بولتون يغادر أنقرة من دون لقاء إردوغان... وتركيا تلوح بـ«تدخل» شرق سوريا

بولتون و مستشار إردوغان المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالين.
بولتون و مستشار إردوغان المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالين.
TT

بولتون يغادر أنقرة من دون لقاء إردوغان... وتركيا تلوح بـ«تدخل» شرق سوريا

بولتون و مستشار إردوغان المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالين.
بولتون و مستشار إردوغان المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالين.

وجد مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون أجواء مشحونة غلفت مباحثاته والوفد المرافق له في أنقرة أمس، عكستها تصريحات حادة من مسؤولين وسياسيين أتراك، كما لم يلتق الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كما تردد قبل المباحثات، ما أرجعه إردوغان لاحقا إلى أنه أمر طبيعي لأن نظير بولتون في الحكومة التركية هو مستشاره المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالين، وأنه (إردوغان) قد يجري اتصالا في أي لحظة بعد مغادرة بولتون، مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وعكست المباحثات، التي أجراها الوفد الأميركي برئاسة بولتون مع مستشار الرئيس التركي المتحدث باسمه، اختلافا وتباعدا في تفسير قرار ترمب الانسحاب من سوريا، وتناقضا بين الطرفين فيما يتعلق بالموقف من الميليشيات الكردية في سوريا التي لا تزال واشنطن تنظر إليها على أنها حليف قدم الكثير في الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي.
وغادر بولتون والوفد المرافق، الذي ضم المبعوث الأميركي إلى سوريا والتحالف الدولي للحرب على «داعش» جيمس جيفري، ورئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دانفورد، أنقرة بعد مباحثات مع كالين ومساعدي وزيري الخارجية والدفاع سادات أونال ويونس إمره كارا عثمان أوغلو، ومساعد رئيس المخابرات جمال الدين تشيليك، استبقها إردوغان بتوجيه انتقاد حاد لتصريحات بولتون خلال زيارته لإسرائيل، الأحد الماضي، التي دافع فيها عن شركاء بلاده الأكراد في سوريا والذين أدرجتهم أنقرة على لائحة «الإرهاب»، عادّاً أن بولتون «ارتكب خطأ فادحا» وقال إن القوات التركية ستنفذ قريبا عملية عسكرية ضد «التنظيمات الإرهابية» في شمال سوريا.
وعقب المباحثات مع الوفد الأميركي، قال كالين إنهم ناقشوا تفاصيل الانسحاب الأميركي من سوريا في غضون 120 يوما، وفقا لما ذكره الوفد الأميركي، قائلا «إنهم قالوا من قبل إن الانسحاب سيتم في غضون فترة تتراوح بين 60 يوماً و100 يوم، واليوم قالوا 120 يوما، لن نعدّ ذلك تأخيرا كبيرا».
وأضاف، في مؤتمر صحافي عقب المباحثات: «ناقشنا مع بولتون تفاصيل عملية انسحاب القوات الأميركية من سوريا». وتابع: «أنقرة ترحب بقرار ترمب الانسحاب من سوريا، وخلال اجتماعنا مع الوفد الأميركي ناقشنا كيفية الانسحاب، والهيكلية التي سيخلفها، ومصير الأسلحة الثقيلة التي وزعتها أميركا (على وحدات حماية الشعب الكردية) وقواعدها العسكرية ومراكزها اللوجيستية في سوريا». وأضاف كالين: «الأميركيون أخبرونا بأنهم يبحثون مسألة الأسلحة التي بحوزة (الوحدات) الكردية ومصير 16 قاعدة عسكرية لهم في سوريا». وأكد أنه «لا تباطؤ في مكافحة تنظيم داعش الإرهابي».
وشدد كالين على ضرورة تطبيق خريطة الطريق في منبج شمال سوريا الموقعة في 4 يونيو (حزيران) الماضي بين أنقرة وواشنطن، كما هو متفق عليه. وقال: «انتقلنا الآن إلى مرحلة ما بعد الدوريات المشتركة. يجب انسحاب (الوحدات) الكردية من منبج بشكل كامل، وتسليمها إلى العناصر المحلية». وقال إن تركيا «ستواصل جهودها المتعلقة بمرحلة الانتقال السياسي في سوريا».
وعن عدم لقاء الرئيس التركي مع بولتون، أوضح كالين أن إردوغان لم يعد بلقاء بولتون، مشيرا إلى أن تصريحات بولتون في إسرائيل المتعلقة بأكراد سوريا، أدت إلى رد فعل في تركيا. وقال إنه سلم ملفين إلى بولتون، أحدهما متعلق بـ«جرائم» الوحدات الكردية في شمال سوريا، مؤكدا أن تركيا ستواصل تنفيذ ما يقع على عاتقها من أجل حماية المدنيين في سوريا، بمن فيهم الأكراد. وعدّ أن «الزعم بأن تركيا ستقتل الأكراد حال دخولها شرق الفرات وأنهم سيتضررون، ليس سوى دعاية يطلقها حزب العمال الكردستاني (المحظور)».
وحول ما يتعلق بالعملية العسكرية التركية المرتقبة في شرق الفرات، قال كالين: «سنقوم بالعملية بالتنسيق مع الجميع، إلا إننا لن نأخذ إذنا من أحد». ونفى أن تكون أنقرة قدمت أي وعود للإدارة الأميركية بحماية «الوحدات» الكردي، في إشارة إلى تصريحات لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بهذا المعنى أول من أمس. وأشار إلى أنه لم يتم التطرق إلى موضوع إنشاء منطقة عازلة شمال سوريا خلال المباحثات مع الوفد الأميركي برئاسة بولتون.
وبالتزامن مع المباحثات بين بولتون والمسؤولين الأتراك، قال الرئيس إردوغان إن قتال «وحدات حماية الشعب» الكردية لتنظيم داعش ليس سوى «كذبة كبيرة».
واتهم إردوغان، في معرض انتقاداته تصريحات أميركية بأن على أنقرة حماية حلفاء واشنطن الأكراد، خلال كلمة أمام أعضاء حزبه العدالة والتنمية في البرلمان أمس، بولتون بتعقيد خطة الرئيس دونالد ترمب لسحب القوات الأميركية. وقال إن بولتون «ارتكب خطأ فادحا» بتحديد الشروط المتعلقة بدور الجيش التركي بعد الانسحاب الأميركي.
وقبل وصوله إلى تركيا قال بولتون إن تركيا ينبغي أن تنسق العمل العسكري مع الولايات المتحدة، وإن الانسحاب الأميركي لن يحدث حتى تضمن تركيا سلامة المقاتلين الأكراد.
وشدد إردوغان على أن تركيا ستتصدى لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية مثلما تتصدى لتنظيم داعش، قائلا: «إذا كانوا إرهابيين فسوف نفعل كل ما يلزم بغض النظر عن المكان الذي أتوا منه». وقال إردوغان: «بولتون ارتكب خطأ فادحا، وأي شخص سيفكر بالطريقة نفسها يرتكب خطأ أيضا. من المستحيل أن نتفاوض على هذه النقطة»، وأشار إلى أنه توصل إلى تفاهم مع ترمب بشأن خطط الانسحاب؛ «لكن أصواتا مختلفة بدأت تصدر من قطاعات مختلفة في الإدارة الأميركية».
وقبل محادثات بولتون في أنقرة أمس، قالت صحيفة «حرييت» التركية إنه من المتوقع أن تطلب أنقرة من مسؤولين أميركيين تسليم القواعد العسكرية الأميركية في سوريا (16 قاعدة) لتركيا أو تدميرها. ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تحددها قولها إن تركيا لن تقبل أن تسلم واشنطن هذه القواعد إلى «وحدات حماية الشعب» الكردية.
ورفض إردوغان في تصريحات للصحافيين عقب اجتماع الكتلة البرلمانية لحزبه بالبرلمان اعتبار عدم لقائه بولتون رد فعل على تصريحاته أو موقفا تركيا تجاه عدم الالتزام الأميركي بما تريد أنقرة، وردا على سؤال: «هل نعدّ عدم استقبالكم بولتون رد فعل على تصريحات الأخير حول تركيا في وقت سابق؟»، أجاب إردوغان: «لا داعي لهذا الأمر».
وعن احتمال إجراء مكالمة هاتفية مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قال إردوغان: «قد يحدث في أي لحظة، وقد تكون هناك ضرورة لإجراء اتصال (بينه وبين ترمب) في أي لحظة عقب زيارة بولتون».
وعن خطة زيارته إلى روسيا، أشار إردوغان إلى أنه لم يتم تحديد موعد الزيارة بعد، وأن تركيا تنتظر موعدا من الجانب الروسي. وقال إردوغان إن «التحضيرات الجارية لإطلاق عملية شرق الفرات أوشكت على الانتهاء».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.