حملة مغربية على أكياس البلاستيك بعد عودتها إلى الأسواق

حملة مغربية على أكياس البلاستيك بعد عودتها إلى الأسواق
TT

حملة مغربية على أكياس البلاستيك بعد عودتها إلى الأسواق

حملة مغربية على أكياس البلاستيك بعد عودتها إلى الأسواق

عادت أكياس البلاستيك إلى الظهور في الأسواق المغربية بشكل واسع، رغم حظر استعمالها منذ استضافة المغرب الدورة الـ21 لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية، الذي عقد بمراكش قبل نحو 3 سنوات. الأمر الذي أثار قلق المدافعين عن البيئة، ولم تفلح الإجراءات التي اتخذت لمنع استعمال تلك الأكياس في منع إعادة إنتاجها وتسويقها لتجد طريقها مرة أخرى إلى بيوت المغاربة مملوءة بالخضر والفواكه قبل أن يجري التخلص منها لتتحول إلى نفايات مضرة جداً بالبيئة.
وكان المغرب قد أطلق حملة واسعة قبيل احتضان المؤتمر الدولي حول المناخ تحت شعار «زيرو ميكا» أي «صفر بلاستيك» للإعلان عن اعتزامه القضاء نهائياً على تلك الأكياس، ونشر ثقافة بديلة تحثّ المغاربة على استعمال الأكياس الورقية، أو القفة المصنوعة من القش التي كان سائدة في الماضي.
ورغم الارتباك الذي أحدثه في البداية الاختفاء التدريجي لأكياس البلاستيك، من الأسواق، وتذمر كثيرين من فرض هذا التغيير، بعدما أصبح التجار يفرضون على الزبائن أداء ثمن الأكياس الجديدة، أو جلب أكياس من البيت قبل الخروج للتسوق، فإنه مع مرور الوقت تعوّد معظم الناس على الوضع الجديد.
والتزم عدد كبير من المتاجر، ولا سيما الكبرى منها، بعدم استعمال الأكياس البلاستيكية وتعويضها بأخرى قابلة لإعادة التدوير، وظلت رائجة بشكل محدود وبشكل سري في المحلات الصغيرة، إلى أن عادت إلى الظهور بشكل علني وبكميات كبيرة، ولا سيما في الأسواق التقليدية.
ولم تنجح الغرامات المالية التي طبقت على بعض المخالفين للحد من انتشار الأكياس البلاستيكية، فقررت الحكومة تشديد العقوبات وإعادة النظر في قانون المنع الذي تضمن بعض الثغرات التي استغلها منتجو تلك الأكياس. إذ تقرر من خلال تغيير القانون إضافة تعاريف جديدة لمادة البلاستيك مثل «مادة أولية بلاستيكية ومادة بلاستيكية نصف مصنعة»، وإضافة مواد جديدة تهدف إلى ضبط نشاط المصنّع، وذلك من خلال تصريح يودعه لدى الوزارة المكلفة الصناعة، قصد إخبارها بطبيعة النشاط الذي يمارسه، وإضافة مواد جديدة تهدف إلى تحديد مهام الأعوان المكلفين بالمراقبة فيما يخص التفتيش والحجز والمعاينة، وتحرير المحاضر ومنحهم صلاحيات جديدة، وحصر تداول بعض الأكياس البلاستيكية بين المصنع والمستورد ومستعملها، الذين يستعملونها للأغراض الموجهة إليها، وتعزيز الشفافية بين الأشخاص المكلفين بالمراقبة والأشخاص المراقبين، وتمديد مدة العود من 6 أشهر إلى 5 سنوات، كما تقرر رفع بعض العقوبات، وإضافة عقوبات جديدة، وعدم تمتيع المخالفين بظروف التخفيف، ولا سيما ما يخص المخالفات المتعلقة بالغرامات المالية.
ودافعت الحكومة المغربية عن حصيلة تطبيق قانون منع الأكياس البلاستيكية، وأقرت في المقابل أنه رغم مرور سنتين ونصف سنة على تطبيقه «ما تزال بعض الأسواق التقليدية تستعمل الأكياس الممنوعة وظهرت بعض الطرق الجديدة لإنتاج وتوزيع الأكياس في القطاع غير المهيكل».
وقال مولاي حفيظ العلمي، وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي: «إن القانون 77.15 شكّل نقطة تحول بالنسبة لبلدنا في العمل من أجل منع صنع الأكياس من مادة البلاستيك واستيرادها وتصديرها وتسويقها واستعمالها».
وأضاف أن الحصيلة كانت تخفيض استهلاك المادة الأولية التي تستعمل في صنع هذه الأكياس بـ35 ألف طن ما بين 2015 و2018 بما يعادل 50 في المائة، كما تم إرساء نظام للمراقبة على مستوى التصنيع من قبل وزارة الصناعة وفي معابر الحدود من طرف إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، وفي الأسواق من طرف وزارة الداخلية؛ حيث تم إنجاز 739 ألف عملية مراقبة من طرف وزارة الداخلية ما بين يوليو (تموز) 2016 إلى 28 ديسمبر (كانون الأول) 2018، بالإضافة إلى 4600 عملية مراقبة من طرف وزارة الصناعة.
وبلغ مجموع المخالفات المرتبطة بالسوق 4389 مخالفة، وحجز 821 طناً من الأكياس الممنوعة. أما على مستوى المعابر الحدودية فتم حجز 107 أطنان من الأكياس؛ كما صدر 757 حكماً قضائياً مع مبلغ غرامات قُدر بـ5 ملايين درهم (500 ألف دولار).
وكشف الوزير المغربي أن الحملات التي تم القيام بها لجمع الأكياس المنتشرة في الطبيعة مكّنت من جمع 7500 طن بكلفة مالية بلغت 83 مليون درهم، (8.3 مليون دولار)، وتم التخلص منها وفق الشروط البيئية المنصوص عليها.
أما بشأن الإجراءات الأخرى التي اتخذها المغرب لمواكبة هذا المنع فتتثمل في إنشاء صندوق دعم تحويل هذا النشاط، بتكلفة تقدر بـ200 مليون درهم (20 مليون دولار)، استفادت منه 15 مقاولة من أصل 27 مقاولة، بدعم بلغ 75.5 مليون درهم (7.5 مليون دولار) من أجل مشروعات لتصنيع المنتوجات البديلة؛ وشكلت الأكياس الورقية البديلة 47 في المائة، والأكياس المنسوجة 13 في المائة، وأكياس أخرى غير منسوجة 40 في المائة.
كما تم إحداث صندوق لدعم تنافسية المقاولة لدعم مشروعات الاستثمار بما فيه المنتوجات البديلة، حيث استفاد 21 مشروعاً من برنامج امتياز، من بينها 16 مشروعاً لتصنيع المنتوجات البديلة، ما أحدث أزيد من 2000 منصب عمل، ويوجد اليوم نحو 250 موزعاً لهذه المنتوجات البديلة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)