لم يتغير المشهد الإعلامي كثيراً في عام 2018 عما كان عليه في عام 2017، من حيث تزايد الضغوط السوقية على الإعلام الورقي، مع تحول المزيد من المعلنين إلى المجال الإلكتروني، وتراجع إذاعي وتلفزيوني في بث الأخبار لصالح مواقع التواصل الاجتماعي التي أضحت تبث الأخبار حية من مواقعها، وقت حدوثها، بواسطة الهواتف الذكية. وبدلاً من توجه كاميرات الإعلام المحترف إلى موقع الأحداث لنقلها مباشرة، تلفزيونياً أو إذاعياً، أصبحت القنوات تنتظر مؤشرات هذه الأخبار من المواقع الإلكترونية.
ولكن ربما كان الحدث الأكثر تأثيراً في توجهات الإعلام العالمي هو صعوبة تعريف شركات التقنية الكبرى، خصوصاً «غوغل» و«فيسبوك»، بين كونها منصات تواصل اجتماعي أو شركات نشر إعلامي، فهي تجمع بين الصفتين، ولكنها ما زالت تتهرب من القيود والقواعد التي تحكم شركات الإعلام التقليدية.
في عام 2018، زادت الضغوط على الشركتين على أكثر من صعيد من أجل تعريف نشاطها، والالتزام بمسؤولياتها، وأيضاً العمل بشفافية، خصوصاً في ما يتعلق بالمعلومات الخاصة بالمستخدمين لمواقعها.
وخلال عام 2018، توجهت نسبة تقدر بنحو 90 في المائة من ميزانيات الإعلان الأميركية الجديدة إلى شركتي «غوغل» و«فيسبوك». وفي حين تعرف الشركات المعلنة جميع المعلومات عن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، من حيث هواياتهم وأسلوب حياتهم، بل ومواقع العطلات التي قاموا بها مؤخراً، ونشروا صورها على مواقعهم، فإن هؤلاء لا يعرفون كيفية استخدام المواقع للمعلومات الخاصة بهم، ولا لمن تبيع هذه المعلومات.
من ناحية أخرى، زادت التحديات أمام محطات التلفزيون التقليدية مع دخول المنافسة لنطاق عالمي في مجال البث المباشر إلى المستهلك من شركات هائلة الحجم مثل «نتفليكس» و«أمازون» و«ديزني» و«سكاي» و«آبل» وغيرها. واجتذبت هذه الشركات القسم الأكبر من ميزانيات الإعلام، بينما توجهت الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى استخدام التلفزيون العادي الذي يبث الأخبار وبعض البرامج الترفيهية. هذا التوجه استمر خلال 2018، ومتوقع له الاستمرار في العام الجديد، إلى أن تتغير توجهات المستهلك إلى مجالات أخرى.
وخلال العام، ظهرت بوادر توجه آخر في الإعلام المرئي، وهو انقسام المشاهدة بين الأجيال. فكبار السن يشاهدون التلفزيون التقليدي، ويلتزمون بالمواعيد الثابتة للبرامج والمسلسلات. أما الجيل الجديد، فهو يشاهد البرامج المفضلة لديه في الوقت المتاح له، وليس الذي تحدده محطات التلفزيون.
وتواجه محطات التلفزيون المجانية أزمة تمويل قد تؤدي إلى فقدان برامجها، أو خروجها من المنافسة بالمرة. ويفضل الجيل الجديد تطبيقات تفتح له الكاميرا مباشرة كوسيلة تواصل، مثل «سناب شات»، بدلاً من سيل الأخبار والإعلانات، وتعليقات الغير في منافذ «فيسبوك». ومن يبحث عن التواصل مع سوق الصغار إعلانياً بدأ يتخلى عن مواقع تقليدية مثل «فيسبوك»، ويتوجه إلى «سناب شات» وغيرها من المواقع التي يستخدمها الصغار. وبدأت المطبوعات البريطانية التقليدية، مثل «التلغراف» و«الإيكونوميست»، تستخدم «سناب شات» من أجل التواصل مع الشباب.
وفي عام 2018، انتشرت ظاهرة الأخبار الكاذبة، خصوصاً في الإعلام الأميركي، وظهور اتهامات بعلاقة الروس بنتائج الانتخابات الأميركية الرئاسية الأخيرة. وعلى الرغم من أن مصادر معظم الأخبار الكاذبة كان من مواقع إلكترونية من الصعب الوصول إلى منشئها أو القائمين عليها، فإن الظاهرة طالت الصحف الرسمية أيضاً، أحياناً لأغراض سياسية.
الإعلام البريطاني الورقي استمر بلا خسائر كبيرة في التوزيع، أو فقدان صحف، خلال عام 2018، ولكن القضايا التي أضحت تشغل بال المراقبين هي تركيز ملكية 70 في المائة من الصحف البريطانية في 3 شركات فقط، وزيادة النفوذ الأجنبي في الإعلام البريطاني. وحتى صحيفة «ذا صن» الشعبية خسرت 24 مليون إسترليني (31 مليون دولار) في العام الماضي، بسبب تراجع الإعلانات، وغرامات في قضية التلصص على المشاهير. وكانت هذه الخسائر، علاوة على خسائر متراكمة من العام السابق، قد بلغ حجمها 62.8 مليون إسترليني (81.6 مليون دولار).
وتحاول الصحافة الورقية، من صحف ومجلات، مقاومة تيار التراجع في المبيعات والإعلانات، بالوجود أيضاً على الإنترنت. ورغم استمرار تيار التراجع، فإن قطاع المجلات استطاع رفع الإنفاق الإعلاني الرقمي بنسبة 0.2 في المائة في العام الأخير. وتم تطبيق نظام جديد لقياس عدد القراء سوف يساهم في إعادة نظر المعلنين للعودة إلى الصحافة المكتوبة التي توفر لهم أكثر من منصة إعلامية. ويأخذ النظام الجديد في الاعتبار ليس فقط التوزيع الورقي، وإنما الوجود على الهواتف الجوالة والأجهزة اللوحية وأجهزة الكومبيوتر بأنواعها من متابعين مختلفين.
ويعتبر ناشرو الصحف والمجلات أن هذه الخطوة هي ما كانت تنتظره الصناعة منذ فترة طويلة، وهم يأملون في إقناع المعلنين بالعودة إلى الإعلام متعدد المنصات، بدلاً من الاكتفاء بالإعلام الرقمي فقط.
من ناحية أخرى، بدأت شركات التلفزيون في تقديم خدمات إعلانية جديدة تحاكي بها مرونة ما تقدمه مواقع الإنترنت. وبدلاً من إعلان واحد لجميع المشاهدين، يمكن في الوقت نفسه تقديم مجموعة من الإعلانات لمناطق أو مشاهدين مختلفين، وفقاً لمطالب الشركة المعلنة. ويقول جيمي وست، نائب المدير التنفيذي لشركة «سكاي ميديا»، إن هذا التحول سيضيف إلى مرونة خدمات التلفزيون للمعلنين، وسيفتح الباب أيضاً للشركات المتوسطة والصغيرة لاستخدام التلفزيون الذي ظل حكراً على الشركات الكبيرة.
وفي تطور آخر خلال العام الأخير، توجهت شركات التسويق إلى ما يسمى «حملات خارج البيت»، وهي مصممة لرصد المستهلك عبر هاتفه الجوال، وفقاً لهواياته وموقعه الجغرافية والنشاطات التي يقوم بها. وتتيح هذه الخدمة للمعلنين مجالاً إضافياً للوصول إلى المستهلك مباشرة. ويمكن للشركات المعلنة أن ترصد مستهلكين في مدن معينة، وفي أوقات مناسبة لهم، وفق الفئة العمرية.
وترى شركة الإعلان «بي دبليو سي»، في دليل عام 2018 لمستقبل الإعلان والتسويق، أن الإنفاق الإعلاني الدولي سوف يرتفع من 666.9 مليار دولار حالياً إلى 792.3 مليار دولار في عام 2022. وتشير الشركة إلى ضرورة مراجعة استراتيجيات التسويق في الشركات، واستخدام التقنيات ووسائل الإعلام المناسبة للوصول إلى المستهلك. وترصد الشركة 5 توجهات في المستقبل، هي:
تلاقي وسائل الإعلام في السنوات الخمس المقبلة: ترى شركة «بي دبليو سي» أن شركات البث المباشر وقنوات التلفزيون والراديو ومنصات التواصل الاجتماعي سوف تتلاقى لتوفير المحتوى للمستهلك، وبناء علاقات مباشرة معه. ويغطي هذا التعاون مجالات الأخبار والبث الرياضي والبث المباشر.
دخول خدمات التواصل بتقنية «5 جي»، التي يمكن عن طريقها بث التلفزيون والفيديو مباشرة عبر الإنترنت. وتتيح هذه التقنية لشركات الاتصال بث التلفزيون عبر الهاتف، وبث الأفلام عالية النوعية بكفاءة عالية على شاشات الأدوات المحمولة. وتدخل هذه الخدمة ضمن باقات بعض شركات الاتصال قريباً، وتتيح خدمات لا حصر لها لتقنيات الذكاء الاصطناعي والمحاكاة خلال السنوات الخمس المقبلة.
الاندماج والاستحواذ: سوف يشهد المستقبل القريب كثيراً من حالات الاستحواذ والاندماج، مثل صفقة اندماج شركتي «إيه تي آند تي» و«وارنر»، التي بلغ حجمها 85.4 مليار دولار. كما تسعى شركة «ديزني» للاستحواذ على أصول شركة «فوكس القرن 21». وهذه الصفقات هي مقدمة لصفقات أكبر سوف تعقد قريباً، ضمن محاولات الشركات المحافظة على حصصها في السوق ضد شركات جدد، مثل «نتفليكس» و«أمازون برايم» و«غوغل».
استهلاك المعلومات: تتوقع شركة «بي دبليو سي» أن يزيد استهلاك المعلومات في السنوات الخمس المقبلة بنسبة 22.4 في المائة، لكي يصل إلى 397.8 تريليون ميغابايت في عام 2022. وسوف يكون العامل الأكبر وراء هذا النمو هو استهلاك الفيديو الذي يصل إلى نسبة 85 في المائة من كل محتوى المعلومات. وسوف تساهم تقنية «5 جي» في هذا النمو.
نمو فئة المؤثرين في الميديا الاجتماعية (Influencers). وينقسم هؤلاء إلى المشاهير الذين يزيد عدد متابعيهم عن مائة ألف شخص، وفئة دونها تسمى مؤثرين مايكرو، بمتابعين ما بين ألف و90 ألف شخص. وتعتقد شركات التسويق أن المؤثر الاجتماعي يمكنه أن يغير من رأي متابعيه لأنه يتمتع بمصداقية، ويعكس الثقة في منتجات الشركة. ويعتبر هؤلاء أنفسهم أدوات توصيل بين الشركات والمستهلكين، ومن المتوقع أن ينمو تأثيرهم مع زيادة الاعتماد على الإعلام الإلكتروني.
تغيرات على صناعة الإعلام في 2018... ومحاولات للمواكبة
الضغوط تتزايد على «غوغل» و«فيسبوك» من أجل مزيد من الشفافية
تغيرات على صناعة الإعلام في 2018... ومحاولات للمواكبة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة