صحافيون في مرمى نقد مواقع التواصل الاجتماعي... البعض يفضل التواري خشية الهجوم

يعتقد خبراء الإعلام أنه على الصحافيين تجاهل التعليقات المسيئة وعدم الدخول في جدل مع القراء
يعتقد خبراء الإعلام أنه على الصحافيين تجاهل التعليقات المسيئة وعدم الدخول في جدل مع القراء
TT

صحافيون في مرمى نقد مواقع التواصل الاجتماعي... البعض يفضل التواري خشية الهجوم

يعتقد خبراء الإعلام أنه على الصحافيين تجاهل التعليقات المسيئة وعدم الدخول في جدل مع القراء
يعتقد خبراء الإعلام أنه على الصحافيين تجاهل التعليقات المسيئة وعدم الدخول في جدل مع القراء

قبل سنوات كانت العلاقة بين الصحافي ومن يقرأون له تحكمها وسائل تواصل محددة من خلال البريد الورقي التقليدي، الذي غالباً ما يتم إرساله على عنوان صحيفته؛ لكن مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي أغرت الصحافيين لنشر إنتاجهم عليها للوصول إلى قطاعات أوسع من القراء، تحولت العلاقة إلى مواجهة مباشرة ونقد لهذا المحتوى، مما دفع بعض الصحافيين بالتواري عن هذه الصفحات خشية الهجوم. ويرى خبراء إعلام أن «تعرض الصحافيين والكتاب للنقد والهجوم الذي يصل في أحيان كثيرة إلى «الشتم والسباب» بألفاظ قاسية بسبب ما يكتبونه، يرجع بالأساس إلى تنوع جمهور مواقع التواصل، الذي تتباين وجهات نظره من كل القضايا.
وقال الكاتب الصحافي عماد الدين حسين، رئيس تحرير صحيفة الشروق «المصرية»، إنه اضطر إلى إغلاق خاصية التعليقات وتفاعل القراء على موقع صحيفته، بسبب التعليقات التي تأتي يومياً بكثافة وتتضمن شتائم وسباباً، إذ يصعب حذف هذا الكم الهائل من التعليقات. مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «أتلقى الكثير من الانتقادات يومياً سواء على صفحة الصحيفة على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، أو على صفحتي الشخصية، وأتعامل معها برحابة صدر، وأدخل أحياناً في نقاشات مع أصحابها، وكثير منهم يقتنعون بوجهة نظري... فعلى الكاتب أن يتعامل مع هذه التعليقات بمنطقية وبساطة شديدة، فكما أتلقى شتائم أتلقى أيضاً مديحاً وثناءً، وهذه طبيعة (السوشيال ميديا)، فهي منذ نشأتها لصيقة بالاستقطاب والانقسام خاصة في القضايا السياسية، كما ترتبط باستخدام لغة أكثر حدة».
وتضع تعليقات القراء اللاذعة الكثير من الصحافيين في مشكلة مع مصادرهم، إذ تتحول المواجهة إلى حملة انتقادات واسعة تجاه المصدر بسبب رؤيته في قضية ما، ويضطر الصحافي إلى حذف التعليقات التي تسيئ لمصدره.
الصحافي خالد وربي من صحيفة التحرير «المصرية» قال لـ«الشرق الأوسط»: «أحب التفاعل مع القراء على صفحتي الشخصية، ولا أحذف أي تعليقات مهما كانت مسيئة؛ لكني أضطر إلى حذف تلك التي تسيئ للمصدر، وكثيراً ما أدخل في نقاشات مع المتفاعلين استفيد منها لتقييم موضوعيتي، إذ يحدث أحياناً أن أكتشف من خلال الحوار أنني أغفلت وجهة نظر معينة في القضية التي تناولتها».
وتمثل تفاعلات وتعليقات القراء مادة خصبة بالنسبة لبعض الكتاب، تتطلب الدراسة والتحليل لفهم طبيعة جمهور «السوشيال ميديا» الذي يعكس وجهة نظر قطاع كبير من المجتمع تجاه الكثير من القضايا.
ويحرص الكاتب الدكتور خالد منتصر، على متابعة ودراسة تعليقات القراء من دون الدخول في حوار معهم، بسبب الطبيعة الجدلية للقضايا التي يتناولها في كتاباته، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أتابع التعليقات بدقة شديدة لفهم أطر ومرجعيات تفكير أصحابها، وأقوم فقط بحذف التعليقات التي تتضمن شتائم موجهة لأسرتي وعائلتي، وأدرك طبيعة جمهور (السوشيال ميديا)، فهو مغرم بوسواس تصنيف الكاتب ووضعه في برواز محدد... كما أدرك طبيعة القضايا الجدلية التي أتناولها، خاصة قضايا التنوير التي تهدف بالأساس إلى نشر المنهج العقلي في التفكير».
تصنيف الكتاب والصحافيين في عالم «السوشيال ميديا» لا يتوقف عند حد القضايا السياسية المحلية، أو التنويرية الجدلية التي تهم قطاعات واسعة من المجتمع؛ لكنه يمتد إلى الكثير من القضايا العربية الإقليمية والأحداث الدولية.
ويرى الكاتب الصحافي العراقي، علي الكليدار، أن «موقف الكاتب من القضايا العربية الهامة غالباً ما يكون سبباً في إثارة الجدل بين القراء بنفس قدر ما يثار حول تناوله لقضايا مجتمعه المحلي، وكذلك الكتابات التي تتعلق بأحداث دولية، إذ يربط القراء في أحيان كثيرة بينها وبين ما يحدث في مجتمعهم». مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أنه «يجب على الكاتب أن يتعامل مع الانتقادات باعتبارها شيئاً طبيعياً مهما كانت مسيئة، لأنها إفراز طبيعي للمجتمع؛ بل إن عليه أن يكون قدوة عملية في آداب الحوار، من خلال الرد على وجهات النظر المختلفة بشكل موضوعي مهذب لا يختلف عن الطريقة التي يكتب بها على صفحات الصحف، لأن من مهمة الكاتب الارتقاء بوعي مجتمعه».
ويعتقد خبراء الإعلام أنه على الصحافيين والقراء تجاهل التعليقات المسيئة وعدم الدخول في جدل مع القراء... كما يجب على المواقع الإلكترونية تفعيل «مدونة سلوك» لفلترة التعليقات التي تتضمن شتائم قبل نشرها.
من جانبها، قالت الدكتورة ليلى عبد المجيد، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة لـ«الشرق الأوسط»: «إن جمهور (السوشيال ميديا) مختلف عن الجمهور التقليدي، ولا يتقيد بأي معايير، لذلك يجب أن تقوم الصحف والمواقع الإلكترونية بتفعيل آلية (حارس البوابة) على صفحاتها الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي، من خلال مدونة سلوك تكون مهمتها استبعاد التعليقات غير المناسبة للنشر... ففي كثير من الدول تقع المسؤولية القانونية عن نشر التعليقات على الصحيفة وليس القارئ، كما يجب توعية الجماهير بضورة الالتزام بالمعايير المعروفة للنقد دون تجريح».


مقالات ذات صلة

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
إعلام الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية» في الرياض.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي الهواتف الجوالة مصدر معلومات بعيداً عن الرقابة الرسمية (تعبيرية - أ.ف.ب)

شاشة الجوال مصدر حصول السوريين على أخبار المعارك الجارية؟

شكلت مواقع «السوشيال ميديا» والقنوات الفضائية العربية والأجنبية، مصدراً سريعاً لسكان مناطق نفوذ الحكومة السورية لمعرفة تطورات الأحداث.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي جنود إسرائيليون يقودون مركباتهم في منطقة قريبة من الحدود الإسرائيلية اللبنانية كما شوهد من شمال إسرائيل الأربعاء 27 نوفمبر 2024 (أ.ب)

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

أصيب مصوران صحافيان بجروح بعد إطلاق جنود إسرائيليين النار عليهما في جنوب لبنان اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».