أصيلة تحتفي بموسمها الثقافي الدولي الـ36.. والبحرين ضيف شرف

تتحول خلال أغسطس إلى مدينة مرسومة باليد.. وتناقش القضايا الشاغلة للعالم

موسم أصيلة خرج من رحم الفنون التشكيلية بمعنى من المعاني، من خلال انخراط عدد من الفنانين التشكيليين المغاربة في تجربة الجداريات ({الشرق الأوسط})
موسم أصيلة خرج من رحم الفنون التشكيلية بمعنى من المعاني، من خلال انخراط عدد من الفنانين التشكيليين المغاربة في تجربة الجداريات ({الشرق الأوسط})
TT

أصيلة تحتفي بموسمها الثقافي الدولي الـ36.. والبحرين ضيف شرف

موسم أصيلة خرج من رحم الفنون التشكيلية بمعنى من المعاني، من خلال انخراط عدد من الفنانين التشكيليين المغاربة في تجربة الجداريات ({الشرق الأوسط})
موسم أصيلة خرج من رحم الفنون التشكيلية بمعنى من المعاني، من خلال انخراط عدد من الفنانين التشكيليين المغاربة في تجربة الجداريات ({الشرق الأوسط})

عاد موسم أصيلة الثقافي الدولي إلى شهر أغسطس (آب)، الذي اعتاد أن يستوطنه طويلا خلال الدورات والسنوات السابقة؛ إذ تنطلق رسميا فعاليات الدورة الـ36، يوم غد الجمعة، وتستمر حتى 22 من أغسطس، تسبقها كالعادة ومنذ مطلع الشهر، حركة ونشاط في شواغل الفنون التشكيلية والحفر والنحت والرسم على جداريات المدينة القديمة؛ حيث تتحول أصيلة إلى مدينة مرسومة باليد.
وعلى غرار المواسم الماضية، حرص القائمون على الحدث السنوي على التجديد النوعي والكمي، ضمن خيار الاستمرارية والمحافظة على الهوية الفكرية الأصل التي طبعت الموسم منذ انطلاقه نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي، كتظاهرة هادفة غير مسبوقة في المجال الثقافي المستقل (غير حكومي) في المغرب، ما أكسب الموسم مصداقية متجددة، فصار موعدا ثقافيا دوليا بامتياز، تقصده النخب السياسية والثقافية المغربية والأجنبية، وخصوصا من دول الجنوب، على أساس أنه إحدى الواحات الفكرية النادرة في العالم وعالم الجنوب، فيها يجري نقاش خصب بين الفاعلين ومنتجي الأفكار بخصوص قضايا وإشكاليات لها اتصال بصميم الراهن الثقافي والمعيشي العام.
وتحتفي الدورة 36 الحالية، بحضور مملكة البحرين «ضيف شرف الموسم»، ممثلة بنخبة من رجالات الدولة، في مقدمتهم الشيخ محمد المبارك، نائب رئيس الوزراء، ووزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد بن إبراهيم آل خليفة، وعدد من المفكرين والأدباء والفنانين والإعلامين، يحملون رسالة تحية موجهة من عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى الموسم ومن خلاله إلى الملك محمد السادس والشعب المغربي.
وتشمل المساهمات البحرينية، المشاركة في الفعاليات الفكرية المنظمة من قبل جامعة المعتمد بن عباد الصيفية، وكذا معرض الكتب والفنون التشكيلية والأزياء، فضلا عن السهرات الفنية التي يحييها فنانون وفرق، سيقدمون ألوانا من الموروث الرمزي لمملكة البحرين، يجمع بين الأصيل والجديد، يغطي أيام الموسم.
ويمثل حفل الافتتاح والاستقبال، الذي يقام بمعلمة أصيلة الثقافية والعمرانية «مكتبة الأمير بندر بن سلطان»، اللحظة القوية في الموسم الثقافي، فقد جرت العادة أن توجه الدعوات لعدد من الشخصيات المغربية من الدولة والحكومة والهيئات الحزبية والنقابية وهيئات المجتمع المدني، وممثلي وسائل الإعلام، فضلا عن أعضاء السلك الدبلوماسي العربي والأجنبي.
يعقب الافتتاح مباشرة، انطلاق أشغال الندوة الأولى المقررة ضمن برنامج الجامعة الصيفية المخصصة لمقاربة موضوع يتميز براهنية قوية، هو «الدولة الوطنية والاتحادات الإقليمية في عالم الجنوب».
ويطرح موضوع الندوة للنقاش، إشكالا سياسيا مرتبطا عضويا بالتحولات السياسية والاقتصادية المتفاعلة والحراك المتسارع في الظروف الحالية، فقد ثبت بالدليل أنه لم يعد بمقدور الدولة الوطنية الوفاء بمفردها، بالمهام السياسية والاقتصادية والأمنية، الموكول إليها النهوض بها، ما يستوجب انخراطها بالضرورة، في تكتلات أو كيانات اتحادية، يؤمن لها التكامل والاستقرار حتى تصرف الجهود في مجال التنمية المستدامة.
ويستعرض المشاركون في الندوة، وهم يمثلون مشارب فكرية متكاملة ورموزا من عالم السياسة والاقتصاد ومسؤولين حاليين وسابقين، النماذج الاتحادية الناجحة المستقرة إلى حد ما، سواء تلك التي نهضت في الغرب، وخصوصا الاتحاد الأوروبي، أو المحاولات الشبيهة الحالية للاندماج الاقتصادي، بين بعض دول آسيا وأميركا الجنوبية، في إطار تجمعي «ميركوسور وآسيان».
وسيجري تركيز النقاش على التجارب القريبة في الوطن العربي وفي طليعتها «مجلس التعاون الخليجي» على أساس أنه نموذج واعد للاندماج المتدرج بخطى وئيدة ولكنها ثابتة، مقارنة بتجربة مماثلة قامت بين بلدان المغرب العربي الخمس، علقت عليها آمال كثيرة لما بين مكوناتها وأطرافها من علاقات متداخلة وامتداد جغرافي ونسيج سكاني ووجداني متشابه حد التماثل، فضلا عن قرب تلك الدول جميعها من الفضاء الأوروبي واصطفافها على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض؛ مما يجعلها تواجه تحديات مشتركة أمنية واقتصادية وبيئية.

* خيمة ظليلة للإبداع
منذ سنتين، أضاف موسم أصيلة، للبرنامج العام فضاء ثقافيا أطلق عليه اسم «خيمة الإبداع»، خصصها لتكريم نوعي للأدباء والمبدعين، يجري المزج فيه بين الجانب الإنساني؛ حيث يحاط المحتفى به بطائفة من أصدقائه المقربين، يستمعون إلى عروض ومداخلات تقارب منجزه الإبداعي، فكانت النتيجة خلال الدورتين الماضيتين، مزيجا من الدراسات الوازنة وشهادات تنضح بالوفاء والدفء والعمق الإنساني.
ويتوسط الخيمة في الدورة الثالثة، الروائي يوسف فاضل، وهو مبدع متعدد المواهب وفاعل ثقافي وناشر وكاتب للسيناريو والقصة القصيرة والرواية. وكان فاضل قد فاز بجائزة المغرب للكتاب عن روايته «طائر أزرق يحلق معي»، وهو العمل ذاته الذي أهله للوصول إلى القائمة النهائية القصيرة لجائزة «البوكر العربية».
تتلو الاستراحة الأدبية ندوة «التنمية المستدامة والتغير المناخي: دور المنظمات المتعددة الأطراف» من 12 إلى 14 أغسطس، وتشكل هذه الندوة استمرارا لنهج دأب عليه موسم أصيلة، منذ سنوات، يتمثل في اقتحام المواضيع التي تبدو في ظاهرها مغرقة في التخصص مع أنها أصبحت لصيقة بحياة الناس ومستقبل البشرية المفتوح على كل الاحتمالات، بالنظر إلى التغيرات المفاجئة والمتلاحقة التي تصيب بصورة متواترة باطن الأرض وسطحها، جراء التقلبات المناخية التي باتت مهددة للاستقرار، برزت معها ظواهر جديدة متصادمة فيما بينها بطريقة غير متوقعة؛ مما ينذر بانقسامات وتصدعات حادة في المنظومة الدولية.
ولأهمية الندوة دعي لها صفوة المفكرين وصناع القرار والخبراء، للتنبيه إلى المخاطر المحدقة، من جهة، والدعوة إلى التفكير العلمي الهادئ لمواجهتها باستراتيجيات وحلول مستقاة؛ مما يوفره العلم الحديث من إمكانيات.

* جائزة تشيكيا أوتامسي للشعر الأفريقي
يعود الشق الأدبي في برنامج موسم أصيلة للحضور ثانية من خلال الاحتفاء بالفائز بجائزة الشاعر الكونغولي الراحل تشيكيا أوتامسي التي يحرص أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، وزير الثقافة والخارجية المغربي الأسبق، محمد بن عسى على انتظامها، وفاء لروح وذكرى الشاعر أوتامسي أولا، وهو الذي أغرته مواسم أصيلة الأولى وجذبته المدينة، فشارك في فعاليات مواسمها إلى أن وافته المنية عام 1989، وتأكيدا للأواصر العربية - الأفريقية التي طالما سعى بن عيسى إلى تأكيدها من مختلف المواقع والمسؤوليات التي تقلدها ومارسها. وسيقدم منتدى أصيلة بالمناسبة احتفالية بالجائزة التي فاز بها الشاعر الإيفواري جوزي غيبو، وهو اسم معروف في حقل الشعر ببلاده ونال عدة جوائز.
في سياق الوفاء للأعلام والرواد لا ينسى موسم أصيلة أنه خرج من رحم الفنون التشكيلية بمعنى من المعاني، من خلال انخراط عدد من الفنانين التشكيليين المغاربة في تجربة الجداريات، يبدعون اللوحات في ساحات وشوارع أصيلة، بينما الأطفال متحلقون حولهم يتأملون ذاك العالم العجائبي الحافل بالألوان الزاهية الذي يتكون أمامهم، وفي الغد جاء الأطفال حاملين أدوات الصباغة وموادها، مصرين على تقليد الرسامين الكبار ليصبحوا مثلهم، هكذا تكونت قناعة لدى القائمين على الطبعة الأولى من موسم أصيلة الثقافي الدولي، أن عدوى الإبداع قابلة للانتشار، ومنذ ذلك الوقت صارت أصيلة مدينة للفنون، وأصبح بعض الفتية المتحلقين في الماضي علامات تشكيلية في المدينة.
ندوة الفن التشكيلي المعاصر، استمرار للقاءات وتظاهرات سابقة، غايتها مواكبة الجديد في الحقل التشكيلي لموقعته ضمن الخريطة العالمية، ورسم الآفاق الجديدة له، كما لا تخلو من مذاق إنساني يتجلى في توفير سبل اللقاء والتعارف بين المبدعين.
وستتناول الندوة التي تعقد يومي 17 و18 أغسطس الحالي، قضايا الفن العربي بين حرية الإبداع والمبدع ودور المؤسسات الوسيطة، إلى جانب رهانات التجديد في الفن العربي المعاصر وتاريخه وجذوره، وذلك بمشاركة نخب من الفنانين الممارسين والنقاد والباحثين من مختلف الدول العربية.

* العرب غدا
وستناقش الندوة الأخيرة «العرب غدا: التوقعات والمآل»، موضوعا بل قضية كبرى صيغت في سؤال محوري يدور حول مآل وتوقعات العرب مستقبلا أو غدا، كما ورد في عنوان الندوة. وهذا التساؤل ليس أكاديميا صرفا بقدر ما هو تعبير عن القلق الذي أصبح يساور العرب جميعا أفرادا وجماعات، نخبا وقادة، فقد تحققت جل السيناريوهات الكارثية التي لم يحلم بها خصومهم ومستعمروهم، فقد أصبحوا على الحالة التي نعرفها من التشتت والتفرقة والتهديد المباشر لأمنهم ووحدة جغرافية بلدانهم.
تتنقل محاور الندوة من محاولة التشخيص لحالة العرب اليوم، والتساؤل عن المتسبب في الحالة التي أصبح عليها العرب، وإلى أي حد تستقيم نظرية المؤامرة.
ويتساءل المحور الثاني من الندوة عن جدوى المنظومة العربية في مجملها، هل ما زال في الإمكان أن يتولد عنها بناء الديمقراطية وتحقيق التنمية؟ بينما يعبر المحور الثالث للندوة عن سيناريوهات العالم العربي مستقبلا.
ولا يستبعد أن تتميز الندوة بجرأة فكرية، بالنظر إلى طبيعة المشاركين فيها الذين يمثلون ألوان الطيف العربي الفكري والسياسي والحزبي والجمعوي، المحبطين منهم والمتفائلين بتجاوز الحالة العربية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».