العاصفة «نورما» تُحكم قبضتها على لبنان

تداعياتها طالت مختلف المناطق وتتسبب بأضرار بالغة

الفيضانات عطلت المركبات على الطرق في بيروت (أ.ب)
الفيضانات عطلت المركبات على الطرق في بيروت (أ.ب)
TT

العاصفة «نورما» تُحكم قبضتها على لبنان

الفيضانات عطلت المركبات على الطرق في بيروت (أ.ب)
الفيضانات عطلت المركبات على الطرق في بيروت (أ.ب)

فوضى مناخية وأضرار كثيرة تسببت بها العاصفة «نورما» منذ وصولها إلى لبنان مساء الأحد الفائت حتى اليوم. فكميات الأمطار التي هطلت خلالها لم يسبق أن شهدها لبنان من قبل سنوات، فغرقت الشوارع والطرقات ببحيرات مياه فارضة على اللبنانيين المكوث في زحمات سير علقوا فيها لساعات طويلة. ولعل اشتداد العاصفة «نورما» عند الواحدة من بعد ظهر أمس (الثلاثاء) بلغ ذروته بحيث شغلت بأخبارها جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والتي جنّدت مراسليها لمتابعة أخبار «نورما» والوقوف على تداعياتها. السيول والانهيارات لم توفر مناطق كثيرة في بيروت بدءاً من الطريق السريع في ضبية مروراً بمنطقة الكولا وطريق المطار وحي السلم في الضاحية الجنوبية في بيروت والتي لم تستطع فرق الدفاع المدني وضع حد للانجرافات التي تسبب بها نهر الغدير بعد فيضانه. فأتى الفيضان على الأخضر واليابس في هذه المنطقة وجرف أغراض المواطنين الذين راحوا يُخرجون المياه التي تسللت إلى بيوتهم بطريقة بدائية (بواسطة الدلو) وإثر تعذر وصول فرق الإسعاف إليها.
وشوهد عناصر الدفاع المدني في ساعة متأخرة من النهار في منطقة ضبية يركبون الزوارق البحرية وسط الطريق الرئيسي لتصريف مياه الأمطار التي تكدست. كما قاموا بإجلاء الأشخاص العالقين بوحول الشتاء الغزير على طرقات تؤدي إلى مدينة جونية وبينها جل الديب وأنطلياس. كما عملوا على إخراج من هم داخل سياراتهم التي غمرتها المياه بسبب انسداد المجاري. فيما تسببت الرياح الشديدة على طريق خلدة الشويفات إلى سقوط لوحة إعلانية مما أدّى إلى تضرر عدد كبير من السيارات «المركونة» تحتها.
وشهد جسر الكولا في بيروت تشققات على جوانبه بسبب تدفق مياه الأمطار وتردد أنه على وشك الانهيار. إلا أن قسم الصيانة في بلدية بيروت عاد ليؤكد أنه لا يشكل أي خطر على السلامة العامة، إذ تقتصر الأضرار فيه على تسرب المياه الناتج عن اهتراء بفواصله التمددية.
أما الطريق البحرية التي توصل العاصمة بمنطقة الساحل الشمالي فقد اعتُبرت شبه مقطوعة بعد أن ارتفع منسوب المياه فيها بشكل ملحوظ منع مرور السيارات عليها. وانتشرت الصور الفوتوغرافية على مواقع التواصل الاجتماعي بواسطة الناشطين تنقل الواقع على الأرض من هنا وهناك، بسبب العاصفة «نورما»، مما ساهم في توعية المواطنين بالبقاء في أماكنهم إلى حين هدوء العاصفة. وتعرضت مدينة صيدا الجنوبية لزوابع عاصفة ضربت بحرها بحيث تسببت بأمواج عالية بارتفاع 5 أمتار مانعة بذلك أي حركة سير على أطراف كورنيش المدينة. كما تسببت العاصفة في شلّ الحركة في المدينة خصوصاً في أسواقها التجارية والمرفأ وميناء الصيادين. فيما ارتفع منسوب مياه نهر الليطاني جارفةً معها النفايات والأوساخ والبقايا المرمية في مجراه. أما سقوط الثلوج في المناطق الجبلية بارتفاع 600 متر وما فوق، فقد أدى إلى إقفال طرق رئيسية لا سيما طريق ضهر البيدر الدولية والتي أعلنت الأجهزة الأمنية عن إغلاقها تماماً ومنع مرور السيارات عليها ابتداءً من الرابعة من بعد ظهر أمس.
ورغم إنزال معدات إنقاذ إضافية على الطرقات من قبل مديرية الطرق والمباني في وزارة الأشغال، فإن شريحة من اللبنانيين بقيت عالقة ما بين مراكز عملها وأماكن سكنها لأكثر من 4 ساعات قبيل فتحها من قبل عناصر قوى الأمن من خلال فتح مسارب إضافية.
وكان وزير التربية في لبنان مروان حمادة قد اتخذ قراره بضرورة إقفال المدارس والمهنيات الرسمية في المناطق الجبلية والداخلية الواقعة على ارتفاع 700 متر وما فوق على أن يُترك للمدارس الخاصة تحديد موقفها في ضوء هذا التوجيه. وتُركت لكل مدرسة حسب واقعها الجغرافي وعلى مسؤولية المؤسسات والمديرين المعنيين فيها، حرية التصرف، على أن يأخذوا في الاعتبار الواقع التربوي وسلامة التلامذة.
وجاء قراره هذا بعد تواصله مع المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ومصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت.
أما مدينة صور فلم تشهد أي انجرافات ترابية أو أضرار تُذكر بسبب العاصفة، وبقيت طرقاتها سالكة دون حصول أي زحمة سير خارجة عن المألوف.
وفي إقليم الخروب ضربت العاصفة الثلجية بلدات شحيم وداريا وعانوت والزعرورية وغيرها فهبّت الرياح الشديدة مترافقة مع غزارة في الأمطار وحبات البرد، ليتحول الطقس إلى مثلج بعد أن غطت هذه البلدات الثلوج بشكل متواصل. وحذرت مصلحة الأرصاد من حصول بعض الانجرافات والانهيارات في التربة نظراً إلى كمية الأمطار الغزيرة التي ستتساقط. فيما أشارت إلى أن حال الطقس اليوم سيكون غائماً مع أمطار متفرقة تتحول إلى غزيرة خلال الفترة الصباحية مصحوبة بعواصف رعدية ورياح ناشطة وتدنٍّ في درجات الحرارة بشكل محدود.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».