الأب أنستاس الكرملي... حارس اللغة العربية

رحل في مثل هذا اليوم قبل 72 سنة

الأب أنستاس الكرملي
الأب أنستاس الكرملي
TT

الأب أنستاس الكرملي... حارس اللغة العربية

الأب أنستاس الكرملي
الأب أنستاس الكرملي

راهب ولغوي وباحث في التاريخ، هي أبرز صفات الأب أنستاس ماري الكرملي، الذي لا يمكن تخيّل أي حديث عن الثقافة العراقية من دون الوقوف عند اسمه وأثره، فهو أحد مؤسسي هذه الثقافة في سياق مشروعها التأسيسي، بعد الاحتلال الإنجليزي للعراق عام 1914، وفي سياق الحفاظ على عروبة هذه الثقافة وسط مهيمنات الاغتراب، والموروثة من ركاكة «العثمنة التركية» ومن الأنكلوفونية التي حاول الاستعمار الإنجليزي التبشير بها.
علاقة الكرملي باللغة العربية علاقة وجودية، فرغم معرفته بكثيرٍ من اللغات الأخرى (اللاتينية، واليونانية، والسريانية، والإنجليزية، والفرنسية، والمندائية، والتركية، والفارسية) فإن حرصه على اللغة العربية كان من منطلق هوياتي وتاريخي، ومن منطلق ثقافي لساني أدرك من خلاله أن هذه اللغة هي الفضاء والجسر والمقاومة والوعي، وهذا الإدراك وضعه أمام جملة من التحديات السياسية خلال أواخر الحكم العثماني للعراق، فضلاً عن التحديات الثقافية التي أعطت لعلاقته مع اللغة طاقة متعالية للمواجهة، ولتجاوز عقدة «الاغتراب الداخلي» الذي كان يعاني منه كثير من المثقفين العراقيين، وحتى حرصه الشديد على الاحتفاظ بمعارفه للَّهجات العراقية المتعددة، كان بدافع الحافظ على روح اللغة، وعلى شفراتها الحاملة للوجود، ولشفرات التفكير بها، أو من خلالها.
من أكثر العلامات الفارقة في حياة الكرملي «معجمه المساعد» الذي قام بتحقيقه - بعد وفاته - الباحثان عبد الحميد العلوجي، وكوركيس عواد عام 1972؛ إذ عدَّ هذا المعجم واحداً من أهم المعاجم التي أغنت البحث اللغوي وعياً وحفراً ومعرفة بتاريخية اللغة وبوظائفها في إغناء الفكر والكتابة، وفي تشذيبها من النافر والوحشي، وكأنه في هذا المبحث قد ناظر ابن منظور، الباحث المعجمي، والعارف بمظانها وشجونها، وبتعالقاتها وأغراضها. وحتى حياته «الكنائسية» لم تكن بعيدة عن هذه الأجواء الثقافية، إذ كانت كتاباته تنطلق من فهمه للرسالة الثقافية، وللغة التي تحملها، فهي «لسان العرب الذي لا يدانيه أي لسان كما يقول»، وهذا ما جعل «دير الآباء الكرمليين» مجالاً مفتوحاً للتواصل الثقافي، ولتأليف كثير من الكتب التي تُعنى بالثقافة بشكلٍ عام، وباللغة، وبقيمتها الخطابية والمعرفية.

الأصول والثقافة

رغم أصوله اللبنانية من مدينة بكفيا، إلا أن ولادته في العراق، ومن أم عراقية أغنت وجوده، وعمَّقت علاقته في المكان، وفي السياق الثقافي، لا سيما أن الآباء الكرمليين كان لهم دور كبير في إنشاء الحركة المسرحية في العراق، فضلاً عن مطبعتهم التي كان لها حضور مميز في طبع كثير من الكتب الثقافية والدينية.
حمل اسم الأب أنستاس الكرملي خلال وجوده في مدينة مونبلييه الفرنسية، منخرطاً في الدراسة الدينية، التي دفعته إلى معرفة علاقة الدين باللغة، وبالأصول الشرقية والعربية لها، باحثاً في مرجعياتها، وفي تاريخها، وفي حمولاتها المعرفية، والاندفاع نحو التأليف فيها، وفي التعرف على ما أنجزه العرب من علوم ومعارف في اللغة وفي غيرها، وهو ما أشار إليه تلامذته الكبار، مثل الدكتور مصطفى جواد، وكوركيس عواد.
المنجز الثقافي للكرملي لا يمكن تحديده، فموسوعيته جعلته يبحث في مجالات متعددة، عبر البحث في التراث وفي الفلكلور الشعبي، وفي الكتابة عن العادات واللهجات، وفي الأزياء، والأديان والجغرافيا، وحتى في الصحافة التي هو من أبرز رموزها الكبار.
ويمكن أنْ نعد إصداره مجلة «لغة العرب» عام 1911 المحطة الأكثر تأثيراً في مسيرته، وفي مسار الثقافة العراقية والعربية، إذ تحولت هذه المجلة إلى فضاء ثقافي كبير، استقطب كثيراً من الكُتَّاب والباحثين في علوم اللغة، وكان لها أثرها في اختياره عضواً في مجامع اللغة العربية في بغداد ودمشق والقاهرة، فضلاً عن عضويته في مجمع اللغات المشرقية.
كما أنَّ عمله مديراً لتحرير جريدة «العرب» التي صدرت عام 1917 أثار حوله جدلاً كثيراً، بسبب ارتباط هذه الجريدة بالاحتلال الإنجليزي. ورغم العنوان الذي حملته الجريدة، بأنها «جريدة سياسية إخبارية تاريخية عمرانية، عربية المبدأ، والغرض من إنشائها في بغداد عرب للعرب» فإن رئاسة تحرير المجلة من قبل «مس بيل» الشخصية الإنجليزية المعروفة، أسبغت عليها طابعاً خاصاً؛ لكن إصرار الكرملي على عروبة الرسالة الثقافية، واستمرار صدور هذه الجريدة، وقيام كثير من الأدباء والصحافيين العراقيين المعروفين، قلل من ذلك الجدل؛ حيث حفلت الجريدة بكتاباتهم التي كانت تندد بالاستعمار، وبالسخط على الاستعمار التركي الذي كان مسؤولاً عن إشاعة الجهل والتخلُّف بين العراقيين، ومن أبرز من كتب فيها: عبد الفتاح إبراهيم، وجميل صدقي الزهاوي، ومعروف الرصافي، ويوسف غنيمة، وغيرهم.

التأليف والتنوير

الاهتمام باللغة العربية عند الكرملي وضعه في سياق ثقافي استثنائي، ليس في مجال التأليف وحسب؛ بل في مجال ربط هذا التأليف بالتعريف بموروث اللغة، وبالمدن الحضارية الناطقة بها، وبتاريخ تطورها، وارتباط هذا التاريخ مع تاريخ العلوم والفلسفات وعلم الكلام والفقه وغيرها، التي عززت من قيمة هذه اللغة بوصفها لغة للعلوم، ولغة للحضارة.
فدفاعه عن اللغة كان ينطلق من مرجعيات ثقافية في جوهره، وليس لأغراض نحوية أو صرفية مجردة، ولعل كثيراً من الكتب التي كتبها تؤكد هذه الحقيقة، وتعكس مدى اهتمام الكرملي بها؛ حيث تحولت مجلته العتيدة «لغة العرب» إلى قوة صيانية للغة، ومرجعاً تاريخياً مهماً إلى يومنا هذا، لا سيما أن ارتباطها بعدد من المجامع اللغوية العربية أعطى لها أفقاً مفتوحاً للتجديد، ولتنوير القراء والباحثين في المظان اللغوية، بفاعلية هذا التجديد في حياتنا وفي ثقافتنا وفي تداولنا للغة ولعوالمها.

من أبرز الكتب التي تركها الكرملي

أغلاط اللغويين الأقدمين، والفوز بالمراد في تاريخ بغداد، ومختصر تاريخ العراق، وجمهرة اللغات، وأديان العرب، ونشوء اللغة ونموها واكتهالها، وشعراء بغداد وكتابها، والعرب قبل الإسلام، كما قام بتحقيق جزء من معجم العين للفراهيدي، وكتاب نخب الذخائر في أحوال الجواهر لابن الأكفاني، والإكليل للهمداني، وفضل العرب في علم الحيوان، والنقود العربية وعلم النميات، والرسائل المتبادلة بين الكرملي وتيمور (عني بتحقيقها والتعليق عليها كوركيس عواد، وميخائيل عواد، وجليل عطية)، والمساعد، الذي حققه وعلّق عليه كوركيس عواد؛ وعبد الحميد العلوجي، وغيرها من المخطوطات التي لم تُحقق لحد الآن.



اعترافات الفنانات خلال مقابلات إعلامية... جدل متجدد يُثير تفاعلاً

الفنانة المصرية رانيا يوسف (فيسبوك)
الفنانة المصرية رانيا يوسف (فيسبوك)
TT

اعترافات الفنانات خلال مقابلات إعلامية... جدل متجدد يُثير تفاعلاً

الفنانة المصرية رانيا يوسف (فيسبوك)
الفنانة المصرية رانيا يوسف (فيسبوك)

بعض التصريحات التي تدلي بها الفنانات المصريات لا تتوقف عن تجديد الجدل حولهن، وإثارة التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بتفاصيل حياتهن الشخصية والنصائح التي يوجهنها للجمهور بناء على تجاربهن، وهو أمر برز خلال لقاءات إعلامية عدة في الأسابيع الماضية.

أحدث هذه التصريحات كانت من نصيب الفنانة المصرية رانيا يوسف، في برنامج «ع الرايق»، بعدما تطرقت لتعرضها للضرب من زوجيها الأول والثاني، مع نصيحتها للفتيات بألا تقل فترة الخطوبة قبل الزواج عن 3 أو 4 سنوات، فضلاً عن نصيحتها لبناتها بعدم الزواج قبل سن الـ30 عاماً.

وقالت رانيا إن «طبيعة العلاقات في الوقت الحالي أصبحت تتطلب مزيداً من العمق والتفاهم بين الطرفين، بعيداً عن السطحية والانجذاب المؤقت»، محذرة من تعامل النساء بمشاعرهن عند البحث عن الشراكات العاطفية التي تحقق لهن السعادة والاستقرار.

وجاءت تصريحات رانيا بعد وقت قصير من تصريحات للفنانة زينة عن حياتها الشخصية وإنجابها طفليها التوأم بمفردها في الولايات المتحدة وصعوبة الأيام الأولى لهما مع مرضهما، بالإضافة إلى الفترة التي قضتها بمفردها في الغربة. وكذلك تطرقت إلى تفاصيل كثيرة عن حياتها، خصوصاً في ظل تحملها مسؤولية دور الأم والأب ووجودها مع نجليها بمفردها.

الفنانة المصرية زينة (فيسبوك)

وكانت الفنانة لبلبة قد أثارت جدلاً مشابهاً عندما تحدثت عن طفولتها الصعبة التي عاشتها واضطرارها للعمل من أجل الإنفاق على عائلتها بجانب انشغالها بمسؤوليات الأسرة وأشقائها، الأمر الذي جعلها تحاول أن تعوض ما لم تعشه في طفولتها.

من جهتها، تؤكد الناقدة المصرية ماجدة موريس أن «بعض الفنانين لا يكون قصدهم دائماً إثارة الجدل بالحديث عن حياتهم الشخصية أو مواقف سابقة مروا بها»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض التصريحات تخرج بشكل عفوي، لكن التفاعل يحدث معها نتيجة اهتمام الجمهور بمتابعتهم».

وأضافت أن «رانيا يوسف على سبيل المثال مرّت بتجارب مختلفة، وبالتالي عندما تتحدث عن صعوبة ثقتها في الرجال، بالإضافة إلى نصيحتها بتأجيل خطوة الزواج للفتيات؛ فهي تحاول إبداء رأي تعتقد أنه صواب»، لافتة إلى أهمية التعامل مع الفنانين باعتبارهم بشراً من حقهم الإدلاء بآرائهم، لكن ليس بالضرورة أن تكون جميع آرائهم صحيحة أو غير قابلة للتغير مع مرور الوقت.

الفنانة المصرية لبلبة (فيسبوك)

وهنا يشير مدرس علم الاجتماع بجامعة بني سويف، محمد ناصف، إلى «ضرورة التفرقة بين المواقف الشخصية والخبرات التي يتحدث بها الأشخاص العاديون، وبين المشاهير الذين تكون لديهم قاعدة جماهيرية ومصداقية ربما أكثر من غيرهم وإمكانية وصول لأعداد أكبر من الجمهور عبر البرامج والمنصات»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «جزءاً من الجدل يكون مجتمعياً في الأساس، لكن بدايته تكون من تصريحات المشاهير».

وأضاف أن «هناك تبايناً في الآراء قد يصل لدرجة التناقض بين الأفراد داخل المجتمع، وهو أمر يتوجب فهمه في إطار الخلفيات الاجتماعية والعادات والخبرات التي يمر بها كل فرد، وبالتالي ستجد من يقتنع بكل رأي يقال حتى لو لم يكن صحيحاً من الناحية العلمية»، لافتاً إلى ضرورة فتح نقاشات أعمق حول بعض الآراء عبر وسائل الإعلام.

وهو الرأي الذي تدعمه الناقدة المصرية، موضحة أن «آراء الفنانين تسلط الضوء على موضوعات قد تكون محل جدل مجتمعي، لكن تبرز لوسائل الإعلام مع إعلانها من المشاهير»، لافتة إلى أن «بعض الآراء قد تعرض أصحابها لانتقادات من شرائح أكبر عبر مواقع التواصل، لكن على الأرجح يكون لدى الفنان القدرة على تحمل تبعات موقفه وشرح وجهة نظره التي ليس بالضرورة أن تتسق مع رأي الغالبية».