«ستروماي» المعجزة البلجيكية يهز مدرجات «مهرجانات بيبلوس»

بعد أن حقق أكبر اختراق للأغنية «الفرنكوفونية» في زمن «الأنجلوفونية»

جمهور ستروماي الذي هز تحت أرجله المدرجات (إ.ب.أ)  -  استروماي على مدرجات بيبلوس(إ.ب.أ)
جمهور ستروماي الذي هز تحت أرجله المدرجات (إ.ب.أ) - استروماي على مدرجات بيبلوس(إ.ب.أ)
TT

«ستروماي» المعجزة البلجيكية يهز مدرجات «مهرجانات بيبلوس»

جمهور ستروماي الذي هز تحت أرجله المدرجات (إ.ب.أ)  -  استروماي على مدرجات بيبلوس(إ.ب.أ)
جمهور ستروماي الذي هز تحت أرجله المدرجات (إ.ب.أ) - استروماي على مدرجات بيبلوس(إ.ب.أ)

«ستروماي» في بيبلوس! هذا الحدث كان له وقعه على عشاق الفنان الذي أعاد للأغنية الفرنكوفونية مجدها، منذ دخل رحابها. ما يقارب سبعة آلاف شخص زحفوا إلى جبيل مساء أول من أمس. أطفال صغار، شبان، في أعمار متقدمة، كلهم جاءوا لملاقاة صاحب الأغنيات التي رددوها طويلا ورقصوا على أنغامها.
لا أخبار هجوم «داعش» على عرسال البقاعية، ولا الكلام على التوترات التي تشهدها طرابلس الشمالية، أثنت هذه الجموع عن التدفق أفواجا إلى مرفأ المدينة ومسرحه الغائص في مياه المتوسط.
«ستروماي» كان على قدر المنتظر منه وأكثر. استعراضه بدا مدهشا، حضوره على المسرح آسر. هذا الفنان المتحدر من أم بلجيكية وأب راوندي، يعرف كيف يمزج بين الراب والتكنو، وإيقاعات أفريقيا، وأسلوب جاك بريل الأخاذ، وما جادت به التكنولوجيا من مؤثرات ضوئية وتصويرية تجعل من خلفية المسرح الذي يقف عليه عالما متكاملا، مع رقص محترف يفيض حيوية وتقنية. أكثر من ساعة وأربعين دقيقة وستروماي يؤدي عرضه الراقص. ليس للفنان وسامة تجعل الحسناوات يسحرن بسحنته، لكن له موهبة في تقديم نفسه وقدراته، بالتأكيد، شديدة الذكاء.
لا توجد أغنية هامشية عند «ستروماي» كل ما يؤديه محمول برسائل إنسانية من «السرطان» إلى «السيدا» ودور «تويتر» ومشكلات «الحياة الزوجية» وضحايا «العنصرية»، وخصوصية «المطبخ التقليدي» و«اللغة الفرنسية». بساطه في الكلمات، عمق في التناول، حداثة في الأداء، مما أشعل الجمهور منذ الأغنية الأولى.
فيلم تصويري متحرك افتتح الحفل، ليؤدي بعدها ستروماي أغنيته «لا فت» أو «العيد» وأضيئت الهواتف الجوالة وارتفعت في الهواء، كما لوح الجمهور بأيديهم. بدا النجم الصاعد الذي يلهب المسارح حتى في الدول الناطقة بالإنجليزية كما حدث مؤخرا في حفله النيويوركي قادرا على الاستحواذ على الحواس. فمرة نسافر معه عبر مئات الراقصين الذين يشاركونه الأداء وهم يتكررون على الشاشة التي احتلت خلفية المسرح كاملة، فيما قامة ستروماي تتكسر بفعل إضاءة خاصة جعلت منه متبدل المكان والوقفة حتى دون أن يتحرك. وتارة أخرى نراه يطير في فضاء المكان ويلتمع ثم يختفي وكأنه ينفجر في الجو، فيما هي لعبة تكنولوجية بديعة.
كل الأغنيات التي كان الجمهور يأمل بالاستماع إليها أداها ستروماي، فعمره الفني قصير ولم يصدر ألبومه الأول سوى عام 2010، وبالتالي فأغنياته لا تزال محدودة العدد.
غنى «راندي فو» موعد و«فورميدابل» و«كانسير»، لكن تلك الأغنية التي أطلقته ذات يوم في عالم النجوم، والتي لا بد خلبت الجمهور اللبناني هي «ألور أون دانس». ليست مبالغة أن حالة هستيريا أصابت الحاضرين الذين لم تعد الأيدي تكفيهم ليعبروا عن فرحتهم فلجأوا إلى الخبط بالأقدام بشكل جماعي. الجنون ازداد هيجانا مع أغنيته الأكثر انتشارا التي حصدت 159 مليون مشاهدة على «يوتيوب» «بابا أوتيه»، أو «أبي أين أنت» والتي غناها تحية لوالده الراوندي الذي قضى ضحية مجزرة جماعية في بلاده فيما ستروماي كان لا يزال صغيرا.
عدد الأولاد الصغار الذين لا يتجاوزون الثالثة عشرة كان لافتا، اندماجهم، وتردادهم لكلمات الأغنيات التي يحفظونها عن ظهر قلب، يظهر كم أن هذا الفنان البلجيكي، استطاع أن يحقق اختراقا صعبا للأغنية الفرنكوفونية رغم المد الكاسح للفرق والفنانين الأنجلوفونيين. هذه من الحفلات القليلة التي لا نسمع بها كلمات إنجليزية غير تحية عابرة، وجهها ستروماي على السريع لمن لا يفهمون لغته. لم نسمع أغنية واحدة بغير الفرنسية، ومع ذلك بدا الجمهور مأخوذا ومسحورا ومستغرقا بعرض متقن ومتكامل، يدلل على مدى مهنية ستروماي العالية في تنظيم حفلاته. إذن ليس بالصدفة حصد هذا الشاب الجائزة تلو الأخرى، وحمل عام 2010 لقب «أفضل فنان بلجيكي»، كما أنه ليس من المبالغة القول إنه «معجزة بلجيكا»، كما تردد في الآونة الأخيرة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».