نيكول كيدمان: «أرى نفسي ممثلة فقط وليس نجمة»

في حديث مع «الشرق الأوسط» عن شغف التمثيل والأمومة

نيكول كيدمان في لقطة من فيلم «ديستروير» (مدمرة) (أ.ب)
نيكول كيدمان في لقطة من فيلم «ديستروير» (مدمرة) (أ.ب)
TT

نيكول كيدمان: «أرى نفسي ممثلة فقط وليس نجمة»

نيكول كيدمان في لقطة من فيلم «ديستروير» (مدمرة) (أ.ب)
نيكول كيدمان في لقطة من فيلم «ديستروير» (مدمرة) (أ.ب)

في فيلمها الجديد «ديستروير» (مدمرة)، تؤدي نيكول كيدمان ما يمكن وصفه بالدور الجديد عليها فعلاً. هي عادة ما تهب كل موهبتها للدور الذي تقوم به؛ هذا ليس جديداً. الجديد هنا هو أنها تمتزج بالشخصية التي تؤديها في هذا الفيلم لدرجة أنك لا ترى نيكول كيدمان إلا من خلال شخصيتها. على عكس ممثلات وممثلين كثيرين، لا ترى الممثل يمثل الشخصية، بل ترى الشخصية تلبس الممثل، وتصبح هو.
يدور السيناريو حول شخصية تحرية، اسمها إرين بل، تبدو منهكة منذ البداية، وذلك بسبب أحداث وقعت في ماضيها. كانت ذات يوم من خيرة تحريي الـ«إف بي آي»، لكنها لم تضطلع بالمهمة الأخيرة التي أوكلت لها على نحو جيد؛ سقط رفاق لها، وسقطت هي في مأزق نفسي صعب. هذا ما يجعلها غير محبوبة ووحيدة في عملها.
لكن ذلك لا يعفيها من العمل حتى من ذلك القاع الذي تعيش فيه اليوم. ها هي تحقق في جريمة قتل ارتكبها، كما تعتقد، شخص كانت تعرفه. الأحداث ستتولى تأكيد ذلك أو نفيه، لكن إرين، ومن حيث لا تدري، تنخرط في تحقيق خطير؛ النجاح فيه قد يعيد الثقة بها من قِبل رؤسائها وزملائها، والأهم من قِبلها هي نفسها.
بهذا الفيلم تعود كيدمان إلى الدوائر القريبة من ترشيحات الأوسكار. ولعل ترشيحها قبل أيام لجائزة أفضل ممثلة عن دورها في هذا الفيلم في مسابقة «نقابة الممثلين الأميركية»، ومن قبل في ترشيحات «جمعية مراسلي هوليوود الأجانب»، المعروفة بـ«غولدن غلوبس»، يقترح أنها ستكون أحد الأسماء المرشحة بقوة لجائزة الأوسكار عن دورها في هذا الفيلم.
منذ البداية، وجدنا نيكول كيدمان تتمتع بأدوار تمنتها ممثلات أخريات: انطلقت بفيلم أسترالي (حيث وُلدت)، عنوانه «Dead Calm»، ثم استرعت بسرعة اهتمام هوليوود، وحطت في المدينة السينمائية وهي في الثانية والعشرين من عمرها.
من مطلع الثمانينات لم تتوقف عن العمل، وقائمة أفلامها الآن تقترب من ثمانين فيلماً، بعضها أفضل من بعض، لكن هذا التفاوت أمر طبيعي هي آخر المسؤولين عنه.
إلى جانب «مدمرة»، لديها فيلمان آخران في هذه الفترة، هما: «بوي إرايسد» (صبي ممحي)، و«أكوامان»، والحديث هنا يدور حول هذه الأفلام الثلاثة، كما حول مفهومها لدور الممثل، وحول السر في كونها ما زالت ناجحة في مهنتها إلى اليوم.
كلوز أب
‫> كيف تصفين دورك في «مدمّرة»، إذ لم يسبق لك أن لعبت مثل هذا الدور من قبل؟‬
- كممثلة، كان هذا الدور هدية لي... ليس الدور الذي يعرض عليّ عادة، وربما لن يعرض عليّ مستقبلاً.
‫>‬ أنت في فيلمين معاً هذا العام تلعبين دور الأم في كل واحد منهما: «مدمرة»، و«صبي ممحي»... هل هو اتجاه جديد بالنسبة إليك؟
- لعبت دور الأم سابقاً، لكني لم أؤدي دور الأم في فيلمين متواليين هكذا. رغم ذلك، أعتقد أنها كانت فرصة جيدة لتمثيلهما. دور الأم ليس بحد ذاته مختلفاً عن أي دور آخر، لكن ارتباط الدور بالحكاية التي يعرضها كل فيلم هو المختلف. لذلك هناك اختلاف بين هذين الدورين: في «مدمرة» أنا تقريباً في كل لقطة، بينما المحور في «صبي ممحي» هو الصبي نفسه.
>‬ الاختلاف يكمن فعلاً في أنك تظهرين على الشاشة معظم الوقت في «مدمرة»... أليس كذلك؟
- نعم، صحيح. في «مدمرة» أيضاً تلتقطني الكاميرا في كثير من المشاهد عن قرب؛ كان عليّ في هذه اللقطات أن أستخرج من ذاتي ما تتطلبه اللقطة من مشاعر. لذلك أقول إن أدائي لا يمكن له أن يكون مفبركاً، ما دام أن الكاميرا تلتقطني في «كلوز أب». هذا فرض إظهار التوتر الذي تعيشه الشخصية.
> لديك فيلم ثالث هذه الأيام هو «أكوامان». أول ما يتبادر إلى ذهني أنك تعملين مع مخرجين آسيويين هما: كارين كوساما في «مدمرة»، وجيمس وان في «أكوامان»... ما الذي تجدينه في أسلوبهما متشابهاً؟
- مختلفان جداً. طبعاً، جيمس وان هو مخرج أفلام كبيرة، ويعرف تماماً كل شؤون هذه الصناعة، لأنها تنتظر منه تقديم عمل جماهيري كبير ناجح. كوساما هي المضاد التام له؛ مخرجة مستقلة كان لديها نجاحات وإخفاقات.
> مثلت في أفلام من كل حجم إنتاجي سابقاً.
- نعم، هذا ما أحببت القيام به دوماً، ومارسته كثيراً. بالنسبة لي، أحب هذا السير على الخط الرفيع الفاصل بين النوعين: أحياناً في أدوار صغيرة، كما هو الحال في «أكوامان»، وأحياناً كثيرة أنا في الدور الرئيسي في أفلام ذات حجم مختلف.
‫>‬ تعاونك مع مخرجين غير أميركيين مشهود؛ مثلت تحت إدارة لارس فون ترايير في «دوغفيل»، وأليخاندرو أمينبار في «الآخرون». وقبل نحو عامين، ظهرت في «مقتل غزال مقدس» ليورغوس لانثيموس… بماذا يمدك التمثيل في أفلام لمخرجين غير أميركيين؟
- أعتقد أنها التجربة بحد ذاتها؛ تجربة التعامل مع ثقافة أخرى، ومع حكايات مختلفة عادة، لا يمكن لها أن تكون أميركية. هذه الأفلام التي ذكرت أو سواها نتاج محلي، حتى إن شهدت عروضاً ونجاحات عالمية، وقد قمت بالتمثيل فيها لأنها مختلفة، ولأني فضولية. أحب التعرف على التجارب الأخرى.
> لا أنسى «ملكة الصحراء» لفرنر هرتزوغ الذي كان موضوع لقائنا السابق قبل عامين… هل يزعجك أن هذه الأفلام عادة لا تجد توزيعاً مناسباً في الولايات المتحدة؟
- كم أود لو أنها تعرض في أميركا كما تعرض حول العالم. في يقيني أنها تستحق التوزيع العادل، لكن هناك قواعد معينة تنتمي إلى السوق ومتطلباته. إذا كان الإقبال على مثل هذه الأفلام محدوداً في الولايات المتحدة، فسيكون توزيعها محدوداً أيضاً.

أمومة
>‬ بين وصف البعض لك بأنك نجمة وبين وصفك لنفسك بأنك ممثلة ماذا تفضلين؟
- أرى نفسي ممثلة. أرى أن هذا الوصف هو الأقرب لمفهومي ولنفسي؛ إنه يصف ما أقوم به في حياتي. أنا ممثلة، ومن الطبيعي أن أكنى بذلك. النجومية شيء آخر، وحياة اليوم تمنح الشهرة لكثيرين يحملون الصفة لبضع سنوات. وحتى لو حملوها لسنوات طويلة، فأنا متأكدة أن من يستحقها يفضل دوماً أن يعرف بأنه ممثل.
‫>‬ أعتقد أن الممثل إذا ما أراد اعتبار نفسه ممثلاً، وليس نجماً، حتى إن كان مشهوراً جداً، إنما يسيطر على مقدراته على نحو أفضل.
- هذا صحيح تماماً. بالنسبة لي، أصر على اعتبار نفسي ممثلة، لأن الكلمة تضعني في إطار عملي الذي أمارسه. هذه هويتي، وهذه مهنتي في الوقت ذاته.
>‬ بالنسبة لـ«مدمرة»، هل كان عليك القيام بالبحث في كيفية تصرف أو سلوك هذه الشخصية؟ هل درستها؟
- تدربت مع مجندين كي لا يبدو الأمر كما لو أنني أمسك السلاح لأول مرة (ضحك).
>‬ لم تحملي سلاحاً في حياتك؟
- لا، وليس بالتأكيد السلاح الذي تشاهده في الفيلم. لم أكن أعرف أي شيء عنه، وقمت بتلقي التدريب، لأنه كان من الضروري بالنسبة لي ألا أبدو كما لو كنت أمسك «AR‪ - ‬15» لأول مرة. هذا كان سيبدو واضحاً في الفيلم لو لم أتمرن عليه.
>‬ ما أصعب شيء في التمرن على سلاح متقدم كهذا؟ إصابة الهدف؟
- لا، هذا يأتي لاحقاً. أصعب شيء هو جعل السلاح كما لو كان منتمياً إليك كطبيعة ثانية. عليك أن تعرف كيف تشحن السلاح أو تفرغه، وأن تكون مستعداً لأي طارئ. لم أكن أريد أن أتيح للمخرجة أن تطلب مني مشهداً لا أستطيع تلبيته.
‫•‬ كم استغرق التدريب؟
- شهراً كاملاً.
>‬ أعود إلى نقطة سابقة، حين ذكرنا أنك لعبت دور الأم في هذين الفيلمين الأخيرين: «صبي ممحي» و«مدمرة»، لكنك في الواقع أنت الأم أيضاً في «أكوامان»، ولو أن هذا الأخير خيالي بالكامل... هل يتطلب الأمر منك استعارة سلوك معين من حياتك الخاصة، كونك أماً بالفعل؟
- بالطبع. كما ذكرت أنت، «أكوامان» مختلف عنهما. دوري لا يتطلب أي استعارة فعلية من الحياة الخاصة، بل قراءة الدور جيداً، وتقديمه جيداً. الفيلمان الآخران مختلفان حتى بالنسبة لنوعية تلك الأم؛ اختلاف صادر من اختلاف الشخصية المراد تقديمها، لكن ربما هذه الاستعارة التي تتحدث عنها تأتي تحت البشرة، ولا تظهر بوضوح في مثل هذه الأدوار، هي ممارسة في المشاعر والأحاسيس، وليس في الأحداث ذاتها. ليس على الأقل بالنسبة لفيلم «مدمرة»؛ الفيلم الآخر قريب إلى الدور الطبيعي للأمومة.
>‬ لكن لا بد أن نجاحك منذ بدايتك في مطلع الثمانينات إلى اليوم له علاقة بسبب آخر غير مسألة الأمومة والأسرة السعيدة... ما الشيء الواحد الذي جعلك تحافظين على نجاحك المستمر إلى اليوم؟
- الشغف. ما زلت أحب عملي، وأشعر بأني لو عدت إلى الحياة مرّة أخرى، فسأشق الطريق كممثلة من جديد.
‫>‬ هل توافقين على أن أدوارك لم تكن دائماً متساوية في الأهمية؟
- بالطبع. مرّت بي سنوات مثلت فيها أدواراً لم أشعر حيالها بأي عاطفة فعلية؛ لم تكن مرضية بالنسبة لي، لكن الإصرار على تجاوز المصاعب، والاستمرار في العمل ممثلة، والقفز فوق الأدوار الضعيفة بحثاً عن أدوار أفضل، يعود إلى هذا الشغف والحب للتمثيل الذي أتحدث عنه.
>‬ لم تمارسي الكتابة للسينما ولا تحولت إلى الإخراج... لماذا؟
- لأنني لا أريد أن أكون أكثر من ممثلة، هكذا ببساطة؛ هذا يكفيني. كذلك لا أعتقد أنني سأكون كاتبة جيدة أو مخرجة أضيف جديداً لهذه المهنة؛ كلاهما موهبة مختلفة عن الأخرى.
>‬ هل لعبت حقيقة أن مخرجة «مدمرة» امرأة دوراً في قبولك الدور؟
- أعرف ما تقصد، وأعتقد أن هذا صحيح، ليس كسبب أول. في البداية، وجدت السيناريو المكتوب جيداً وملائماً لما أود القيام به، وأستطيع أن أجيده. لم أمثل الكثير من الشخصيات البوليسية، ولا الكثير من هذه الدراميات الداكنة؛ هذا كان أهم سبب في الواقع، لكني عادة ما أحب المشاركة في جهد تقوم به مخرجات أناث، أو الاشتراك في بطولة متعددة مع ممثلات أخريات.
>‬ نوع من التأييد؟
- نعم.
‫>‬ فعلت ذلك أكثر من مرّة في السابق، مثلاً في «الساعات» مع جوليان مور وميراندا رتشردسون وميريل ستريب. أعتقد أن فيلمك المقبل هو من هذا النوع أيضاً.
- نعم، لكني دوري فيه صغير. تشارليز ثيرون تقوم ببطولته وبإنتاجه، وأشترك فيه مع مارغوت روبي وكايت مكينون وكوني بريتون.
‫>‬ ما عنوانه؟
- ما زال بلا عنوان حتى الآن.


مقالات ذات صلة

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».