موسكو تدعم انتقال «المناطق المحررة» إلى دمشق وحواراً مع الأكراد

TT

موسكو تدعم انتقال «المناطق المحررة» إلى دمشق وحواراً مع الأكراد

جددت موسكو، أمس، التشكيك بنيات واشنطن إنجاز انسحاب كامل من الأراضي السورية، رغم إعلان رصد تحرك آليات عسكرية أميركية استعداداً لسحبها. وقالت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن تنفيذ نيات الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا سيكون خطوة صحيحة، لكنها شككت في خطط واشنطن، وقالت إنها «ليست واثقة» في جدية الحديث عن انسحابات، مبررةً ذلك بالإشارة إلى أن موسكو «لم ترَ استراتيجية رسمية (للانسحاب) حتى الآن».
وتحدثت الدبلوماسية الروسية عن انتظار «خطوات عملية واضحة»، مؤكدةً أنه إذا صحّت المعطيات حول شروع واشنطن بتنفيذ قرارها «سيكون ذلك خطوة في الاتجاه الصحيح. وننطلق من أن الوحدات العسكرية الأميركية والأجنبية الأخرى الموجودة في سوريا بشكل غير شرعي، يجب في نهاية الأمر أن تغادر أراضي هذا البلد». ورأت أن الأهم في حال تنفيذ واشنطن قرارها هو «ضمان انتقال المناطق المحررة إلى سيطرة دمشق».
وشددت على الأهمية الكبرى لإطلاق حوار بين الأكراد في المناطق التي تنوي واشنطن الانسحاب منها والسلطات السورية، بهدف وضع آلية لسيطرة الحكومة على تلك المناطق. وتطرقت زاخاروفا إلى تطورات الوضع في إدلب، وأكدت على الموقف الروسي المعلن سابقاً بأن «إنشاء منطقة منزوعة السلاح في سوريا يحمل طابعاً مؤقتاً»، وشددت على أنه «يجب عدم السماح بأن تتحول إدلب إلى بؤرة أساسية للإرهابيين».
وأكدت تمسُّك بلادها بتنفيذ الاتفاق الروسي التركي حول إدلب الذي تم التوصل إليه في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي، ورأت أنه «من المهم منع إفشال نظام وقف إطلاق النار وضمان الانسحاب الكامل للجماعات المتطرفة والأسلحة من منطقة نزع السلاح». لكنها شددت في الوقت ذاته على أن هذا التحرُّك «يجب ألا يكون حجّة» لتحويل منطقة خفض التصعيد في إدلب إلى ملجأ لآلاف الإرهابيين من «جبهة النصرة».
ودعت زاخاروفا منظمة حظر السلاح الكيماوي إلى إطلاق تحقيق في حادثة تعرُّض مدينة حلب لهجوم بغاز الكلور في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، موضحة أنه «مع الأخذ في الاعتبار عامل الوقت الذي مرَّ منذ ذلك الحين على هذا الحادث، نطالب الأمانة الفنية للمنظمة بتكثيف التحقيق وتقديم النتائج التي تتوصل إليها في تقرير إلى المجلس التنفيذي لهذه المنظمة الدولية».
ورأت أن زيارة خبراء المنظمة إلى سوريا للتحقيق في استخدام المواد الكيماوية، تطور إيجابي وتشكل الزيارة نتيجة للنداءات المتكررة التي وجَّهها الجانبان الروسي والسوري لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية لفتح تحقيق في حالات استخدام هذه لأسلحة خصوصاً في حلب».
وزادت أنه وفقاً للمعلومات المتاحة، من المقرر أن يزور خبراء المنظمة المستشفيات والمراكز الطبية حيث تلقى الضحايا العلاج اللازم، وكذلك أن يستمعوا لشهود رصدوا وقوع الهجوم. وأعربت زاخاروفا عن أملها في أن يقوم خبراء المنظمة بزيارة مباشرة للمنطقة المستهدفة «ليعاينوا على الأرض وقائع هذا الهجوم».
في غضون ذلك، أعرب رئيس معهد الاستشراق لدى أكاديمية العلوم الروسية، والمستشار السابق للمبعوث الأممي الخاص السابق إلى سوريا، فيتالي نعومكين، عن مخاوف من أن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا «قد يكون غطاءً لسيناريو مرعب، ولاستفزازات جديدة باستخدام أسلحة كيماوية، يوجه بعدها الأميركيون ضربة إلى أهداف إيرانية في سوريا، أو ربما يحاولون الإطاحة بالحكومة».
وقال نعومكين لوكالة أنباء «سبوتنيك» الحكومية الروسية إن «المخاوف لدى عدد كبير من الخبراء تتزايد من مثل هذه السيناريوهات المرعبة واردة، وأحدها يقوم على التشكيك في أن (الرئيس الأميركي دونالد) ترمب سيسحب كل الأميركيين من سوريا، وسيرحل أيضاً حلفاؤه. وبعدها سينفذ أحد ما مجدداً استفزازاً باستخدام الأسلحة الكيماوية، لإلصاق التهمة بالأسد، وعندها يوجه الأميركيون ضربة إلى أهداف في سوريا… وكل الأحاديث الجارية غطاء، والهدف النهائي قد يكون توجيه ضربة قوية للإيرانيين. ومن جهة أخرى الإطاحة بالحكومة السورية».
وأشار نعومكين، إلى أنه من غير المعروف بعد، من سيشغل مواقع الأميركيين في حال انسحابهم.
وزاد أن «روسيا لا تعلم كيف سيكون هذا، وهل سيكون انسحاب 100 %، أم لا. أما من سيشغل مكان الأميركيين، فيصعب القول الآن. أعتقد أن الجيش السوري بدعم من روسيا، سيفعل كل شيء لكي يضع الأراضي شرق الفرات تحت سيطرته. إنها مهمة جداً اقتصادياً».
على صعيد آخر، أعلنت الخارجية الروسية، أمس، أن نائب الوزير ميخائيل بوغدانوف أجرى محادثات مع كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، حسين جابري أنصاري، ركزت على الوضع في سوريا وتناولت ملفات إقليمية عدة. وأفاد بيان أصدرته الخارجية الروسية بأن الاجتماع شهد «تبادلاً تفصيلياً للآراء حول القضايا المطروحة».
كما أجرى أنصاري مشاورات مفصلة مع نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين، ومبعوث الرئيس الروسي الخاص للتسوية السورية ألكسندر لافرينتييف، بشأن الوضع في سوريا، في ظل انسحاب القوات الأميركية المتوقع منها.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.