات في أفغانستان

مدرعات أفغانية في دورية مراقبة ضمن خطط التصدي لعناصر «طالبان» في ولاية هلمند أمس (إ.ب.أ)
مدرعات أفغانية في دورية مراقبة ضمن خطط التصدي لعناصر «طالبان» في ولاية هلمند أمس (إ.ب.أ)

مع استمرار المواجهات الدامية بين القوات الحكومية المدعومة من قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان وقوات «طالبان»، تباينت نتائج المعارك والمواجهات الدامية بين الطرفين؛ فقد قال مسؤولون محليون: إن حركة طالبان نفّذت سلسلة من الهجمات على نقاط أمنية في أربعة أقاليم أفغانية في وقت مبكر الخميس، أسفرت عن مقتل 32 من أفراد الأمن وميليشيات موالية للحكومة. وواصل طرفا الحرب الدائرة في أفغانستان منذ 17 عاماً، الهجمات خلال الشتاء الحالي، حيث تسببت «طالبان» في خسائر فادحة في الأرواح في صفوف القوات الحكومية، بينما قتل الجيش الأميركي وقوات الحكومة المتحالفة معه قادة ميدانيين من «طالبان» في ضربات جوية. ووقعت أحدث هجمات لـ«طالبان» في أقاليم قندوز، وبغلان، وتخار في شمال البلاد، وبادغيس في الغرب. وقال أحمد فهيم قرلوق، رئيس بلدية قلعة زال في قندوز: إن عدداً كبيراً من «طالبان» هاجم نقاط تفتيش أمنية في الساعات المبكرة من اليوم؛ مما أسفر عن مقتل 10 من الجنود ورجال الشرطة وإصابة 11. وأضاف: إن 25 من مقاتلي «طالبان» قتلوا. وقال مسؤولون: إن «طالبان» قتلت 16 من أفراد ميليشيا موالية للحكومة في هجمات على نقاط حراسة في إقليمي بغلان وتخار المجاورين. وذكروا أن «طالبان» تكبدت خسائر فادحة في الأرواح. وقال جمشيد شهابي، المتحدث باسم حاكم إقليم بادغيس في غرب البلاد: إن ستة من قوات الأمن قتلوا، بينما أصيب عشرة في اشتباكات. وأعلن ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم «طالبان»، المسؤولية عن الهجمات، وقال في بيان: إن المتشددين قتلوا عشرات من أفراد الأمن، واستولوا على كمية كبيرة من الأسلحة والذخيرة.
وأعلنت «طالبان» أن قواتها تمكنت من قتل 84 من أفراد القوات الحكومية في عمليات قامت بها «طالبان» في ولايات بلخ وقندوز شمال أفغانستان، وبادغيس وهيرات غرب أفغانستان خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية. كما دمرت قواتها في هذه العمليات تسع مدرعات وعدداً من الناقلات العسكرية، إضافة إلى استيلاء قوات «طالبان» على كميات ضخمة من الأسلحة والذخيرة، وتمكنت قوات «طالبان» من أسر ستة من أفراد القوات الحكومية في هذه العمليات كما سقط ثلاثة من قوات «طالبان» قتلى وجُرح خمسة آخرون.
وكان قائد الشرطة في إقليم بادغيس لقي مصرعه في مواجهات مع قوات «طالبان»، إضافة إلى سقوط 36 أخرين من القوات الحكومية. وأعلنت «طالبان» في بيان لها سيطرة قواتها على نقطتي تفتيش ومراقبة كانتا بحوزة القوات الحكومية في منطقة قول استاذ في ولاية بادغيس غرب أفغانستان. وأشار بيان لقوات «طالبان» إلى هجوم شنّته هذه القوات على عدد من المراكز الأمنية الحكومية في منطقة بدروكي وتشما دوزاك في مديرية سانغ أتيش في ولاية بادغيس، حيث استمرت المواجهات أكثر من ساعتين أسفرت عن مقتل أربعة من أفراد القوات الحكومية، وإجبار بقية القوات المتواجدة في المنطقة على الانسحاب بعد تدمير أربع دبابات تابعة للحكومة.
وشهدت ولاية هيرات غرب أفغانستان مواجهات ساخنة بين قوات الحكومة الأفغانية وقوات «طالبان» بعد شن قوات «طالبان» هجوماً منسقاً على مركزين أمنيين حكوميين في منطقة بوشت شهر استخدم فيه الأسلحة الثقيلة؛ مما أسفر عن مقتل ثمانية من أفراد القوات الحكومية وجرح ثلاثة أخرين وأسر اثنين من القوات الحكومية. وتمكنت قوات «طالبان» من الاستيلاء على عدد من قطع الأسلحة الثقيلة وكميات ضخمة من الذخيرة من مختلف الأنواع. وشهدت ولاية بلخ الشمالية معارك ومواجهات بين قوات «طالبان» والقوات الحكومية، حيث هاجمت «طالبان» عدداً من المراكز الأمنية للحكومة في منطقة تشار بولاك في ولاية بلخ الشمالية؛ مما مكّن قوات «طالبان» من السيطرة على مركزين أمنيين في المنطقة. وحسب بيان لـ«طالبان»، فإن أربعة عشر من أفراد القوات الحكومية لقوا مصرعهم في المواجهات، كما أصيب أربعة عشر آخرون. وقد أرسلت القوات الحكومية تعزيزات لاستعادة السيطرة على المركزين الأمنيين من قوات «طالبان»؛ مما أسفر عن اشتباكات بين قوات الطرفين نتج منها مقتل عشرة من قوات الحكومة في هذه المواجهات، وتدمير ثلاث دبابات. وكانت الحكومة الأفغانية أعلنت مقتل سبعة ممن وصفتهم بالمتشددين واعتقال كثيرين بعد غارة قوات أفغانية وقصف جوي قامت بها القوات الأميركية والدولية في أفغانستان في إقليم ننجرهار شرق أفغانستان. وقال متحدث باسم حاكم الإقليم: إن خمسة من «طالبان» واثنين من تنظيم الدولة اعتقلوا خلال غارة شنّتها قوات الأمن الأفغانية في الولاية،حسبما نقلته وكالة «باجهواك» الأفغاني، مضيفة: إن المسلحين المعتقلين شاركوا في أنشطة معادية للحكومة في مديريات خوكياني، وشينواري، ودور بابا، وباتي كوت.
وأضاف المتحدث باسم حاكم الإقليم، عبد الله خوكياني: إن المسلحين المعتقلين اعترفوا بتورطهم بأنشطة معادية للحكومة خلال عملية استجوابهم من القوات الحكومية.
وكان سبعة من مسلحي تنظيم داعش لقوا مصرعهم في غارة شنّتها الطائرات الأميركية على منطقة حسكا مينا، وقال الرائد محمد هارون يوسفزي، المتحدث باسم قوات «فيلق سيلاب» التابع للجيش الأفغاني: إن طائرة مسيّرة من دون طيار هاجمت منطقة ناري أوبو ليل الخميس، حيث قتل سبعة من القوات المعارضة للحكومة، في حين أصيب شخص آخر. وتأتي هذه المواجهات الدامية والمتجددة يومياً في عدد من الولايات في ظل استمرار جهود السلام التي يقودها المبعوث الأميركي لأفغانستان زلماي خليل زاد الذي عقد ثلاث جولات من المحادثات مع ممثلي المكتب السياسي لـ«طالبان»، في حين ألغيت أو أجلت جولة رابعة كانت مقررة الأسبوع الحالي بعد خلافات بين المبعوث الأميركي وممثلي «طالبان» حول النقاط التي سيتم بحثها في الجولة الرابعة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟