تغيرات على صناعة الإعلام في 2018... ومحاولات للمواكبة

الضغوط تتزايد على «غوغل» و«فيسبوك» من أجل مزيد من الشفافية

الجيل الجديد يشاهد البرامج المفضلة لديه في الوقت المتاح له وليس الذي تحدده محطات التلفزيون
الجيل الجديد يشاهد البرامج المفضلة لديه في الوقت المتاح له وليس الذي تحدده محطات التلفزيون
TT

تغيرات على صناعة الإعلام في 2018... ومحاولات للمواكبة

الجيل الجديد يشاهد البرامج المفضلة لديه في الوقت المتاح له وليس الذي تحدده محطات التلفزيون
الجيل الجديد يشاهد البرامج المفضلة لديه في الوقت المتاح له وليس الذي تحدده محطات التلفزيون

لم يتغير المشهد الإعلامي كثيراً في عام 2018 عما كان عليه في عام 2017، من حيث تزايد الضغوط السوقية على الإعلام الورقي، مع تحول المزيد من المعلنين إلى المجال الإلكتروني، وتراجع إذاعي وتلفزيوني في بث الأخبار لصالح مواقع التواصل الاجتماعي التي أضحت تبث الأخبار حية من مواقعها، وقت حدوثها، بواسطة الهواتف الذكية. وبدلاً من توجه كاميرات الإعلام المحترف إلى موقع الأحداث لنقلها مباشرة، تلفزيونياً أو إذاعياً، أصبحت القنوات تنتظر مؤشرات هذه الأخبار من المواقع الإلكترونية.
ولكن ربما كان الحدث الأكثر تأثيراً في توجهات الإعلام العالمي هو صعوبة تعريف شركات التقنية الكبرى، خصوصاً «غوغل» و«فيسبوك»، بين كونها منصات تواصل اجتماعي أو شركات نشر إعلامي، فهي تجمع بين الصفتين، ولكنها ما زالت تتهرب من القيود والقواعد التي تحكم شركات الإعلام التقليدية.
في عام 2018، زادت الضغوط على الشركتين على أكثر من صعيد من أجل تعريف نشاطها، والالتزام بمسؤولياتها، وأيضاً العمل بشفافية، خصوصاً في ما يتعلق بالمعلومات الخاصة بالمستخدمين لمواقعها.
وخلال عام 2018، توجهت نسبة تقدر بنحو 90 في المائة من ميزانيات الإعلان الأميركية الجديدة إلى شركتي «غوغل» و«فيسبوك». وفي حين تعرف الشركات المعلنة جميع المعلومات عن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، من حيث هواياتهم وأسلوب حياتهم، بل ومواقع العطلات التي قاموا بها مؤخراً، ونشروا صورها على مواقعهم، فإن هؤلاء لا يعرفون كيفية استخدام المواقع للمعلومات الخاصة بهم، ولا لمن تبيع هذه المعلومات.
من ناحية أخرى، زادت التحديات أمام محطات التلفزيون التقليدية مع دخول المنافسة لنطاق عالمي في مجال البث المباشر إلى المستهلك من شركات هائلة الحجم مثل «نتفليكس» و«أمازون» و«ديزني» و«سكاي» و«آبل» وغيرها. واجتذبت هذه الشركات القسم الأكبر من ميزانيات الإعلام، بينما توجهت الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى استخدام التلفزيون العادي الذي يبث الأخبار وبعض البرامج الترفيهية. هذا التوجه استمر خلال 2018، ومتوقع له الاستمرار في العام الجديد، إلى أن تتغير توجهات المستهلك إلى مجالات أخرى.
وخلال العام، ظهرت بوادر توجه آخر في الإعلام المرئي، وهو انقسام المشاهدة بين الأجيال. فكبار السن يشاهدون التلفزيون التقليدي، ويلتزمون بالمواعيد الثابتة للبرامج والمسلسلات. أما الجيل الجديد، فهو يشاهد البرامج المفضلة لديه في الوقت المتاح له، وليس الذي تحدده محطات التلفزيون.
وتواجه محطات التلفزيون المجانية أزمة تمويل قد تؤدي إلى فقدان برامجها، أو خروجها من المنافسة بالمرة. ويفضل الجيل الجديد تطبيقات تفتح له الكاميرا مباشرة كوسيلة تواصل، مثل «سناب شات»، بدلاً من سيل الأخبار والإعلانات، وتعليقات الغير في منافذ «فيسبوك». ومن يبحث عن التواصل مع سوق الصغار إعلانياً بدأ يتخلى عن مواقع تقليدية مثل «فيسبوك»، ويتوجه إلى «سناب شات» وغيرها من المواقع التي يستخدمها الصغار. وبدأت المطبوعات البريطانية التقليدية، مثل «التلغراف» و«الإيكونوميست»، تستخدم «سناب شات» من أجل التواصل مع الشباب.
وفي عام 2018، انتشرت ظاهرة الأخبار الكاذبة، خصوصاً في الإعلام الأميركي، وظهور اتهامات بعلاقة الروس بنتائج الانتخابات الأميركية الرئاسية الأخيرة. وعلى الرغم من أن مصادر معظم الأخبار الكاذبة كان من مواقع إلكترونية من الصعب الوصول إلى منشئها أو القائمين عليها، فإن الظاهرة طالت الصحف الرسمية أيضاً، أحياناً لأغراض سياسية.
الإعلام البريطاني الورقي استمر بلا خسائر كبيرة في التوزيع، أو فقدان صحف، خلال عام 2018، ولكن القضايا التي أضحت تشغل بال المراقبين هي تركيز ملكية 70 في المائة من الصحف البريطانية في 3 شركات فقط، وزيادة النفوذ الأجنبي في الإعلام البريطاني. وحتى صحيفة «ذا صن» الشعبية خسرت 24 مليون إسترليني (31 مليون دولار) في العام الماضي، بسبب تراجع الإعلانات، وغرامات في قضية التلصص على المشاهير. وكانت هذه الخسائر، علاوة على خسائر متراكمة من العام السابق، قد بلغ حجمها 62.8 مليون إسترليني (81.6 مليون دولار).
وتحاول الصحافة الورقية، من صحف ومجلات، مقاومة تيار التراجع في المبيعات والإعلانات، بالوجود أيضاً على الإنترنت. ورغم استمرار تيار التراجع، فإن قطاع المجلات استطاع رفع الإنفاق الإعلاني الرقمي بنسبة 0.2 في المائة في العام الأخير. وتم تطبيق نظام جديد لقياس عدد القراء سوف يساهم في إعادة نظر المعلنين للعودة إلى الصحافة المكتوبة التي توفر لهم أكثر من منصة إعلامية. ويأخذ النظام الجديد في الاعتبار ليس فقط التوزيع الورقي، وإنما الوجود على الهواتف الجوالة والأجهزة اللوحية وأجهزة الكومبيوتر بأنواعها من متابعين مختلفين.
ويعتبر ناشرو الصحف والمجلات أن هذه الخطوة هي ما كانت تنتظره الصناعة منذ فترة طويلة، وهم يأملون في إقناع المعلنين بالعودة إلى الإعلام متعدد المنصات، بدلاً من الاكتفاء بالإعلام الرقمي فقط.
من ناحية أخرى، بدأت شركات التلفزيون في تقديم خدمات إعلانية جديدة تحاكي بها مرونة ما تقدمه مواقع الإنترنت. وبدلاً من إعلان واحد لجميع المشاهدين، يمكن في الوقت نفسه تقديم مجموعة من الإعلانات لمناطق أو مشاهدين مختلفين، وفقاً لمطالب الشركة المعلنة. ويقول جيمي وست، نائب المدير التنفيذي لشركة «سكاي ميديا»، إن هذا التحول سيضيف إلى مرونة خدمات التلفزيون للمعلنين، وسيفتح الباب أيضاً للشركات المتوسطة والصغيرة لاستخدام التلفزيون الذي ظل حكراً على الشركات الكبيرة.
وفي تطور آخر خلال العام الأخير، توجهت شركات التسويق إلى ما يسمى «حملات خارج البيت»، وهي مصممة لرصد المستهلك عبر هاتفه الجوال، وفقاً لهواياته وموقعه الجغرافية والنشاطات التي يقوم بها. وتتيح هذه الخدمة للمعلنين مجالاً إضافياً للوصول إلى المستهلك مباشرة. ويمكن للشركات المعلنة أن ترصد مستهلكين في مدن معينة، وفي أوقات مناسبة لهم، وفق الفئة العمرية.
وترى شركة الإعلان «بي دبليو سي»، في دليل عام 2018 لمستقبل الإعلان والتسويق، أن الإنفاق الإعلاني الدولي سوف يرتفع من 666.9 مليار دولار حالياً إلى 792.3 مليار دولار في عام 2022. وتشير الشركة إلى ضرورة مراجعة استراتيجيات التسويق في الشركات، واستخدام التقنيات ووسائل الإعلام المناسبة للوصول إلى المستهلك. وترصد الشركة 5 توجهات في المستقبل، هي:
تلاقي وسائل الإعلام في السنوات الخمس المقبلة: ترى شركة «بي دبليو سي» أن شركات البث المباشر وقنوات التلفزيون والراديو ومنصات التواصل الاجتماعي سوف تتلاقى لتوفير المحتوى للمستهلك، وبناء علاقات مباشرة معه. ويغطي هذا التعاون مجالات الأخبار والبث الرياضي والبث المباشر.
دخول خدمات التواصل بتقنية «5 جي»، التي يمكن عن طريقها بث التلفزيون والفيديو مباشرة عبر الإنترنت. وتتيح هذه التقنية لشركات الاتصال بث التلفزيون عبر الهاتف، وبث الأفلام عالية النوعية بكفاءة عالية على شاشات الأدوات المحمولة. وتدخل هذه الخدمة ضمن باقات بعض شركات الاتصال قريباً، وتتيح خدمات لا حصر لها لتقنيات الذكاء الاصطناعي والمحاكاة خلال السنوات الخمس المقبلة.
الاندماج والاستحواذ: سوف يشهد المستقبل القريب كثيراً من حالات الاستحواذ والاندماج، مثل صفقة اندماج شركتي «إيه تي آند تي» و«وارنر»، التي بلغ حجمها 85.4 مليار دولار. كما تسعى شركة «ديزني» للاستحواذ على أصول شركة «فوكس القرن 21». وهذه الصفقات هي مقدمة لصفقات أكبر سوف تعقد قريباً، ضمن محاولات الشركات المحافظة على حصصها في السوق ضد شركات جدد، مثل «نتفليكس» و«أمازون برايم» و«غوغل».
استهلاك المعلومات: تتوقع شركة «بي دبليو سي» أن يزيد استهلاك المعلومات في السنوات الخمس المقبلة بنسبة 22.4 في المائة، لكي يصل إلى 397.8 تريليون ميغابايت في عام 2022. وسوف يكون العامل الأكبر وراء هذا النمو هو استهلاك الفيديو الذي يصل إلى نسبة 85 في المائة من كل محتوى المعلومات. وسوف تساهم تقنية «5 جي» في هذا النمو.
نمو فئة المؤثرين في الميديا الاجتماعية (Influencers). وينقسم هؤلاء إلى المشاهير الذين يزيد عدد متابعيهم عن مائة ألف شخص، وفئة دونها تسمى مؤثرين مايكرو، بمتابعين ما بين ألف و90 ألف شخص. وتعتقد شركات التسويق أن المؤثر الاجتماعي يمكنه أن يغير من رأي متابعيه لأنه يتمتع بمصداقية، ويعكس الثقة في منتجات الشركة. ويعتبر هؤلاء أنفسهم أدوات توصيل بين الشركات والمستهلكين، ومن المتوقع أن ينمو تأثيرهم مع زيادة الاعتماد على الإعلام الإلكتروني.


مقالات ذات صلة

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
إعلام الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية» في الرياض.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي الهواتف الجوالة مصدر معلومات بعيداً عن الرقابة الرسمية (تعبيرية - أ.ف.ب)

شاشة الجوال مصدر حصول السوريين على أخبار المعارك الجارية؟

شكلت مواقع «السوشيال ميديا» والقنوات الفضائية العربية والأجنبية، مصدراً سريعاً لسكان مناطق نفوذ الحكومة السورية لمعرفة تطورات الأحداث.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
TT

كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)

قبل 861 عاماً، نهضت كاتدرائية «نوتردام دو باريس» في قلب العاصمة الفرنسية. ومع مرور العقود والعصور تحوّلت إلى رمز لباريس، لا بل لفرنسا. ورغم الثورات والحروب بقيت «نوتردام» صامدة حيث هي، في قلب باريس وحارسة نهر السين الذي يغسل قدميها. إلا أن المأساة حلّت في شهر أبريل (نيسان) من عام 2019، عندما اندلع حريق هائل، التهمت نيرانه أقساماً رئيسة من الكاتدرائية التي انهار سقفها وتهاوى «سهمها»، وكان سقوطه مدوياً.

منظر للنافذة الوردية الجنوبية لكاتدرائية نوتردام دو باريس(رويترز)

حريق «نوتردام» كارثة وطنية

وكارثة «نوتردام» تحوّلت إلى مأساة وطنية، إذ كان يكفي النظر إلى آلاف الباريسيين والفرنسيين والسياح الذين تسمّروا على ضفتي نهر السين ليشهدوا المأساة الجارية أمام عيونهم. لكن اللافت كانت السرعة التي قررت فيها السلطات المدنية والكنسية مباشرة عملية الترميم، وسريعاً جدّاً، أطلقت حملة تبرعات.

وفي كلمة متلفزة له، سعى الرئيس إيمانويل ماكرون إلى شد أزر مواطنيه، مؤكداً أن إعادة بناء الكاتدرائية و«إرجاعها أجمل مما كانت» ستبدأ من غير تأخير. وأعلن تأسيس هيئة تشرف عليها، وأوكل المهمة إلى الجنرال جان لويس جورجولين، رئيس أركان القوات المسلحة السابق. وبدأت التبرعات بالوصول.

وإذا احتاجت الكاتدرائية لقرنين لاكتمال بنائها، فإن ترميمها جرى خلال 5 سنوات، الأمر الذي يعد إنجازاً استثنائياً لأنه تحول إلى قضية وطنية، لا بل عالمية بالنظر للتعبئة الشعبية الفرنسية والتعاطف الدولي، بحيث تحوّلت الكاتدرائية إلى رابطة تجمع الشعوب.

وتبين الأرقام التي نشرت حديثاً أن التبرعات تدفقت من 340 ألف شخص، من 150 دولة، قدّموا 846 مليون يورو، إلا أن القسم الأكبر منها جاء من كبار الممولين والشركات الفرنسية، ومن بينهم من أسهم بـ200 مليون يورو. ومن بين الأجانب المتبرعين، هناك 50 ألف أميركي، وهو الأمر الذي أشار إليه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وكان أحد الأسباب التي دفعته للمجيء إلى فرنسا؛ البلد الأول الذي يزوره بعد إعادة انتخابه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

متطوعون يضعون برنامج الحفل على المقاعد قبل الحفل (أ.ف.ب)

منذ ما يزيد على الشهر، تحوّلت الكاتدرائية إلى موضوع إلزامي في كل الوسائل الإعلامية. وخلال الأسبوع الحالي، حفلت الصحف والمجلات وقنوات التلفزة والإذاعات ببرامج خاصة تروي تاريخ الكاتدرائية والأحداث الرئيسة التي عاشتها في تاريخها الطويل.

وللدلالة على الأهمية التي احتلتها في الوعي الفرنسي، فإن رئيس الجمهورية زارها 7 مرات للاطلاع على التقدم الذي حققه المهنيون والحرفيون في إعادة البناء والترميم. وإذا كانت الكاتدرائية تجتذب قبل 2012 ما لا يقل عن 12 مليون زائر كل عام، فإن توقعات المشرفين عليها تشير إلى أن العدد سيصل العام المقبل إلى 15 مليوناً من كل أنحاء العالم.

المواطنون والسياح ينتظرون إفساح المجال للوصول الى ساحة الكاتدرائية (أ.ف.ب)

باريس «عاصمة العالم»

خلال هذين اليومين، تحوّلت باريس إلى «عاصمة العالم»، ليس فقط لأن قصر الإليزيه وجّه دعوات لعشرات من الملوك ورؤساء الدول والحكومات الذين حضر منهم نحو الخمسين، ولكن أيضاً لأن الاحتفالية حظيت بنقل مباشر إلى مئات الملايين عبر العالم.

وقادة الدول الذين قدّموا إلى «عاصمة النور» جاءوا إليها من القارات الخمس. وبسبب هذا الجمع الدولي، فإن شرطة العاصمة ووزارة الداخلية عمدتا إلى تشكيل طوق أمني محكم لتجنب أي إخلال بالأمن، خصوصاً أن سلطاتها دأبت على التحذير من أعمال قد تكون ذات طابع إرهابي. وإذا كان الرئيس الأميركي المنتخب قد حظي بالاهتمام الأكبر، ليس لأنه من المؤمنين المواظبين، بل لأنه يُمثل بلداً له تأثيره على مجريات العالم.

لكن في المقابل، تأسف الفرنسيون لأن البابا فرنسيس اعتذر عن تلبية الدعوة. والمثير للدهشة أنه سيقوم بزيارة جزيرة كورسيكا المتوسطية الواقعة على بُعد رمية حجر من شاطئ مدينة نيس اللازوردية، في 15 الشهر الحالي. والمدهش أيضاً أنه منذ أن أصبح خليفة القديس بطرس في روما، «المدينة الخالدة»، فإنه زار فرنسا مرتين، ثانيها كانت لمدينة مرسيليا الساحلية. بيد أنه لم يأتِ إلى باريس إطلاقاً. ووفق مصادر واسعة الاطلاع، فإن قرار البابا أحدث خيبة على المستويين الديني والرسمي. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى حدث تاريخي رئيس، وهو أن بابا روما بيوس السابع، قدم إلى باريس يوم 2 ديسمبر (كانون الأول) من عام 1804، لتتويج نابليون الأول إمبراطوراً.

وتمثل لوحة الرسام الفرنسي الشهير لوي دافيد، التي خلد فيها تتويج بونابرت، ما قام به الأخير الذي لم ينتظر أن يضع البابا التاج على رأسه، بل أخذه بيديه ووضعه بنفسه على رأسه، وكذلك فعل مع الإمبراطورة جوزفين.

احتفالية استثنائية

لم يساعد الطقس مساعدي الاحتفالية الذين خططوا لأن تكون من جزأين: الأول رسمي، ويجري في ساحة الكاتدرائية الأمامية؛ حيث يلقي الرئيس ماكرون خطابه المقدر من 15 دقيقة، وبعدها الانتقال إلى الداخل للجزء الديني. وكان مقدراً للمواطنين الـ40 ألفاً، إضافة إلى 1500 مدعو حظوا بالوجود داخل الكاتدرائية، أن يتابعوا الحدث من المنصات التي نصبت على ضفتي نهر السين، إلا أن الأمطار والعواصف التي ضربت باريس ومنطقتها أطاحت بالبرنامج الرئيس، إذ حصلت كل الاحتفالية بالداخل. بيد أن الأمطار لم تقض على شعور استثنائي بالوحدة والسلام غلب على الحاضرين، وسط عالم ينزف جراء تواصل الحروب، سواء أكان في الشرق الأوسط أم في أوكرانيا أم في مطارح أخرى من العالم المعذب. وجاءت لحظة الولوج إلى الكاتدرائية، بوصفها إحدى المحطات الفارقة، إذ تمت وفق بروتوكول يعود إلى مئات السنين. بدءاً من إعادة فتح أولريش لأبواب «نوتردام» الخشبية الكبيرة بشكل رمزي.

كاتدرائية «نوتردام» السبت وسط حراسة أمنية استعداداً لإعادة افتتاحها (إ.ب.ى)

وسيقوم بالنقر عليها 3 مرات بعصا مصنوعة من الخشب المتفحم الذي جرى إنقاذه من سقف الكاتدرائية الذي دمرته النيران، وسيعلن فتح الكاتدرائية للعبادة مرة أخرى. ونقل عن المسؤول عن الكاتدرائية القس أوليفييه ريبادو دوما أن «نوتردام»، التي هي ملك الدولة الفرنسية، ولكن تديرها الكنيسة الكاثوليكية «أكثر من مجرد نصب تذكاري فرنسي وكنز محبوب من التراث الثقافي العالم، لا بل هي أيضاً علامة على الأمل، لأن ما كان يبدو مستحيلاً أصبح ممكناً»، مضيفاً أنها أيضاً «رمز رائع».

الأرغن الضخم يحتوي على 8 آلاف مزمار تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام (أ.ف.ب)

كذلك، فإن تشغيل الأرغن الضخم الذي تم تنظيفه وتحضيره للمناسبة الاستثنائية، تم كذلك وفق آلية دقيقة. ففي حين ترتفع المزامير والصلوات والترانيم، فإنه جرى إحياء الأرغن المدوي، الذي صمت وتدهورت أوضاعه بسبب الحريق. ويحتوي الأرغن على 8 آلاف مزمار، تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام. وقام 4 من العازفين بتقديم مجموعة من الألحان بعضها جاء مرتجلاً.

إلى جانب الشقين الرسمي والديني، حرص المنظمون على وجود شق يعكس الفرح؛ إذ أدت مجموعة من الفنانين الفرنسيين والأجانب لوحات جميلة جديرة بالمكان الذي برز بحلة جديدة بأحجاره المتأرجحة بين الأبيض والأشقر وزجاجه الملون، وإرثه الذي تم إنقاذه من النيران وأعيد إحياؤه.

وبعد عدة أيام، سيُعاد فتح الكاتدرائية أمام الزوار الذي سيتدفقوة بالآلاف على هذا المعلم الاستثنائي.

حقائق

846 مليون يورو

تدفقت التبرعات من 340 ألف شخص من 150 دولة قدموا 846 مليون يورو لإعادة ترميم نوتردام