مصرية تبتكر مطبخاً ملائماً لمستخدمي الكراسي المتحركة

نالت تكريماً في معرض دولي بالقاهرة

مطبخ صُمِّم لذوي الاحتياجات الخاصة
مطبخ صُمِّم لذوي الاحتياجات الخاصة
TT

مصرية تبتكر مطبخاً ملائماً لمستخدمي الكراسي المتحركة

مطبخ صُمِّم لذوي الاحتياجات الخاصة
مطبخ صُمِّم لذوي الاحتياجات الخاصة

لطالما ظلت محاولات تيسير سبل العيش للمعاقين في مصر هدفاً تسعى المؤسسات الحكومية والأهلية لتحقيقه، خصوصاً أن الإحصائيات الرسمية تشير إلى وجود قرابة 14 مليون معاق في البلاد يعانون من إصابات حركية أو سمعية أو غيرها، وأخيراً نجحت طالبة مصرية في المساهمة في توفير مطبخ يلائم احتياجات أصحاب الإعاقة أو كبار السن والمرضى ممن أُجبروا على استخدام الكراسي المتحركة.
والتصميم الذي نالت به الطالبة في كلية الفنون التطبيقية ندى جودت، المركز الثالث بمسابقة «المعرض الدولي للسيراميك والأدوات الصحية والمطابخ» الذي اختُتمت فعالياته في القاهرة، الشهر قبل الماضي، يستهدف، حسبما تقول لـ«الشرق الأوسط»: «ليس فقط تيسير استخدام مستخدمي الكراسي المتحركة للمطبخ، بحيث يستطيعون خدمة أنفسهم بأنفسهم، ولكن أيضاً يجنّبهم التعرض للحوادث المنزلية في هذا المكان المهم بالمنزل، والذي يمثل خطراً كبيراً في حالة وقوع أي حادث داخله، مثل سقوط حمل ثقيل على رأس الشخص عند محاولة الحصول على شيء من أحد الأرفف أو الوحدات، أو سكب الطعام أو الزيوت الساخنة، وغير ذلك من أضرار يمكن أن تلحق بهم».
ويأتي تصميم المطبخ من جانب ندى تماهياً مع اقتناعها التام بوظيفية التصميم، ودوره في خدمة المجتمع، وحل جميع المشكلات التي يمكن أن تواجه الأشخاص داخل مبنى ما، «فلا يقتصر التصميم كما يعتقد الكثيرون على الجانب الجمالي وحده» هكذا ترى ندى المفهوم الحقيقي له.
وتضيف: «الدور الأساسي للتصميم الداخلي هو تحقيق الراحة للفرد داخل المكان، ومن حق الجميع أن يحصلوا على هذه الراحة، دون الاهتمام بفئة دون أخرى، وفي حين تشكل شريحة أصحاب الإعاقة الحركية نسبة لا يستهان بها من أفراد المجتمع، فإننا للأسف نغفل العمل على توفير سبل الراحة والمعيشة لهم».
وتشرح صاحبة التصميم أنها «لاحظت إلى أي حد تواجه مستخدمي الكراسي المتحركة مشكلات في السير في الشوارع أو التنقل داخل المباني المختلفة، فأرادت ألا يكون الأمر كذلك أيضاً داخل البيت».
أطلقت ندى على مشروعها اسم «مطبخ منزلي لمستخدمي الكراسي المتحركة، باعتبار أنه لا يخص أصحاب الإعاقة أو المصابين بالشلل وحدهم، لكنه يناسب كل من يواجه عجزاً أو صعوبة في السير والحركة، مثل كبار السن أو المصابين بأمراض مزمنة مثل تصلب الأطراف». ولم تبدأ المصممة الشابة في التصميم إلا بعد أن انتهت من القراءة المتعمقة والبحث العلمي في مجالات عديدة ومنها الإعاقة، وأحدث ما توصل إليه التصميم، وعلاقته بخدمة المجتمع، إلى جانب دور دراستها الأكاديمية بقسم التصميم الصناعي بالكلية، كما كانت لها جلسات متكررة مع سيدة مصابة بالشلل في الجزء السفلي، لتضيف التجربة إلى بحثها الجانب الميداني.
وتكشف الطالبة المزيد عن تفاصيل مشروعها قائلة: «في ضوء هذه العوامل، قمت بوضع تصور لتصميم مطبخ منزلي أبعاده (400 سم * 300 سم)، وبشكل تفصيلي أكثر، قمت بوضع تصور تصميمي للخزائن، بحيث تحتوي الخزانة على أرفف منسدلة عن طريق «ميكانيزم» يتم إنزاله بمقبض خاص، ومن ثم إرجاعه لوضعه الطبيعي، إضافة إلى ذلك الخزائن والأدراج السفلية، وذلك بإضافة «ميكانيزمات» للأرفف لتسهيل الوصول إلى ما فيها، إضافة إلى طاولة قابلة للطي وغيرها من محتويات المطبخ.
وتتابع: «أيضاً في تصميم المنطقة الخاصة بالحوض والبوتاجاز، تمت مراعاة الأبعاد، وعمق الحوض وسطح الرخام الذي يتم إعداد الطعام عليه، ووجود الفراغ أسفل وحدات عديدة كالبوتاجاز والحوض، بحيث يسمح بدخول الكرسي المتحرك، ويتيح للشخص الطهي أو تنظيف الأطباق»، وتقول: «وراعى التصميم أن يـتمكـن المعـاق من الحـركـة والاستدارة داخل المطبخ بحيث لا يتسبب في سقوط شيء أو إلحاق الأذى بنفسه».
ورغم أن فكرة تصميم هذا المطبخ تقوم على مساعدتهم على سهولة الحركة، فإنه في الوقت نفسه لا يجعلهم يشعرون بأنهم أصحاب إعاقة، وتوضح ذلك قائلة: «إن معظم الوحدات التي قمت بتصميمها مزدوجة الاستخدام من حيث الشخص المستهدف، أي أنها تسمح للشخص الجالس على الكرسي المتحرك، والشخص السليم معاً بالاستخدام السهل العملي، دون أن يشعر أحدهما بأن استخدام الآخر يعوق استخدامه»، وتضيف: «كما أن ذلك يكسبه بعداً عملياً، لأن كثيراً من البيوت لا تسمح بوجود أكثر من مطبخ».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».