«إيسيسكو» تعلن سنة 2019 سنةَ التراث في العالم الإسلامي

نددت بتخريب المعالم التراثية بسبب النزاعات والحروب

«إيسيسكو» تعلن سنة 2019 سنةَ التراث في العالم الإسلامي
TT

«إيسيسكو» تعلن سنة 2019 سنةَ التراث في العالم الإسلامي

«إيسيسكو» تعلن سنة 2019 سنةَ التراث في العالم الإسلامي

أعلنت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) 2019 سنةَ التراث في العالم الإسلامي، وذلك تنفيذاً لقرار المؤتمر الإسلامي العاشر لوزراء الثقافة. ودعت المنظمة في بيان لها، تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، الدول الأعضاء إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتخليد هذا الحدث المهم، وأكدت أهمية التراث الحضاري والثقافي بكل تجلياته المادية وغير المادية، في حفظ الذاكرة الجماعية وصيانة هوية الشعوب والأمم، وأبرز الحاجة الملحة إلى حماية التراث والمحافظة عليه وضمان استدامته، وفق رؤية شمولية متكاملة وانطلاقاً من إرادة جماعية تشاركية.
وذكرت «إيسيسكو» في بيانها، بعراقة تاريخ العالم الإسلامي وبتميز موروثه الحضاري والثقافي الغني والمتنوع، بفضل انفتاحه وتفاعله أخذاً وعطاءً، مع الثقافات الإنسانية المتعددة المصادر، ومن خلال إبداعات المفكرين والمثقفين والعلماء والأدباء والشعراء والفنانين والمعماريين والصناع التقليديين، وعبر إشعاع مدارس التراث ومؤسساته العلمية والثقافية، وغزارة منتجها في مختلف مجالات المعرفة والعمران وأشكال التعبير الفني، مشدِدةً على أن التراث الحضاري والثقافي في العالم الإسلامي، بشقيه المادي وغير المادي، يعدُ رمزاً رئيساً من رموز الهوية الحضارية الإسلامية، ومجالاً رحباً لإبراز تنوعها الثقافي، ومنبعاً ملهماً لا ينضب للإبداع والابتكار.
وأكدت «إيسيسكو» الحاجة إلى دعم لجنة التراث في العالم الإسلامي التابعة لها، وإلى مضاعفة الجهود للمحافظة على هذا التراث الثقافي، وإيلائه مزيداً من الاهتمام في الخطط والبرامج الثقافية والتراثية، بما يضمن إبراز تنوعه وغنى خصائصه الجمالية والثقافية والحضارية في بعديها الإسلامي والإنساني، والتعريف بمعالمه التاريخية ومواقعه الأثرية، ومنشآته المعمارية المتميزة، وتحفه الفنية، ومخطوطاته ومسكوكاته النقدية، وتجليات مكوناته غير المادية، وكنوزه البشرية الحية، ورموزه وأعلامه الحضارية، ودعت إلى العمل على تسجيل مزيد من مواقعه الأثرية ومظاهره غير المادية على لائحة التراث العالمي ولائحة تراث العالم الإسلامي. كما دعت إلى تنظيم الأبواب المفتوحة للتراث لفائدة العموم، وتوفير الصيانة والترميم والحماية والتوثيق اللازمين لاستدامته في كل الظروف وفي جميع المناطق، وبخاصة في مناطق النزاعات والحروب، أو في المناطق التي يستهدفها التطرف والطائفية والإرهاب.
وحثَت «إيسيسكو» دول العالم الإسلامي على توفير مزيد من التدريب والتأهيل للعناصر التي تعمل في مجالات التراث الثقافي المادي وغير المادي، والارتقاء بمهاراتهم المهنية والفنية والتقنية والعلمية، بالاعتماد على تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وعلى آليات التدبير الجماعي التضامني، وتعزيز التعاون والتنسيق بشأن ذلك بين المؤسسات الوطنية واللجان والمنظمات الدولية والإقليمية المتخصصة، مشيدةً بجهود الدول الأعضاء في هذا المجال، وفي مقدمتها المملكة المغربية التي يرأس عاهلها الملك محمد السادس لجنة القدس، والمملكة الأردنية الهاشمية ذات الوصاية الهاشمية على الأوقاف والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف.
وحثت «إيسيسكو» الدول الأعضاء على تنظيم أسابيع ثقافية حول التراث الثقافي المقدسي، بمناسبة الاحتفاء بالقدس الشريف عاصمةً للثقافة الإسلامية لعام 2019، عن المنطقة العربية، وعاصمة دائمة للثقافة الإسلامية، وتفعيل توأمة عواصم الثقافة الإسلامية لسنة 2019 مع مدينة القدس الشريف.
ونددت «إيسيسكو» في بيانها بالتخريب والدمار اللذين يطالان المباني التاريخية والمعالم التراثية، في عدد من الدول الأعضاء، من جرَاء النزاعات والحروب التي يؤجِجها الفكر المتطرف والتعصب والطائفية والإرهاب، وما تتعرض له التحف الفنية والمعالم الأثرية من سرقات وتهريب واتجار غير مشروع، ودعت إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية لمواجهة هذا الوضع، والاسترشاد في ذلك بمضامين «مسار المنامة لتفعيل العمل الثقافي الإسلامي المشترك لمواجهة التطرف والطائفية والإرهاب»، و«إعلان البحرين حول حماية التراث الإنساني ومواجهة التطرف» الصادرين عن المؤتمر الإسلامي الاستثنائي لوزراء الثقافة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».