مسرح الأطفال الروسي يأخذ «رجل الثلج» إلى أفريقيا

فرقة باليه الأطفال في مدينة يكاتيرينبورغ
فرقة باليه الأطفال في مدينة يكاتيرينبورغ
TT

مسرح الأطفال الروسي يأخذ «رجل الثلج» إلى أفريقيا

فرقة باليه الأطفال في مدينة يكاتيرينبورغ
فرقة باليه الأطفال في مدينة يكاتيرينبورغ

تشكل فترة الاحتفالات بأعياد الميلاد ورأس السنة مناخاً مناسباً للهروب قليلاً من عالم الواقع إلى عالم الخيال؛ حيث حكاية {رجل الثلج} (سانتا كلوز) بردائه الأحمر ولحيته البيضاء، ووجهه الطيب الذي يبث المحبة والدفء في الروح. وجرت العادة أن تدور تفاصيل كثير من الحكايات الطيبة المتصلة بالأعياد في المناطق الباردة من العالم؛ حيث يغطي الثلج الأبيض كل شيء نهاية العام.
ولم تخرج فرقة باليه الأطفال في مدينة يكاتيرينبورغ الباردة جداً شمال روسيا عن تقاليد الميلاد، باعتبارها مرحلة للمضي في رحلة نحو عالم الخيال، وذهبت في رحلة خيالية فريدة، عبر عرض فني راقص - غنائي، تقدم فيه «سانتا كلوز» لأول مرة في عالم يختلف تماماً عن عالمه التقليدي، وتأخذه في فقرات العرض بعيداً عن شمال الكرة الأرضية، باتجاه الجنوب؛ حيث الدفء يهيمن طيلة أيام السنة، ويعد تساقط الثلوج هناك ظاهرة منافية للطبيعة، وذلك في المسرحية التي أطلقت عليها «سانتا كلوز وعيد الميلاد في أفريقيا». تبدأ تفاصيل مغامرة «سانتا كلوز» وحفيدته الروسية «سنيغورتشكا» أي «الثلجية»، من سؤال يطرحه الجد ذو اللحية البيضاء: «هل يفترض أن نكون في عيد رأس السنة في أفريقيا؟». ويقرران معاً أن الجميع في أي بقعة من الأرض لهم الحق في فرحة العيد بكل تفاصيلها. ورغم إدراكهما لطبيعة المناخ في تلك المناطق، وحرارة الجو التي لا تتناسب مع طبيعة زي «سانتا كلوز» المخصص ليحميه من برد الشتاء، ومع قلقهما على مصير «سنيغورتشكا» الفتاة المصنوعة من الثلج، واحتمال أن تذيبها أشعة الشمس هناك، فإنهما يقرران الذهاب إلى أفريقيا، للاحتفال مع الكبار والصغار هناك بمناسبة عيد رأس السنة.
وفي أفريقيا ينتظرهما كثير من المغامرات الشيقة المثيرة، مع نهاية طيبة وجميلة، كما هو حال كل حكايات أعياد نهاية العام.
يقول مخرج العرض، إن مسرحية «سانتا كلوز في أفريقيا» هو «العمل الفني الأول من نوعه؛ حيث تتجاوز مناطق نشاط (سانتا كلوز) بيئته الطبيعية، وتنقله إلى عالم مختلف؛ حيث قمنا بإضافة شخصيات جديدة إلى عالم الأعياد الخيالي».
واستخدم الفنانون مجموعة من الأزياء التقليدية لشعوب وسط أفريقيا، اندمجت أثناء العرض مع أزياء حملها معه «سانتا كلوز» من عالمه. وكذلك كانت الموسيقى المرافقة للعروض الراقصة، مزيجاً بين موسيقى قبائل أفريقية وموسيقى الأعياد المعروفة.
وترك العرض انطباعات إيجابية للغاية لدى الكبار والصغار ممن شاهدوه. وقال طفل تابع العرض، وتفاصيل مغامرة «سانتا كلوز» في أفريقيا، إن «الحكاية جميلة للغاية، وجعلتني أتمنى الاحتفال ذات يوم بعيد رأس السنة ضمن تلك الطقوس الأفريقية الجميلة التي عشناها مع الجد (كلوز) وحفيدته، أثناء رحلتهم نحو الجنوب الحار».
بعد تلك الرحلة المثيرة، عادت الفرقة ضمن عروضها على خشبة المسرح إلى عالم الحكايات في روسيا، وقدمت عرضاً جديداً، يحكي قصة دب حزين؛ لأنه يمضي حياته دون الاحتفال بعيد الميلاد ورأس السنة، بسبب غرقه في ذلك الوقت من العام في «السبات الشتوي». إلا أن فرقة باليه الأطفال في مدينة يكاتيرينبورغ، تقوم ضمن حبكة المسرحية بمساعدة الدب ليستيقظ من سباته، ويحتفل مع الجميع لأول مرة بالأعياد.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».