وجدي الكومي: مكتبتي خرجت من صندوق ألعاب صغير

روايات وقصص «الجيب» شكّلت بذرتها الأولى

جانب من المكتبة  -   وجدي الكومي
جانب من المكتبة - وجدي الكومي
TT

وجدي الكومي: مكتبتي خرجت من صندوق ألعاب صغير

جانب من المكتبة  -   وجدي الكومي
جانب من المكتبة - وجدي الكومي

استعان الأب بصندوق ألعاب صغير من الخشب، وصنع منه مكتبة صغيرة لابنه الذي لاحظ نزوحه لاقتناء روايات «الجيب»، فوجد أن ذلك الصندوق سيكون جديراً باحتواء شغف ابنه الجديد، واستيعاب تلك الكتب صغيرة القطع، لكن عندما امتلأ بها الصندوق وبدأت الكتب تتمدد أدرك الابن أنه بحاجة إلى مكتبة أكبر.
عن مكتبته، يقول الروائي وجدي الكومي: «بواكير ميولي القرائية شبّت عبر عالم روايات وقصص (الجيب)، كنت أواظب على شراء أعمال الراحل أحمد خالد توفيق، لا سيما سلسلة (رجل المستحيل)، وكذلك كنت أقتني سلسلة (أغرب من الخيال)، كانتا بحجم قطع الجيب.
عندما تمددت الكتب عبر سنوات طفولتي، لم تعد تكفيها مكتبة والدي التي جهّزها لي، وفي مرحلتي الجامعية ظهرت المشكلة جليّةً، حيث بدأت خطة قراءة جادة، فبدأت الكتب تتراكم في كل مكان بحجرتي بمنزل العائلة، وترتفع فوق المكتب الذي كنت أذاكر عليه، وتزاحمني سريري أيضاً... كان المشهد عبثياً، وكانت أمي تضعها في أكياس بلاستيك كلما رغبت في تنظيف حجرتي، أو ترتيب فراشي. بدأت أشعر أنني بحاجة إلى حل، ولجأت مرة أخرى إلى أبي، الذي صنع لي بنفسه أرففاً تُثبّت على حوامل في الحائط، كان ماهراً في التعامل مع اﻷدوات، يجيد تقطيع الخشب ويحب النجارة، كان مهندساً للمساحة، ذهبنا معاً واشترينا لوحاً من خشب (الكونتر)، ثم ذهبنا مرة أخرى إلى (المنجرة) وقطعنا اللوح أرففاً متساوية محسوبة العرض والطول، وعدنا بهذه اﻷرفف المقطعة إلى المنزل، وبدأ يثقب حائط حجرتي الكبير، ويثبت الحوامل الخشبية، لم يكن اﻷمر سهلاً، لكنني كنت مبهوراً بقدرته الفائقة على فعل هذه اﻷشياء، هكذا تطورت مكتبتي، من صندوق خشبي صغير، إلى مكتبة بأرفف متساوية على حوامل مثبتة على الحائط صنعها أبي أيضاً».
ويذكر الكومي أنه من بين صنوف الرواية والشعر والمسرح، حظيت القصة القصيرة بنصيب الأسد من عناوين المكتبة. فأعمال يوسف إدريس -كما يقول: «بدأت تملأ أرفف المكتبة، تلتها أعمال نجيب محفوظ، سبقتهما بطبيعة الحال أعمال توفيق الحكيم الكاملة، وكذلك أعمال يحيى حقي، ثم طه حسين، بدأت أقرأ الشعر، وأكتبه، كنت مهتماً بالمتنبي وشوقي، ثم بدأت أقرأ آخرين، لكنني توقفت عن محاولة كتابة الشعر، بعدما فازت أولى قصصي القصيرة بجائزة عام 1998، وكانت الجائزة ممنوحة من مسابقة يحيى حقي على مستوى شباب الجامعات، التي نظمها المجلس اﻷعلى للثقافة، لا أتذكر كيف شاركت في المسابقة، ربما عن طريق إعلان شاهدته في الكلية، لكنني فوجئت بأنني فزت، وأن الجائزة ألف جنيه كاملة، كان هذا سبباً في مواصلة قراءة القصص القصيرة وكتابتها، فبدأت المجموعات القصصية تنهمر بغزارة على مكتبتي، وبدأت أقرأها كأنني في سباق مع الزمن، ربما كان ذلك في عامي الجامعي الثالث والرابع».
تمر السنوات ويستقل الكومي عن منزل والده، منتقلاً إلى بيت أسرته الجديدة، وهنا استقرت مكتبته بهيئتها التي يتأملها حسب خريطته القرائية الحالية. يقول: «قائمة قراءاتي تتزايد من أسفل، وأنا عالق في أعلاها، وأتقدم ببطء، أقرأ وفق احتياجات كتابتي، ووفق ترشيحات الكُتاب الزملاء، أقرأ وفق مشروعاتي الكتابية، ووفق ما أرغب في الكتابة عنه، وأقرأ أحياناً أعماﻻً قديمة، أشعر بتوق إليها، وأقرأ كثيراً وفق ما يتحدث عنه الزملاء، عن كتب قرأوها، وأعجبتهم، وهكذا تمضي بوصلة القراءة بشكل عشوائي، كأني في بحر تائه، من دون شراع».
تزين المكتبة أسماء كتاب مشاهير: «فيها الأعمال لـيحيى الطاهر عبد الله، وجمال الغيطاني، وإبراهيم أصلان، ولورانس داريل (رباعية اﻹسكندرية)، وعناوين هائلة، وكثيرة... أشعر بالتيه، وأنا أحاول أن أتذكر أبرز عناوين مكتبتي. مَن سأتذكر... مَن سأنسى؟ والحقيقة أنه ﻻ يوجد في مكتبتي من تقل أهميته عن اﻵخر، كلهم بنفس القدر من اﻷهمية عندي، ﻷنهم جميعاً، اقتنيتهم واحداً واحداً، حتى إنْ لم أقرأهم جميعاً».
يحرص الكومي على أن تضم مكتبته وجبة معرفية دسمة، فيزوّدها بالموسوعات التاريخية، مثل «موسوعة سليم حسن» التاريخية الأثرية عن مصر القديمة، التي تأتي ضمن أعمال تاريخية أخرى، وموسوعات عن عالم البحر، وأخرى عن تاريخ مصر المعاصر القريب، وكتب عن اﻷهرامات المصرية القديمة واﻵثار، وكتب عن اللغة، والنحو.
الثقافة الأوروبية حاضرة بسخاء في مكتبة الكومي، أبرزها ترجمات عن الفرنسية واﻷلمانية، ربما أكثر من الكتب المترجمة الصادرة عن اللغة اﻹسبانية، أو البرتغالية، ويعلق على ذلك بقوله: «اﻷعمال اﻷدبية الشاهقة التي كتبها غابرييل غارثيا ماركيز، ويوسا، موجودة بمكتبتي، لكنني أشعر أحياناً أن اﻷعمال اﻷدبية المترجمة في مكتبتي عن الثقافة اﻷوروبية هي الغالبة، مثل الروايات المترجمة عن اﻷلمانية، وعن الفرنسية، وعن التركية، وأعمال أورهان باموق، وكافكا، وبالطبع أعمال الروائيين البريطانيين مثل زادي سميث، والآيرلندية إيريس مردوخ، ولكن إذا جئنا إلى منطقتنا سنجد أن ﻷعمال الروائيين العرب مساحة ليست قليلة في مكتبتي، سنجد أعمال عباس بيضون، وأمير تاج السر، وجبور الدويهي».


مقالات ذات صلة

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

يوميات الشرق ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

لعلّه المتحف الوحيد الذي تُعرض فيه عيدان كبريت، وبطاقات يانصيب، وأعقاب سجائر... لكن، على غرابتها وبساطتها، تروي تفاصيل "متحف البراءة" إحدى أجمل حكايات إسطنبول.

كريستين حبيب (إسطنبول)
كتب فرويد

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية

د. ماهر شفيق فريد
كتب ناثان هيل

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

فلنفرض أن روميو وجولييت تزوَّجا، بعد مرور عشرين سنة سنكتشف أن روميو ليس أباً مثالياً لأبنائه، وأن جولييت تشعر بالملل في حياتها وفي عملها.

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

صدر حديثاً عن دار نوفل - هاشيت أنطوان كتاب «دليل الإنسايية» للكاتبة والمخرجة الآيسلندية رند غنستاينردوتر، وذلك ضمن سلسلة «إشراقات».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية
TT

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام، ولفت الانتباه؛ لأن رواية المانجا «أنستان» أو «الغريزة» لصاحبها المؤثر أنس بن عزوز، الملقب بـ«إنوكس تاغ» باعت أكثر من 82 ألف نسخة خلال 4 أيام. وهو إنجاز كبير؛ لأن القصّة الموجهة إلى جمهور من القرّاء الشباب قد خطفت المرتبة الأولى في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً من «الحوريات»، الرواية الفائزة بجائزة «الغونكور» لهذه السنة.

ولمن يستغرب هذا الرواج أو اهتمام دور النشر بالكُتاب المبتدئين من صنّاع المحتوى، فإن الظاهرة ليست بالجديدة؛ حيث إن كثيراً من المكتبات والمواقع أصبحت تخصّص رفوفاً كاملة لهذه النوعية من الكتب، كسلسلة «#فولوي مي» التابعة لدار «أشيت»، والتي تضم أعمالاً للمؤثرين تتوزع بين السّير الذاتية والقصص المصوّرة والتنمية البشرية والأسفار، وحتى الطبخ.

في فرنسا، أول تجربة من هذا القبيل كانت عام 2015، بكتاب «إنجوي ماري»، وهو السيرة الذاتية للمؤثرة ماري لوبيز المعروفة بـ«إنجوي فنيكس» (6 ملايين متابع على إنستغرام). وإن كان البعض لا يستوعب أن تكتب فتاة في سن العشرين سيرتها الذاتية، فقد يستغرب أيضاً النجاح التجاري الكبير الذي حصل عليه هذا الكتاب؛ حيث باع أكثر من 250 ألف نسخة، رغم الهجوم الشديد على الأسلوب الكتابي الرديء، حتى لقَّبتها مجلة «لي زنكوريبتبل» الثقافية متهكمة بـ«غوستاف فلوبير الجديد». شدّة النقد لم تمنع زملاءها في المهنة من خوض التجربة نفسها بنجاح؛ المؤثرة ناتو (5 ملايين متابع على يوتيوب) نشرت مع مؤسسة «روبرت لافون» العريقة رواية «أيقونة»، قدمت فيها صورة ساخرة عن عالم المجلات النسوية، وباعت أكثر من 225 ألف نسخة. وتُعدُّ دار نشر «روبرت لافون» بالذات الأكثر تعاوناً مع صناع المحتوى؛ حيث نشرت لكثير منهم.

في هذا السياق، الأكثر نجاحاً حتى اليوم كان كتاب التنمية البشرية «الأكثر دائماً+» لصاحبته لينا محفوف، الملقبة بـ«لينا ستواسيون» (5 ملايين متابع على إنستغرام) وباع أكثر من 400 ألف نسخة.

مجلة «لي زيكو» الفرنسية، تحدثت في موضوع بعنوان «صناع المحتوى؛ الدجاجة التي تبيض ذهباً لدور نشر» عن ظاهرة «عالمية» من خلال تطرقها للتجارب الناجحة لمؤثرين من أوروبا وأميركا، حملوا محتواهم إلى قطاع النشر، فكُلّلت أعمالهم بالنجاح في معظم الحالات. المجلة استشهدت بالتجربة الأولى التي فتحت الطريق في بريطانيا، وكانت بين دار نشر «بانغوين بوكس» والمؤثرة زوي سوغ (9 ملايين متابع على إنستغرام) والتي أثمرت عن روايتها الناجحة «فتاة على الإنترنت» أو «غور أون لاين»؛ حيث شهدت أقوى انطلاقة في المكتبات البريطانية بـ80 ألف نسخة في ظرف أسبوع، متفوقة على سلسلة «هاري بوتر» و«دافنشي كود».

المجلة نقلت بهذه المناسبة حكاية طريفة، مفادها أن توم ويلدون، مدير دار النشر، كان قد تعاقد مع المؤثرة بنصيحة من ابنته البالغة من العمر 12 سنة، والتي كانت متابعة وفيّة لها.

ومما لا شك فيه هو أن اهتمام دور النشر بأعمال المؤثرين يبقى مدفوعاً بالأرباح المادية المتوقعة، وهو ما أكده موضوع بمجلة «لوبوان» بعنوان «المؤثرون آلة لصنع النجاحات التجارية في قطاع النشر». كشف الموضوع عن أن تحويل المحتوى السمعي البصري لصناع المحتوى إلى الكتابي، أصبح بمثابة الورقة الرابحة للناشرين، أولاً لأنه يوفر عليهم عناء الترويج الذي تتكفل به مجتمعات المشتركين والمتابعين، وكل وسائل التواصل التابعة للمؤثرين، والتي تقوم بالعمل بدل الناشر، وهو ما قد يقلّل من خطر الفشل؛ بل قد يضمن الرواج الشعبي للعمل. ثم إنها الورقة التي قد تسمح لهم في الوقت نفسه بالوصول إلى فئات عمرية لم تكن في متناولهم من قبل: فجمهور المراهقين -كما يشرح ستيفان كارير، مدير دار نشر «آن كاريير» في مجلة «ليفر إيبدو»: «لم يكن يوماً أقرب إلى القراءة مما هو عليه اليوم. لقد نشرنا في السابق سِيَراً ذاتية لشخصيات من كل الفضاءات، الفرق هذه المرة هو أن المؤثرين صنعوا شهرتهم بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، ولهم جمهور جاهز ونشيط، وإذا كانت هذه الشخصيات سبباً في تقريب الشباب إلى القراءة، فلمَ لا نشجعهم؟».

شريبر: الكتاب بعيد كل البعد عن مستوى «الغونكور» وبأن كاتبته لم تقرأ في حياتها كتاباً باستثناء الكتاب الذي كتبته

هذه المعطيات الجديدة جعلت الأوضاع تنقلب رأس على عقب، فبينما يسعى الكتاب المبتدئون إلى طرق كل الأبواب أملاً في العثور على ناشر، تأتي دور نشر بنفسها إلى صناع المحتوى، باسطة أمامهم السّجاد الأحمر.

وإن كان اهتمام دور النشر بصنّاع المحتوى لاعتبارات مادية مفهوماً -بما أنها مؤسسات يجب أن تضمن استمراريتها في قطاع النشر- فإن مسألة المصداقية الأدبية تبقى مطروحة بشدّة.

بيار سوفران شريبر، مدير مؤسسة «ليامون» التي أصدرت مذكرات المؤثرة الفرنسية جسيكا تيفنو (6 ملايين متابع على إنستغرام) بجزأيها الأول والثاني، رفض الإفصاح عن كم مبيعات الكتاب، مكتفياً بوصفه بالكبير والكبير جداً؛ لكنه اعترف في الوقت نفسه بلهجة ساخرة بأن الكتاب بعيد كل البعد عن مستوى «الغونكور» وبأن كاتبته لم تقرأ في حياتها كتاباً باستثناء الكتاب الذي كتبته؛ لكنها لم تدَّعِ يوماً أنها تكتب بأسلوب راقٍ، وكل ما كانت تريده هو نقل تجاربها الشخصية إلى الجمهور ليأخذ منها العبَر.

الناقد الأدبي والصحافي فريديك بيغ بيدر، كان أكثر قسوة في انتقاده لكتاب المؤثرة لينا ستواسيون، في عمود بصحيفة «الفيغارو» تحت عنوان: «السيرة الذاتية لمجهولة معروفة»؛ حيث وصف العمل بـ«المقرف» و«الديماغوجية»، مضيفاً: «بين الأنا والفراغ اختارت لينا ستواسيون الخيار الثاني». كما وصف الكاتبة الشابة بـ«بالجاهلة التي تعترف بجهلها»، منهياً العمود بالعبارة التالية: «147 صفحة ليس فيها سوى الفراغ، خسرتُ 19 يورو في لا شيء».

أما الناشر بيار سوفران شريبر، فقد قال في مداخلة لصحيفة «لوبوان»: «اتهمونا بنشر ثقافة الرداءة؛ لكن هذه النوعية من الكتب هي هنا لتلتقي بقرائها. إنهما عالمان بعيدان استطعنا تقريبهما بشيء سحري اسمه الكتاب. فلا داعي للازدراء».