تقنية القص الجيني... اختراقات ومخاوف

علماء يدعون إلى التريث في تجربتها على الإنسان

TT

تقنية القص الجيني... اختراقات ومخاوف

أثار ادعاء باحث صيني أنه استطاع تعديل الحمض النووي لطفلتين توأم، جدلاً واسعاً بشأن أخلاقيات مثل هذه الأبحاث وسلامتها.
وطالب كثير من العلماء بفرض مزيد من الرقابة على تجارب الهندسة الوراثية. ومن المعروف أن تعديل الجينات يؤدي إلى تأثيرات وراثية غير مقصودة يمكن أن تثير المخاوف، سواء بالنسبة للأطفال أنفسهم أو للجينات البشرية لدى الأجيال المستقبلية.
وفي تجربة يُحتمل أن تكون غير مسبوقة في حال ثبت إجراؤها فعلاً، قال هي جيانكيHe Jiankui ، الأستاذ المساعد في الجامعة الجنوبية للعلوم والتكنولوجيا بمدينة شانزين الصينية أمام مؤتمر تعديل الجينوم البشري بجامعة هونغ كونغ في الثامن والعشرين نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إنه عدّل جيناً واحداً فقط، وقال إنه أجرى هذه التجارب في محاولة لمساعدة سبعة أزواج من التوائم على مقاومة إصابة مستقبلية محتملة بفيروس مرض نقص المناعة المكتسب (إتش آي في)، لكنه نجح بذلك مع طفلتين توأمين ولدتا فعلاً.

تقنية مثيرة للجدل
تتيح تقنية «كريسبر - كاس9» cas9 CRISPR للعلماء قطع ونسخ الحمض النووي الوراثي (دي إن إيه)؛ مما يزيد الآمال في إجراء إصلاح جيني للوقاية من الأمراض. ويشدد علماء الوراثة على أن من المبكر جداً إجراء مثل هذه التجارب. وقد قدم أمام المحافل العلمية في السنوات الثلاث الماضية أكثر من 60 تقريراً حول التعديل الجيني في الإنسان، أشارت أكثرها إلى أنه من غير المسؤولية المضي قدماً في استخدام تقنية تعديل الجين التي قد تشمل تغييرات غير مرغوبة في الحمض النووي (دي إن إيه).
وتقول هيلين أونيل، الباحثة في جامعة «يونيفرسيتي كوليدج - لندن»: إن الباحث الصيني التقط جيناً يسمى «سي سي آر5» CCR5؛ لأن هذا الجين معروف تماماً، وإنه يصنع البروتين الذي يسمح لفيروس نقص المناعة المكتسب (إتش آي في) بإصابة الخلايا. وأشارت إلى أن بعض البشر، وبخاصة الأوروبيون، قد حدثت عندهم طفرات طبيعية في هذا الجين بحيث أصبحوا مقاومين لبعض سلالات هذا الفيروس المدمر. لكن الباحث الصيني قال: إن تعطيل الجين في مرحلة الجنين قد يحمي الطفل مستقبلاً من الإصابة بالفيروس، وإنه استطاع أن يعدل 70 في المائة من الأجنة باستخدام تقنية تعديل الجينات لإبطال الجين «سي سي آر5»، وهو فخور بهذا العمل؛ لأن هناك ملايين الأطفال في خطر الإصابة بفيروس «إتش آي في»
وتجدر الإشارة إلى أن البحوث المتعلقة بتحويرات الأجنة البشرية بتقنية التعديل الجيني كانت قد أجريت في الكثير من الدول بما فيها الصين، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة بدعم السلطات وموافقتها لضمان سلامة التقنية.
ويحذر العلماء من التأثيرات غير المعروفة لهذه التقنية. وقد تساءل ديفيد ليو، أحد الباحثين في جامعة هارفرد في الولايات المتحدة، وهو من المشاركين في ابتكار تقنية تعديل الجينات، حول ما إذا كانت المولودتان التوأم فعلاً في حاجة إلى تعديل الجين كي يقيهما من الإصابة بالفيروس من أبويهما.
وقال روبن لوفل - باج من معهد «فرانسيس كريك» في لندن: إن الطفرات الوراثية في «سي سي آر5» غير معهودة في المجتمع الصيني، ونحن لا نعلم فيما لو أن تعديل هذا الجين يكون له تأثير غير متوقع على التوأمين، وأن «تطفير» الجين «سي سي آر5»، أي إحداث طفرة فيه، يمكن أن يزيد التحسس لأمراض معدية أخرى، مثل الانفلونزا وحمى غرب النيل.
ووقّع نحو 100 باحث وعالم في هذا المجال رسالة موجهة إلى حكوماتهم والأمم المتحدة بضرورة إيقاف كل «تجارب التكاثر البشري باستخدام الهندسة الوراثية».

تعديل الجينات
ابتكرت تقنية تعديل الجينات المعروفة باسم «كرسبرCRISPR « عام 2012، وكانت أداة للبحث في نحو 3 مليارات حرف من حروف الحامض النووي (دي إن إيه) في الجينوم. وأكثر البروتينات المستخدمة على نطاق واسع في تقنية كرسبر يسمى «كاس9»Cas9) )، الذي يقطع الحامض النووي (دي إن إيه) بعد أن يقوم بالارتباط بهدفه. وحينما يتم إصلاح القطع من قبل الخلية تضاف أجزاء من الـ(دي إن إيه)، أو تزال من الأطراف.
تكمن أهمية استخدام تقنية تعديل الجينات في علاج بعض الحالات في الناس البالغين. ونجحت التجارب الأولى التي أجريت في الصين في تحوير الخلايا المناعية بحيث تصبح أكثر فاعلية في قتل الخلايا الورمية في الإصابات السرطانية المتقدمة.
وقد تم وصفها بوضوح في عام 2015 عندما أنقذت هذه التقنية حياة الطفلة «ليلى» البالغة سنة واحدة في بريطانيا من سرطان الدم.
لأي الأهداف تستخدم تقنية تعديل الجينات؟ استخدم الباحث الصيني التقنية لكي يصبح لدى البشر مناعة من فيروس «إتش آي في»، لكن الكثير من الباحثين يعتقد أن هذه التقنية تفيد في تعديل الجينات قبل الولادة لمنع حدوث الأمراض الوراثية. كما يعتقدون بإمكانية منع الكثير من التشوهات الخلقية التي تحصل في جين واحد، مثل حالات التليف الكيسي Cystic fibrosis، وهو مرض وراثي يصيب الرئتين يمكن منع حدوثه بالتحري عن الطفرات الضارة في أجنة الأنابيب قبل إعادتها إلى رحم الأم.
وقد تساعد التقنية أيضاً الرجال الذين ليست لهم القدرة على تكوين الحيامن نتيجة لحدوث طفرات في الخلايا التي تولدها وبتعديل هذه الطفرات قد يعاد للرجل القدرة على تكوين الحيامن.
وتوجد لدى جميع البشر آلاف الجينات الضارة التي تجعلهم عرضة للسرطان أو النوبات القلبية أو الأمراض العقلية. وعملياً، يمكن للإنسان العيش فترة أطول وبصحة جيدة لو أوقفت هذه الطفرات، لكن الوقت ما زال مبكراً لتحقيق هذه الأمنيات.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً