ليلة من المفاجآت في {غولدن غلوب}

رامي مالك يفوز بجائزة التمثيل... و«روما» كوارون استحوذ على أكثر من جائزة

مشهد من فيلم «روما» (أ.ب)
مشهد من فيلم «روما» (أ.ب)
TT

ليلة من المفاجآت في {غولدن غلوب}

مشهد من فيلم «روما» (أ.ب)
مشهد من فيلم «روما» (أ.ب)

كانت ليلة من المفاجآت، لكن عدم فوز «كفرناحوم» لم يكن من بينها. توقعات معظم النقاد والمتابعين من الإعلاميين لم تتمحور حول فيلم نادين لبكي، علماً بأنّه نال أصواتاً عدة بين أعضاء «جمعية مراسلي هوليوود الأجانب»، كما قيل لهذا الناقد.‬ وإذا ما توجّهت جائزة أفضل فيلم أجنبي، وهو القسم الذي انضوى فيلم لبكي تحت جناحه، إلى فيلم «روما» المكسيكي فإنّ هذا الفوز هو واحد من تلك التي توقعناها هنا قبل يومين. رغم ذلك، هناك توقعات لم تصب أهدافها وهو ما شكّل صلب هذه المفاجآت.‬
لم يفز مثلاً فيلم «مولد نجمة» الذي بدا الأقرب إلى الفوز من سواه في سباق أفضل فيلم درامي. هذا الفيلم كان المرشّـح الأول لدى لفيف من المتابعين، نقاداً وصحافيين، لذلك كان عدم فوزه واحداً من أكبر المفاجآت. ليس هذا فقط، بل لم يفز في أي من المسابقات الرئيسية. لا الليدي غاغا خرجت بجائزة أفضل ممثلة في فيلم درامي، ولا برادلي كوبر نال «غولدن غلوبز» عن دوره في الفيلم أو عن إخراجه له، وهو الذي كان أحد المرشحين في هاتين الفئتين. الفوز الوحيد الذي ناله «مولد نجمة» كان في سباق أفضل أغنية.‬
الفيلم الذي خطف جائزة أفضل فيلم درامي هو «بوهيميان رابسودي» وبذلك سحب البساط ليس من فيلم «مولد نجمة» فقط، بل من أفلام أهم وأقوى مثل «بلاك بانثر» و«بلاكككلانسمان». كذلك فإن الممثل الذي نافس برادلي كوبر واستحوذ على غولدن غلوب أفضل ممثل في فيلم درامي هو رامي مالك، متجاوزاً كذلك كل من ويليم دافو وجون ديفيد واشنطن. الأول عن «عند بوابة الأبدية» والثاني عن «بلاكككلانسمان».‬
فوز رامي كان متوقعاً في قائمتنا قبل يومين، رغم ذلك كان من غير المنتظر لكثيرين فوز الممثل الأميركي المولد الذي هاجر والداه من القاهرة سنة 1973 ليستقرا في ضاحية شيرمان أوكس. ‬ وهو ليس مجرد فوز هوليوودي المواصفات فقط، بل هي المرّة الأولى التي يفوز فيها ممثل يحمل اسماً عربياً في أي من الجوائز الرئيسية منذ أن فاز الرّاحل عمر الشريف بالجائزة ذاتها عن دوره في فيلم «دكتور زيفاغو» سنة 1965. ‬
عمر الشريف يبقى العربي الوحيد الذي فاز بأكثر من جائزة عالمية، بما فيها «غولدن غلوب»، إذ تسلم جائزة سيزار الفرنسية عن دوره في «مسيو إبراهيم وزهور القرآن» (2003)، والجائزة التكريمية الشاملة التي منحت له في العام ذاته من قِبل مهرجان فنيسيا السينمائي.‬

‬ممثلون وممثلات‫‬

رامي مالك لم يكن الاختيار الأول ليؤدي شخصية المغني الأول لفريق «ذا كوين» وهو فريدي مركوري. حين بدأ المنتجان برايان ماي وروجر تايلور البحث عن ممثل يؤدي هذه الشّخصية اختارا الكوميدي البريطاني ساشا بارون كوهين الذي وافق على الدور، لكنّه اقترح سيناريو آخر للفيلم يتضمّن توفير أدوار أولى أيضاً لأعضاء الفرقة ذاتها على أساس أنّهم يستحقون تسليط الضوء عليهم. لكنّ المنتجين لم يوافقا على هذا المنحى وشعرا بأنّ ساشا لن يكون مناسباً على أي حال بسبب ميوله الكوميدية. ‬
رامي كان اختياراً لاحقاً والممثل الشاب سعى إليه بكل ما لديه من تصميم. لم يكتف بأنّه تمرّن على الغناء بل درس أفلاماً مصوّرة لحفلات الفريق ولحفلات المغنين جيمي هندريكس وديفيد باوي وليزا مينيلي.‬
في هذه الأثناء كان المخرج برايان سينجر قد انتخب لتحقيق الفيلم. وهو باشر العمل عليه بالفعل، لكنّه سريعاً ما أخذ يترك العمل ويغيب لساعات من ثمّ لأيام. هذا أدّى إلى تدخّل مدير التصوير نيوتن توماس سيغل لكي يؤدي دور المخرج في بعض الحالات ريثما يجري البحث عن مخرج بديل (هو دكستر فلتشر)، بعد طرد سينجر من الفيلم ومنع شركة فوكس الموزعة شركته من العمل معها.‬
على صعيد أفضل فيلم كوميدي أو موسيقي فاز، حسبما توقعنا هنا، فيلم «كتاب أخضر» الذي يسرد حكاية السّائق الخصوصي الأبيض (فيغو مورتنسن) الذي يجري اختياره لقيادة عازف أسود (ماهرشالا علي) في رحاب أميركا في الستينات عندما كانت المفاهيم العنصرية ما زالت سائدة.‬
ماهرشالا نال جائزة أفضل ممثل مساند عوض سام روكوَل عن «نائب» وريتشارد إ. غرانت عن «هل تستطيع أن تسامحني أبداً؟» الأبرز بين الأسماء المشتركة في تلك المسابقة.‬
وفي حين خرج مورتنسن خالي الوفاض في نطاق أفضل ممثل في فيلم كوميدي أو موسيقي، التقط منافسه كريستيان بيل جائزة هذه المسابقة عن دوره في «نائب» لاعباً شخصية دك تشيني.‬
نسائياً، تم التغاضي عن كل ما طرح من آمال البعض بفوز الليدي غاغا بجائزة أفضل ممثلة في فيلم درامي. عوض ذلك فوجئت غلين كلوز باختيارها لهذه الجائزة، وهي نادت من على المنصة لوحدة السينمائيات صوب مزيد من العمل داخل صناعة السينما، مقترحة أن تقوم هذه الصناعة على مساواة كاملة بين الجنسين.‬
في إطار الفيلم الكوميدي والموسيقي نالت أوليڤيا كولمان جائزة أفضل ممثلة عن دورها في «المفضلة»، بينما ذهبت جائزة أفضل ممثلة مساندة إلى رجينا كينغ عن دورها الجيد في «لو استطاع شارع بيل الكلام».‬
خروج «كفرناحوم» من المسابقة بلا فوز في فئة أفضل فيلم أجنبي، كان أيضاً متوقعاً في قائمتنا هنا. وربما أحسّت المخرجة نادين لبكي بذلك قبل بداية الحفل عندما صرحت تلفزيونياً بأنّها تواجه منافسة «بعض الأفلام المهمة». أحد هذه الأفلام، وهو «روما» لم يكن من الممكن إغفاله وفاز بالفعل بجائزة أفضل فيلم أجنبي.‬

‬مستقبل مزدوج‫‬
قدمت ساندرا أوه (وهي ممثلة من أصل كوري)، الحفل بالمشاركة مع الممثل أندي سامبيرغ، وهي خرجت أيضاً بجائزة أفضل ممثلة في مسلسل تلفزيوني درامي وهو «قتل إيڤ» (Killing Eve). أبرز المرشحات في هذه الفئة كانت جوليا روبرتس عن «العودة» (Homecoming).‬
رجالياً في سباق أفضل ممثل في مسلسل درامي اعتلى ريتشارد مادن المنصة لتسلم جائزته، وبقي منافسوه جيسون بايتمان وبيلي بورتر وستيفن جيمس وماثيو ريس في أماكنهم.‬
والعتيق مايكل دوغلاس فاز بغولدن غلوب أفضل ممثل في مسلسل كوميدي عن «منهج كومينسكي»، في حين ذهبت الجائزة الموازية نسائياً إلى رايتشل بروسناهان عن «السيدة مايزل البديعة».‬
وتوزعت باقي الجوائز على الكثير من الأقسام والفائزين بها تلفزيونياً. على سبيل المثال خرجت باتريشيا أركيت بجائزة أفضل ممثلة عن مسلسل محدود وذلك لبطولتها «هروب عند دانمورا». المقابل الرجالي شهد فوز دارن كريس عن «اغتيال جياني فركاسي» وهو فيلم نال غولدن غلوب عن فئة أفضل فيلم مصنوع للتلفزيون. ‬
على هامش كل ذلك، فإنّ فوز «روما» يلقي الضوء ساطعاً على الشركة المنتجة «نتفلكس» إذ هو أول فيلم كبير لها يحصد جائزة داخل الولايات المتحدة. هذا ما أثار بعض التكهنات حول مستقبل السينما بحضور شركة منافسة تطلق أفلامها باتجاه المشاهد في دارته. وحين سُئل المخرج ألفونسو كوارون عمّا إذا كان يرى أنّ العروض المنزلية هي بداية نهاية صناعة السينما كما نعرفها أجاب: «أرى أنّ السينما المنتجة لدور العرض والسينما المنتجة للعروض المنزلية تستطيعان أن تتعايشا جنباً إلى جنب». ‬



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».