في نهاية شارع الحبيب بورقيبة، وسط مدينة تونس العاصمة، يظهر «باب البحر» الأثري بوضوح وسط ساحة النصر، فاصلاً ما بين المدينة القديمة، والحديثة، إذ كان يلتف حوله مجموعة من السائحين الصينيين، الذين فرغوا لتوهم من زيارة «المدينة العتيقة» وفي أيديهم بعض التحف والأنتيكات الصغيرة التي ترمز لتونس، بينما كان يقف شرطيون وسط الباب لتأمين حركة السياحة الوافدة إلى المنطقة.
من ساحة النصر التي تتوسطها نافورة مائية، وتحيطها الفنادق التراثية القديمة، يدلف الزائر إلى شوارع المدينة العربية العتيقة المليئة بالمحال والبازارات التجارية المتنوعة، في اتجاه مسجد الزيتونة الأثري. وتبيع المحلات منتجات وقطعاً متعددة من بينها لوازم الحج والعمرة، والزي التونسي التقليدي (الجبة، والكبوس، والشاشية) للرجال، و(الحولي، والحرام، والقفطان النسائي، والحايك) للسيدات، بجانب الخواتم الفضية. كان يفصل بين تلك المحال بعض الأركان الضيقة لبيع أنواع مميزة من الحلويات التونسية، مثل المقروض بالتمر والسمسم، والشبكية، وصمصة، ويويو، يحرص المارة والسائحون على تذوقها للتعرف على جانب من جوانب المطبخ التونسي.
شوارع المدينة العربية العتيقة المغطاة بأقبية دائرية تلفت أنظار الزائرين وتضفي أجواء من الخصوصية على المنطقة، إذ تشعرهم بأنهم داخل محل واحد وليس مدينة كاملة ضيقة. ورغم أن شوارعها وأزقتها ليست مستقيمة فإن السلطات التونسية أنشأت أرضية حجرية بمنحنيات مائلة لتجميع مياه الأمطار مع مراعاة سير الأشخاص بسهولة ويسر.
ويستطيع الزائر كذلك الجلوس على مقاهٍ عتيقة داخل شوارع المدينة القديمة الرئيسية، لاحتساء الشاي والقهوة، والاستمتاع بجمال وروعة الطراز المعماري القديم، ومقتنيات البازارات المجاورة.
ويتميز بائعو البازارات في المدينة القديمة، بتجنب أسلوب الإلحاح على الزبائن في البيع والشراء، مثل عادة بعض بائعي المدن العربية التاريخية. كما تخضع عمليات البيع والشراء إلى عمليات تفاوض مرنة، وتتراوح أسعار الأطباق المعدنية المنقوش عليها علم تونس من 5 دنانير تونسية، وحتى أكثر من 20 ديناراً (الدولار الأميركي يعادل 2.9 ديناراً تونسياً)، حسب حجم الطبق ونوعية مادته الخام. بينما تبلغ أسعار بعض القطع التذكارية الصغيرة أقل من 5 دنانير. ويحرص الكثير من الزوار على شراء هدايا وميداليات تذكارية عليها علم تونس أو تشير إلى التراث الوطني التونسي.
لدى خروج الزائر من شارع المدينة العتيقة الرئيسي، يرى أخيرا ألوان السماء مرة أخرى عندما تتعانق مع قباب ومئذنة جامع الزيتونة الأثري الشهير وسط تونس، إذ يؤدي الشارع نحو ساحته الفسيحة بعد فترة من السير داخل شارع أو «نهج» - كما يطلقون عليه في تونس - أشبه بالنفق. وأمام تلك الساحة تشير لافتة كبيرة إلى «مركز التكوين والتدريب في الحرف التقليدية التونسية (الباشية)».
في زاوية متسعة من شارع جامع الزيتونة، كان يجلس بعض صانعي السجاد اليدوي، بجوار معروضاتهم متعددة الأشكال والأحجام والمناظر والألوان، في انتظار بيعها. واقترن تاريخ جامع الزيتونة بتأسيس مدينة «تونس الإسلامية» قبيل نهاية القرن الأول الهجري، إذ كانت المدينة العتيقة، لا يوجد بها سوى جامع واحد، وهو جامع الزيتونة، حيث تمحورت حوله الحياة الدينية والعلمية والاجتماعية والسياسية. ورغم اختلاف المؤرخين حول مؤسسه وتاريخ بنائه، فإن طرازه المعماري الفريد وقبابه الأثرية وزخارفه توضح بصورة لافتة أنه من أقدم وأجمل مساجد العالم الإسلامي.
ولرؤية جامع الزيتونة من منطقة مرتفعة، على الزائر السير داخل أزقة ضيقة وسط المحال التجارية التقليدية، بمنطقة تسمى «أسواق الباي»، وكلمة «الباي» مشتقة من كلمة ولقب الـ«بيه» أو «البك» التركية. ولالتقاط صور بانورامية جيدة للمدينة العتيقة، يصعد بعض زائري المدينة إلى «دار الباي» الأثرية، والتي تعرض فيها السلطات التونسية أدوات النسج القديمة، بجانب عرض مقتنيات وغرفة نوم «الباي»، أو الحاكم العثماني الذي كان يحكم تونس خلال القرون الماضية.
ورغم أن البائعين لا يلحون على زبائنهم في الشراء، فإن بعضهم يتحايل على الأشخاص الأجانب، من خلال تقديم بعض النصائح لهم والسير معهم مسافات قصيرة بحجة إرشادهم طواعية، إلى بعض الأبنية التاريخية التي يسأل الزائرون عنها، قبل أن يطلبوا منهم الذهاب معهم إلى محالهم التجارية لشراء العطور. لكن الباحث الأثري أحمد الصيادي، لا ينصح بذلك حتى لا يتعرضوا للاحتيال. وذكر مصطفى محمد، وهو بائع أزياء تقليدية تونسية بالمدينة العتيقة أن «الأسعار ليست موحدة وغير ثابتة وتعتمد على مهارة البائع وجدية المشتري». وأضاف: «تبدأ أسعار الجبة العربي التونسية من مبلغ 75 ديناراً تونسياً، وتصل حتى ألف دينار، للجبة المفصلة باليد حسب نوع القماش، بينما يبدأ سعر القفطان النسائي، أو البرنوس من 100 دينار وحتى 3 آلاف دينار للقطعة الواحدة».
منتجات «المدينة العتيقة» ذكريات يحملها معه السائح إلى بلده
السجاد اليدوي والزي التقليدي التونسي والعطور والأنتيكات
منتجات «المدينة العتيقة» ذكريات يحملها معه السائح إلى بلده
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة