«الليالي البيضاء»... نشاطات فنية تتوج بحفل موسيقى جاز

«بيت الفنان» في حمانا يختتم بها عام 2018

دونا خليفة تحيي حفل ختام عام 2018 في «بيت الفنان» بحمانا مع موسيقى الجاز
دونا خليفة تحيي حفل ختام عام 2018 في «بيت الفنان» بحمانا مع موسيقى الجاز
TT

«الليالي البيضاء»... نشاطات فنية تتوج بحفل موسيقى جاز

دونا خليفة تحيي حفل ختام عام 2018 في «بيت الفنان» بحمانا مع موسيقى الجاز
دونا خليفة تحيي حفل ختام عام 2018 في «بيت الفنان» بحمانا مع موسيقى الجاز

لم يقتصر الأبيض على الثلوج التي تغطي رؤوس جبال لبنان في هذا الموسم من الشتاء، إذ نظم «بيت الفنان» في بلدة حمانا «الليالي البيضاء»؛ نشاطات فنية اختتم بها عام 2018.
وأتت هذه الأمسيات الفنية ضمن برنامج «ليالي العيد»، الذي نظمه المركز نفسه للسنة الثانية على التوالي في حمانا. ويختتم البرنامج أعماله الليلة مع حفل لموسيقى الجاز، للعازفة المغنية دونا خليفة. ويقدم تريو غنائي، يتألف من خليفة التي تتولى مهمة الغناء والعزف على «الباص»، ونضال أبو سمرة على البيانو والساكسفون، وسامر زغير على الطبول، أجمل المقطوعات الموسيقية.
«هي أمسية موسيقية نتوجه بها إلى الشباب والكبار معاً، نقدم فيها معزوفات خاصة بي، وأخرى لفنانين عالميين أثرت أعمالهم في مجال موسيقى الجاز الكلاسيكية والمعاصرة».. تقول دونا خليفة في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»، وتضيف: «سيستمتع الحضور بسماع أغنيات لهيربي هانكوك، وريتشارد روجرز، وأوليفر نيلسون، وأنطونيو كارلوس جوبيم، وغيرهم، أمثال ديوك اللينغتون».
كما سيتم عزف مقطوعات من الجاز البرازيلي، ومن نوع «الفانك»، أعادت توزيع موسيقاها دونا خليفة بأسلوبها الخاص. وفي القسم الثاني من هذا الحفل الذي يستغرق نحو 90 دقيقة، تستضيف دونا خليفة فنانين معروفين، أمثال عازف الغيتار جو عواد، وفريق «بيروت جاز فوكال أنسامبل» الذي يتألف من 10 مغنيين سيؤدون أغنيات مشهورة مأخوذة من أفلام سينمائية معروفة، كـ«صوت الموسيقى» الذي صور في عام 1964.
وتشير خليفة إلى أن هذا النوع من الموسيقى الذي عادة ما يستقطب أجيالاً سابقة بات اليوم يجذب بتوليفته الحديثة الشباب اللبناني، وتعلق: «إننا نقوم بهذا النوع من الحفلات بتعريف جيل اليوم على موسيقى الجاز، وعلى أهم نجومها عبر التاريخ الفني».
وكانت النشاطات قد استهلت بورشة رقص تعبيري مع يارا بستاني التي نظمت ورش عمل بهدف التحفيز على الوعي الجسماني، كشكل من أشكال التعبير الحركي الذي يخاطب مساحة الإبداع والثقة بالنفس والتعبير الذاتي. وأتاحت الورشة فرصة التعرف إلى أنماط حركية جديدة عبر استخدام الألعاب والارتجال كمهارات لتطوير الخيال وإيقاظه، كحافز لاستكشاف الحركة والرقص واللعب.
وتحت عنوان «زهور برية وأوراق مدورة»، أقيمت ورشة فنية تتوجه للأطفال، أدارتها الفنانة التشكيلية ابتسام ديب، لاستكشاف تقنيات إبداعية لخلق أحرف جميلة من الأوراق المعاد تدويرها وعناصر من الطبيعة، فيما قدمت جوقة «سينكوب» أمسية غنائية خاصة بالأعياد، دمجت الموسيقى الكلاسيكية مع الحديثة منها ضمن أغاني معروفة من وحي المناسبة.
ويعد «بيت الفنان» في حمانا بمثابة حضن لأحلام شباب البلدة، وللمواهب الفنية فيها وفي مختلف المناطق اللبنانية، وهو يقدم على مدار السنة برامج فنية منوعة، يستضيف فيها فنانين من لبنان والخارج. فيقدمون أعمالهم، من معارض وحفلات موسيقية وغنائية. كما يفتح أبوابه مجاناً أمام الجميع كي يتسنى لمختلف الشرائح والفئات من المجتمع اللبناني المشاركة في فنون الرقص والموسيقى والرسم والشعر والنحت وغيرها.
ويقع «بيت الفنان» في وسط البلدة التي ارتبط أحد قصورها وأوديتها باسم لامارتين (الشاعر الفرنسي) الذي اتخذ من منزل قديم عمره أكثر من 100 عام مركزاً له. وكان د. روبير عيد قد ورثه، فقرر تحويله إلى مكان يخدم الفن وأهله، كون هذا المجال من شأنه أن يلطف العلاقات بين أهل المنطقة الواحدة، ويشهد ولادة نواة ثقافية صلبة في البلدة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».